(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28nindex.php?page=treesubj&link=28973_30336كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم )
[ ص: 205 ] الكلام متصل بما قبله ومرتبط به ارتباطا محكما ، والخطاب للفاسقين الذين يضلون بالمثل ؛ فإنه وصفهم أولا بنقض العهد الإلهي الموثق ، وقطع ما أمر به سبحانه أن يوصل ، سواء كان الأمر أمر تكوين وهو السنن الكونية ، أو أمر تشريع وهو الديانة السماوية ، ثم بعد هذا البيان جاء بهذا الاستفهام التعجبي عن صفة كفرهم مقترنا بالبرهان الناصع على أنه لا وجه له ولا شبهة تسوغ الإقامة عليه ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28كيف تكفرون بالله ) أي بأي صفة من صفات الكفر بالله - تعالى - تأخذون ، وعلى أية شبهة فيه تعتمدون ، وحالكم في موتتيكم وحياتيكم تأبى عليكم ذلك ولا تدع لكم عذرا فيه ؟ وبين هذه الحال بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28وكنتم أمواتا فأحياكم ) أي والحال أنكم كنتم قبل هذه النشأة الأولى من حياتكم الدنيا أمواتا منبثة أجزاؤكم في الأرض ، بعضها في طبقتها الجامدة وبعضها في طبقتها السائلة وبعضها في طبقتها الغازية ( الهوائية ) لا فرق في ذلك بينها وبين أجزاء سائر الحيوان والنبات ، فخلقكم أطوارا من سلالة من طين فكنتم بالطور الأخير في أحسن تقويم ، وفضلكم على غيركم بما وهبكم من العقل والإدراك ، وما سخر لكم من الكائنات (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28ثم يميتكم ) بقبض الروح الحي الذي به نظام حياتكم هذه فتنحل أبدانكم بمفارقته إياها وتعود إلى أصلها الميت ؛ وتنبث في طبقات الأرض وتدغم في عوالمها حتى ينعدم هذا الوجود الخاص بها (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28ثم يحييكم ) حياة ثانية كما أحياكم بعد الموتة الأولى بلا فرق إلا ما تكون به الحياة الثانية أرقى في مرتبة الوجود وأكمل لمن يزكون أنفسهم في تلك ، وأدنى منها وأسفل فيمن يدسونها ويفسدون فطرتها (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=9قد أفلح من زكاها nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=10وقد خاب من دساها ) ( 91 : 9 - 10 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28ثم إليه ترجعون ) فينبئكم بما عملتم ، ويحاسبكم على ما قدمتم ، ويجازيكم به . وأقول : إن تراخي الإرجاع إلى الله - تعالى - عن حياة البعث عبارة عن تأخير الحساب والجزاء طول زمن الوقوف والانتظار كما ورد في حديث الشفاعة العظمى وغيره ، فإذا كان هذا شأنكم معه وهذا فضله عليكم ، وهذا مبدؤكم وذلك منتهاكم ، فكيف تكفرون به وتنكرون عليه أن يضرب لكم مثلا تهتدون به ، ويبعث فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياته ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ، ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من قيام مصالحكم في حياتكم الأولى ، وسعادتكم في حياتكم الأخرى ؟ .
لا يقال : كيف يحتج عليهم بالحياة الثانية قبل الإيمان بالوحي الذي هو دليلها ومثبتها ؟ لأنه احتجاج على مجموع الناس بما عليه الأكثرون منهم ، ولا عبرة بالشذاذ المنكرين للبعث في هذا المقام ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28760الاحتجاج بالحياة الأولى بعد الموتة الأولى كاف للتعجب من كفرهم بالله وإنكارهم عليه أن يضرب مثلا ما لهداية الناس زعما أن هذا لا يليق بعظمته ، فإن من أوجد هذا الإنسان الكريم ، وجعله في أحسن تقويم ، وركب صورته من تلك الذرات الصغيرة والنطفة المهينة الحقيرة ، والعلقة الدموية أو الدودية ، والمضغة اللحمية (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) والكلام مسوق لإبطال شبه منكري المثل والقرآن الذي جاء به ،
[ ص: 206 ] لا لإبطال شبه منكري البعث بلوامع شهبه ، ثم إن تمثيل إحدى الحياتين بعد الموت بالأخرى داحض لحجة من يزعم عدم إمكان الثانية ؛ لأن ما جاز في أحد المثلين جاز في الآخر ، والكلام في إثبات الوحي الإلهي للنبي المرسل من البشر والإيمان بالبعث تابع له .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28nindex.php?page=treesubj&link=28973_30336كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
[ ص: 205 ] الْكَلَامُ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ وَمُرْتَبِطٌ بِهِ ارْتِبَاطًا مُحْكَمًا ، وَالْخِطَابُ لِلْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَضِلُّونَ بِالْمَثَلِ ؛ فَإِنَّهُ وَصَفَهُمْ أَوَّلًا بِنَقْضِ الْعَهْدِ الْإِلَهِيِّ الْمُوَثَّقِ ، وَقَطْعِ مَا أَمَرَ بِهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يُوصَلَ ، سَوَاءٌ كَانَ الْأَمْرُ أَمْرَ تَكْوِينٍ وَهُوَ السُّنَنُ الْكَوْنِيَّةُ ، أَوْ أَمْرَ تَشْرِيعٍ وَهُوَ الدِّيَانَةُ السَّمَاوِيَّةُ ، ثُمَّ بَعْدِ هَذَا الْبَيَانِ جَاءَ بِهَذَا الِاسْتِفْهَامِ التَّعَجُّبِيِّ عَنْ صِفَةِ كُفْرِهِمْ مُقْتَرِنًا بِالْبُرْهَانِ النَّاصِعِ عَلَى أَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ وَلَا شُبْهَةَ تُسَوِّغُ الْإِقَامَةَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ) أَيْ بِأَيِّ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ - تَعَالَى - تَأْخُذُونَ ، وَعَلَى أَيَّةِ شُبْهَةٍ فِيهِ تَعْتَمِدُونَ ، وَحَالُكُمْ فِي مَوْتَتَيْكُمْ وَحَيَاتَيْكُمْ تَأْبَى عَلَيْكُمْ ذَلِكَ وَلَا تَدَعُ لَكُمْ عُذْرًا فِيهِ ؟ وَبَيَّنَ هَذِهِ الْحَالَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَبْلَ هَذِهِ النَّشْأَةِ الْأُولَى مِنْ حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا أَمْوَاتًا مُنْبَثَّةٌ أَجَزَاؤُكُمْ فِي الْأَرْضِ ، بَعْضُهَا فِي طَبَقَتِهَا الْجَامِدَةِ وَبَعْضُهَا فِي طَبَقَتِهَا السَّائِلَةِ وَبَعْضُهَا فِي طَبَقَتِهَا الْغَازِيَّةِ ( الْهَوَائِيَّةِ ) لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَجْزَاءِ سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ ، فَخَلَقَكُمْ أَطْوَارًا مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ فَكُنْتُمْ بِالطَّوْرِ الْأَخِيرِ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ، وَفَضَّلَكُمْ عَلَى غَيْرِكُمْ بِمَا وَهَبَكُمْ مِنَ الْعَقْلِ وَالْإِدْرَاكِ ، وَمَا سَخَّرَ لَكُمْ مِنَ الْكَائِنَاتِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ) بِقَبْضِ الرُّوحِ الْحَيِّ الَّذِي بِهِ نِظَامُ حَيَاتِكُمْ هَذِهِ فَتَنْحَلُ أَبْدَانُكُمْ بِمُفَارَقَتِهِ إِيَّاهَا وَتَعُودُ إِلَى أَصْلِهَا الْمَيِّتِ ؛ وَتَنْبَثُّ فِي طَبَقَاتِ الْأَرْضِ وَتُدْغَمُ فِي عَوَالِمِهَا حَتَّى يَنْعَدِمَ هَذَا الْوُجُودُ الْخَاصُّ بِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) حَيَاةً ثَانِيَةً كَمَا أَحْيَاكُمْ بَعْدَ الْمَوْتَةِ الْأُولَى بِلَا فَرْقٍ إِلَّا مَا تَكُونُ بِهِ الْحَيَاةُ الثَّانِيَةُ أَرْقَى فِي مَرْتَبَةِ الْوُجُودِ وَأَكْمَلَ لِمَنْ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ فِي تِلْكَ ، وَأَدْنَى مِنْهَا وَأَسْفَلَ فِيمَنْ يَدُسُّونَهَا وَيُفْسِدُونَ فِطْرَتَهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=9قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=10وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) ( 91 : 9 - 10 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا عَمِلْتُمْ ، وَيُحَاسِبُكُمْ عَلَى مَا قَدَّمْتُمْ ، وَيُجَازِيكُمْ بِهِ . وَأَقُولُ : إِنَّ تَرَاخِيَ الْإِرْجَاعِ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - عَنْ حَيَاةِ الْبَعْثِ عِبَارَةٌ عَنْ تَأْخِيرِ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ طُولَ زَمَنِ الْوُقُوفِ وَالِانْتِظَارِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى وَغَيْرِهِ ، فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنُكُمْ مَعَهُ وَهَذَا فَضْلُهُ عَلَيْكُمْ ، وَهَذَا مَبْدَؤُكُمْ وَذَلِكَ مُنْتَهَاكُمْ ، فَكَيْفَ تَكْفُرُونَ بِهِ وَتُنْكِرُونَ عَلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَ لَكُمْ مَثَلًا تَهْتَدُونَ بِهِ ، وَيَبْعَثُ فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ، وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ مِنْ قِيَامِ مَصَالِحِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الْأُولَى ، وَسَعَادَتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الْأُخْرَى ؟ .
لَا يُقَالُ : كَيْفَ يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِالْحَيَاةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْإِيمَانِ بِالْوَحْيِ الَّذِي هُوَ دَلِيلُهَا وَمُثْبِتُهَا ؟ لِأَنَّهُ احْتِجَاجٌ عَلَى مَجْمُوعِ النَّاسِ بِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ ، وَلَا عِبْرَةَ بِالشُّذَّاذِ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ فِي هَذَا الْمَقَامِ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28760الِاحْتِجَاجَ بِالْحَيَاةِ الْأَوْلَى بَعْدَ الْمَوْتَةِ الْأُولَى كَافٍ لِلتَّعَجُّبِ مِنْ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَإِنْكَارِهِمْ عَلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا لِهِدَايَةِ النَّاسِ زَعْمًا أَنَّ هَذَا لَا يَلِيقُ بِعَظَمَتِهِ ، فَإِنَّ مَنْ أَوْجَدَ هَذَا الْإِنْسَانَ الْكَرِيمَ ، وَجَعَلَهُ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ، وَرَكَّبَ صُورَتَهُ مِنْ تِلْكَ الذَّرَّاتِ الصَّغِيرَةِ وَالنُّطْفَةِ الْمَهِينَةِ الْحَقِيرَةِ ، وَالْعَلَقَةِ الدَّمَوِيَّةِ أَوِ الدُّودِيَّةِ ، وَالْمُضْغَةِ اللَّحْمِيَّةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26لَا يَسْتَحْيِ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوَضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) وَالْكَلَامُ مَسُوقٌ لِإِبْطَالِ شُبَهِ مُنْكِرِي الْمَثَلِ وَالْقُرْآنِ الَّذِي جَاءَ بِهِ ،
[ ص: 206 ] لَا لِإِبْطَالِ شُبَهِ مُنْكِرِي الْبَعْثِ بِلَوَامِعِ شُهُبِهِ ، ثُمَّ إِنَّ تَمْثِيلَ إِحْدَى الْحَيَاتَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْأُخْرَى دَاحِضٌ لِحُجَّةِ مَنْ يَزْعُمُ عَدَمَ إِمْكَانِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ فِي أَحَدِ الْمَثَلَيْنِ جَازَ فِي الْآخَرِ ، وَالْكَلَامُ فِي إِثْبَاتِ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ لِلنَّبِيِّ الْمُرْسَلِ مِنَ الْبَشَرِ وَالْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ تَابِعٌ لَهُ .