(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=88nindex.php?page=treesubj&link=28976_24477وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ) هذا تصريح بالأمر بضد مقتضى النهي الذي قبله ، أي كلوا مما رزقكم الله تعالى إياه حال كونه حلالا في نفسه ، غير داخل فيما حرمه عليكم من الميتة بأنواعها والدم المسفوح ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وحلالا في طريقة كسبه وتناوله ، بألا يكون ربا أو سحتا أو غصبا أو سرقة ، ومن الناس من يقول : إن الرزق في عرف الشرع ما ملك ملكا صحيحا ، لا كل ما انتفع به الإنسان ، فلا يحتاج إلى هذا القيد وحال كونه مستلذا غير مستقذر في نفسه أو لفساد طرأ عليه كالطعام المنتن .
والمراد بالأكل التمتع ، فيدخل فيه الشرب مما كان حلالا غير مسكر ولا ضار ، طيبا غير مستقذر في نفسه أو بفساده أو نجاسة طرأت عليه ، وإنما عبر بالأكل لأنه هو الغالب
[ ص: 24 ] كما عبر في مثل قوله : ( ولا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) ( 4 : 29 ) وهو يعم كل ما ينتفع به من طعام وشراب ولباس ومتاع ومأوى وكثيرا ما تطلق العرب الخاص فتريد به العام وما تطلق العام فتريد به الخاص ، ويعرف ذلك بالسياق والقرائن .
الأمر ههنا للوجوب لا للإباحة ، فهو ليس من الأمر بالشيء بعد النهي عنه المفيد للإباحة فقط ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وإذا حللتم فاصطادوا ) ( 5 : 2 ) وإنما هو تصريح بأن امتثال النهي عن تحريم الطيبات لا يتحقق إلا بالانتفاع بها فعلا ، إذ ليس المراد بتحريمها المنهي عنه تحريمها بمجرد القول أو بالاعتقاد ، بل المراد به أولا وبالذات الامتناع منها عمدا تقربا إلى الله تعالى بتعذيب النفس وحرمانها ، أو إضعافها للجسد توهما أن إضعافه يقوي الروح ، أو لغير ذلك من الأسباب والعلل; كمن يحرم على نفسه شيئا بنذر لجاج أو يمين ، وكل هذا مما لا يزال يبتلى به كثير من المسلمين ، دع ما كانت تحرمه الجاهلية على أنفسها من الأنعام أو نسلها تكريما لها لكثرة نتاجها ، أو تعظيما لصنم تسيبها له ، كما تراه مبينا في سورة الأنعام التي بعد هذه السورة .
وحكمة النهي عن ذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=19607_29485الله تعالى يحب من عباده أن يقبلوا نعمه ويستعملوها فيما أنعم بها لأجله ويشكروا له ذلك ، ويكره لهم أن يجنوا على الفطرة التي فطرهم عليها ، فيمنعوها حقوقها ، وأن يجنوا على الشريعة التي شرعها لهم فغلوا فيها بتحريم ما لم يحرمه ، كما يكره لهم أن يفرطوا فيها باستباحة ما حرمه أو ترك ما فرضه ، ولأجل هذه الحكمة لم يكتف بالنهي عن تحريم الطيبات حتى صرح بالأمر باستعمالها والتمتع بها ، وقد بين تعالى غاية ذلك وحكمته التي أشرنا إليها بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ) ( 2 : 172 ) والشكر يكون بالقول والعمل ، ولذلك قارن النبي صلى الله عليه وسلم بين هذه الآية في خطاب المؤمنين ، وما في معناها من خطاب المرسلين ، فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919464إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : ( nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) ( 23 : 51 ) وقال : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ( 2 : 172 ) " ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي من الحرام فأنى يستجاب له ؟ " رواه
أحمد ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وغيرهم ، وفي الحديث تعريض بالعباد وأهل السياحة من الأمم السالفة الذين كانوا يرون أن روح العبادة التقشف والشعوثة ، حتى إنهم على تقشفهم ما كانوا يتحرون الحلال ، كأنهم يرون التقشف وتعذيب النفس يبيحان لهم ما عداهما فيكونون أهلا لاستجابة دعائهم ، واستدل بعضهم بالحديث على كون المراد بالطيبات الحلال ميلا إلى ذلك المذهب البرهمي ، بل زعم بعضهم مثل ذلك في الآيات التي قرنت الحلال بالطيب فجعلوا الطيب تأكيدا للحلال .
[ ص: 25 ] فامتثال هذا الأمر وذلك النهي لا يتحقق إلا بالتمتع بما يتيسر من الطيبات فعلا بلا تأثم ولا حرج ، بل ينبغي للمؤمن أن يكون طيب النفس بذلك ، ملاحظا أنه من نعمة الله وفضله ، ومن أسباب مرضاته ومثوبته ، وأن مرضاته ومثوبته عليه تكون على حسب شهود المنتفع للنعم وشكره للمنعم ، وأعني بالشهود أن يحضر قلبه أنه عامل بشرع الله ومقيم لسنة فطرته التي فطر الناس عليها ، وأنه يجب أن يشكر له ذلك بالاعتراف والحمد والثناء كما شكره بالاعتقاد والاستعمال ، وبذلك يكون عاملا بالكتاب والحكمة .
فعلم مما شرحناه أن
nindex.php?page=treesubj&link=24625_29499امتناع امرئ من الطيبات التي رزقه إياها مع الداعية الفطرية للاستمتاع بها إثم يجنيه على نفسه في الدنيا ، ويستحق به عقاب الله في الآخرة بزيادته في دين الله قربات لم يأذن بها الله ، وبما يترتب على ذلك من إضاعة بعض حقوق الله وحقوق عباد الله كإضاعة حقوق امرأته أو عياله ، وناهيك به إذا انتصب قدوة لغيره ، فكان سببا لغلو بعض الناس في الدين وتحريمهم على أنفسهم وعلى من يقتدي بهم ما أحله الله تعالى .
والتحريم والتحليل تشريع : وهو حق من حقوق الربوبية ، فمن انتحله لنفسه كان مدعيا للربوبية أو كالمدعي لها ، ومن اتبع في ذلك فقد اتخذ ربا ، كما يؤخذ من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ( 9 : 31 ) وسيأتي في موضعه في التفسير .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=88nindex.php?page=treesubj&link=28976_19865واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) في الأكل وغيره ، فلا تفتاتوا عليه في تحريم ولا تحليل ، ولا تتعدوا حدوده فيما أحل ولا فيما حرم ، فإن اتقاء سخطه في ذلك من لوازم إيمانكم به ، ومن اعتداء حدوده في الأكل والشراب الإسراف فيها ، فإنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) ( 7 : 31 ) فمن
nindex.php?page=treesubj&link=19251جعل شهوة بطنه أكبر همه فهو من المسرفين ، ومن
nindex.php?page=treesubj&link=19251بالغ في الشبع وعرض معدته وأمعاءه للتخم فهو من المسرفين ، ومن أنفق في ذلك أكثر من طاقته ، وعرض نفسه لذل الدين أو أكل أموال الناس بالباطل ، فهو من المسرفين ، وما كان المسرف من المتقين .
والأمر بالتقوى في هذا المقام أوسع معنى وأعم فائدة من النهي عن الإسراف في آية الأعراف التي أوردناها آنفا ، فهو من باب الجمع بين حقوق الروح وحقوق الجسد ، وبه يدفع إشكال من عساه يقول : إن الدين شرع لتزكية النفس ، والتمتع بالشهوات واللذات ينافي التزكية وإن اقتصر فيه على المباحات ، وكم أفضى التوسع في المباحات إلى المحرمات ؟ وقد ذكر تعالى أنه يقال في الآخرة لأهل النار (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ) ( 46 : 20 ) فكيف يكون الاستمتاع بالطيبات مطلوبا شرعا ؟ وكيف يحتاج فيه إلى أمر الشرع ، وهو مستغنى عنه باقتضاء الطبع ؟
[ ص: 26 ] وبيان الدفع : أن
nindex.php?page=treesubj&link=20007تزكية الأنفس إنما تكون بإيقافها عند حد الاعتدال ، واجتذاب التفريط والإفراط ، وقد خلق الله الإنسان مركبا من روح ملكية وجسد حيواني ، فلم يجعله ملكا محضا ، ولا حيوانا محضا ، وسخر له بهذه المزية جميع ما في عالمه الذين يعيش فيه من المواد والقوى والأحياء ، وجعل من سنته في خلقه أنه تكون سلامة البدن وصحته من أسباب سلامة العقل وسائر قوى النفس ، ولذلك حرم عليه ما يضر بجسده ، كما حرم عليه ما يضر بروحه وعقله ، ومن ضعف جسده ، عجز عن القيام بالصلاة والصيام والحج والجهاد والكسب الواجب عليه للنفقة على نفسه وعلى من تجب عليه نفقتهم ، وعلى مصالح أمته العامة ، فإن لم يعجز عن القيام بها كلها ، عجز عن بعضها ، أو من الكمال فيها غالبا ، كما أنه يقل نسله ويجيء قميئا ضعيفا أو ينقطع البتة ، ويكون بذلك مسيئا إلى نفسه وإلى الأمة ، والتمتع بالطيبات من غير إسراف ولا اعتداء لحدود الله وسنن فطرته هو الذي يؤدى به حق الجسد وحق الروح ، ويستعان به على أداء حقوق الله وحقوق خلقه ، فإن صحبته التقوى فيه وفي غيره تتم التزكية المطلوبة .
لا ننكر مع هذا أن
nindex.php?page=treesubj&link=29497_24627منع النفس من الشهوات المباحة أحيانا مما يستعان به على تزكية النفس وتربية الإرادة ، وحسبنا منه ما شرع الله لنا من الصيام ، وهو مما يدخل في عموم التقوى في هذا المقام ، فإنه سبحانه وتعالى بين لنا أن حكمة الصيام وسبب شرعه كونه مرجوا لتحصيل ملكة التقوى إذ قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) ( 2 : 183 ) وقد بينا هذا بالتفصيل في تفسير هذه الآية من الجزء الثاني وفي مواضع أخرى ،
nindex.php?page=treesubj&link=2333فالصيام رياضة بدنية نفسية ، وجمع بين حرمان النفس من لذاتها بقصد التربية ، وبين تمتعها بها توسلا إلى شكر النعمة والقيام بالخدمة ، أما ما قيل من استغناء الناس بداعية الطبع عن أمر الشرع بهذا التمتع ، فهو مدفوع بما أحدثه حب الغلو في كثير من الناس من الجناية على أبدانهم وعقولهم وأممهم بترك طيبات الطعام والنساء ، وأما ما يقال للكفار يوم القيامة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ) فمعناه أنهم جعلوا كل همهم في حياتهم الدنيا التمتع الجسدي ولو بالحرام ، فلم يعطوا إنسانيتهم حقها بالجمع بينه وبين تقوى الله التي هي سبب النعيم الروحاني ، وقد بين تعالى ذلك بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=12والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم ) ( 47 : 12 ) .
فتبين مما شرحناه في تفسير الآيتين أن هدي القرآن في الطيبات أي المستلذات هو ما تقتضيه الفطرة السليمة المعتدلة من التمتع بها مع الاعتدال والتزام الحلال ، كهديه في سائر الأشياء التي يسرف فيها بعض الناس ويقصر بعض ، والاعتدال هو الصراط المستقيم
[ ص: 27 ] الذي يقل سالكه ، فأكثر الناس ينكبون عنه في التمتع إلى جانب الإفراط والإسراف ، فيكونون كالأنعام بل أضل لما يجنون به على أنفسهم ، حتى قال بعض الحكماء : إن أكثر الناس يحفرون قبورهم بأسنانهم ، يعني أنهم لإسرافهم في الطعام يصابون بأمراض تكون سببا لقصر آجالهم ، وإسراع الهرم فيهم ، والقليل من الناس ينحرفون عنه إلى جانب التفريط والتقصير ، إما اضطرارا كالمقترين البائسين ، وإما اختيارا كالزهاد المتقشفين ، والتزام صراط الاعتدال المستقيم أعسر وأشق على النفس ، وأدل على الفضيلة والعقل ، وكل حزب بما لديهم فرحون .
لا يخطر على بال المسرف أن يدعي أنه متبع هدي الدين في إسرافه ، وقصارى ما يعتذر به عن نفسه إذا عذل وعيب عليه إسرافه شرعا أن يدعي أنه لم يتجاوز حد ما أباحه الله له ، وإذا قصد المعتدل اتباع الشرع بإقامة سنة الفطرة وإعطاء كل ذي حق حقه من جسده ونفسه وأهله ، وشكر الله على نعمه باستعمالها كما ينبغي ، فقلما يفطن الناس لذلك منه ، ولا يكاد أحد يعده به كامل الدين معتصما بالفضيلة ، فهي فضيلة لا رياء فيها ولا سمعة ، وإنما المفرطون بتعمد التقشف هم الذين كثيرا ما يغترون بأنفسهم ويغتر الناس بهم ، فهم على انحرافهم عن صراط الدين يدعون أو يدعى فيهم أنهم أكمل الناس في اتباع الدين .
أعوز هؤلاء النص على دعوى كون الغلو في التقشف من الدين ، فتعلقوا ببعض وقائع الأحوال من سيرة فقراء السلف الصالح على تصريحهم بأن وقائع الأحوال في السنة لا يستدل بها لإجمالها وتطرق الاحتمال إليها ، فكيف إذا كانت وقائع من لا يحتج بقول أحد منهم ولا يفعله ؟
عقد
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبو حامد الغزالي في إحيائه كتابا سماه ( كتاب كسر الشهوتين ) شهوة البطن وشهوة الفرج ، وطريقته أن يبدأ في كل موضوع بما ورد فيه من الآيات فالأخبار النبوية فالآثار السلفية ، ونراه لم يجد آية يبدأ بها موضوع ( بيان فضيلة الجوع وذم التشبع ) فبدأه بأحاديث أكثرها لا يعرف المحدثون له أصلا قط ، وبعضها ضعيف أو موضوع فمن هذه الأحاديث ما نذكره غير مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي :
( 1 )
جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش فإن الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله ، وأنه ليس من عمل أحب إلى الله من جوع وعطش ، ( 2 )
لا يدخل ملكوت السماء من ملأ بطنه . ( 3 )
قيل يا رسول الله أي الناس أفضل ؟ قال من قل مطعمه وضحكه ورضي بما يستر به عورته . ( 4 )
سيد الأعمال الجوع ، وذل النفس لبس الصوف ، ( 5 )
البسوا واشربوا وكلوا في أنصاف البطون فإنه جزء من النبوة . ( 6 )
الفكر نصف العبادة ، وقلة الطعام هي العبادة ، ( 7 )
أفضلكم عند الله منزلة يوم القيامة أطولكم جوعا وتفكرا ، [ ص: 28 ] وأبغضكم عند الله كل نئوم وشروب ، ( 8 )
لا تميتوا القلب بكثرة الطعام والشراب فإن القلب كالزرع يموت إذا كثر عليه الماء .
قال
الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء : عند كل حديث من هذه الأحاديث إنه لم يجد له أصلا ، وأقره
المرتضى الزبيدي شارح الإحياء على ذلك .
ومما أورده من المرويات في كتب المحدثين حديث
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد الطويل في
nindex.php?page=treesubj&link=24625_29499وصف الزهاد الذي أوله عنده : "
إن أقرب الناس من الله عز وجل من طال جوعه وعطشه وحزنه في الدنيا ، الأحفياء الأتقياء ( ومنه )
أكلوا العلق ، ولبسوا الخرق ، شعثا غبرا ، يراهم الناس فيظنون أن بهم داء ، وما بهم داء ، ويقال إنهم قد خولطوا فذهبت عقولهم وما ذهبت عقولهم ، ( وفي آخره )
وإن استطعت أن يأتيك بالموت وبطنك جائع وكبدك ظمآن فإنك بذلك تدرك أشرف المنازل وتحل مع النبيين " إلخ ، فهذا رواه
أحمد في الزهد
nindex.php?page=showalam&ids=11890وابن الجوزي في الموضوعات وفي إسناده
حبان بن عبد الله بن جبلة أحد الكذابين وهو منقطع وأكثر رجاله مجهولون ، وأسلوبه بعيد من أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الكتب أطول منه في الإحياء ، وفي الأوصاف تقديم وتأخير .
وجملة القول : أنه لم يورد في جملة تلك الأحاديث كلها من الصحاح إلا حديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919474المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء " هو في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بلفظ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919475يأكل المسلم في معى واحد " إلخ ، وله قصة حملت
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي nindex.php?page=showalam&ids=13332وابن عبد البر على القول بأنه خاص بكافر واحد لا عام ، ولغيرهما فيه بضعة أقوال ، منها أنه مثل للمبالغة في هم الكافر بالتمتع ، وحديث
عائشة "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919476ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز الحنطة حتى فارق الدنيا " وهو في الصحيحين .
وأما المعروف من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو أنه كان يأكل ما وجد ، فتارة يأكل أطيب الطعام كلحوم الأنعام والطير والدجاج ، وتارة يأكل أخشنه كخبز الشعير بالملح أو بالزيت أو الخل ، وتارة يجوع وتارة يشبع ليكون قدوة للمعسر والموسر ، ولكنه ما كان يهمه أمر الطعام ، إنما كان يعني بأمر الشراب ، ففي حديث
عائشة في الشمائل
nindex.php?page=showalam&ids=13948للترمذي "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919477كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البارد " وفي سنن
أبي داود : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919478أنه كان يستعذب له الماء من بيوت السقيا ( بضم السين ) عين أو قرية بينها وبين
المدينة يومان ، قال العلماء : يدخل في ذلك الماء القراح والماء المحلى بالعسل أو نقيع التمر والزبيب ونحو ذلك ، والتفصيل في كتب السنة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=88nindex.php?page=treesubj&link=28976_24477وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِالْأَمْرِ بِضِدِّ مُقْتَضَى النَّهْيِ الَّذِي قَبْلَهُ ، أَيْ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهُ حَالَ كَوْنِهِ حَلَالًا فِي نَفْسِهِ ، غَيْرَ دَاخِلٍ فِيمَا حَرَّمَهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمَيْتَةِ بِأَنْوَاعِهَا وَالدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَحَلَالًا فِي طَرِيقَةِ كَسْبِهِ وَتَنَاوُلِهِ ، بِأَلَّا يَكُونَ رِبًا أَوْ سُحْتًا أَوْ غَصْبًا أَوْ سَرِقَةً ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ الرِّزْقَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ مَا مُلِكَ مِلْكًا صَحِيحًا ، لَا كُلَّ مَا انْتَفَعَ بِهِ الْإِنْسَانُ ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى هَذَا الْقَيْدِ وَحَالُ كَوْنِهِ مُسْتَلَذًّا غَيْرَ مُسْتَقْذَرٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ لِفَسَادٍ طَرَأَ عَلَيْهِ كَالطَّعَامِ الْمُنْتِنِ .
وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ التَّمَتُّعُ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الشُّرْبُ مِمَّا كَانَ حَلَالًا غَيْرَ مُسْكِرٍ وَلَا ضَارٍّ ، طَيِّبًا غَيْرَ مُسْتَقْذَرٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ بِفَسَادِهِ أَوْ نَجَاسَةٍ طَرَأَتْ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْأَكْلِ لِأَنَّهُ هُوَ الْغَالِبُ
[ ص: 24 ] كَمَا عَبَّرَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : ( وَلَا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) ( 4 : 29 ) وَهُوَ يَعُمُّ كُلَّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَلِبَاسٍ وَمَتَاعٍ وَمَأْوَى وَكَثِيرًا مَا تُطْلِقُ الْعَرَبُ الْخَاصَّ فَتُرِيدُ بِهِ الْعَامَّ وَمَا تُطْلِقُ الْعَامَّ فَتُرِيدُ بِهِ الْخَاصَّ ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالسِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ .
الْأَمْرُ هَهُنَا لِلْوُجُوبِ لَا لِلْإِبَاحَةِ ، فَهُوَ لَيْسَ مِنَ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ الْمُفِيدِ لِلْإِبَاحَةِ فَقَطْ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) ( 5 : 2 ) وَإِنَّمَا هُوَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ امْتِثَالَ النَّهْيِ عَنْ تَحْرِيمِ الطَّيِّبَاتِ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالِانْتِفَاعِ بِهَا فِعْلًا ، إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِتَحْرِيمِهَا الْمَنْهِيِّ عَنْهُ تَحْرِيمَهَا بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ أَوْ بِالِاعْتِقَادِ ، بَلِ الْمُرَادُ بِهِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا عَمْدًا تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِتَعْذِيبِ النَّفْسِ وَحِرْمَانِهَا ، أَوْ إِضْعَافِهَا لِلْجَسَدِ تَوَهُّمًا أَنَّ إِضْعَافَهُ يُقَوِّي الرُّوحَ ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالْعِلَلِ; كَمَنْ يُحَرِّمُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا بِنَذْرِ لَجَاجٍ أَوْ يَمِينٍ ، وَكُلُّ هَذَا مِمَّا لَا يَزَالُ يُبْتَلَى بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، دَعْ مَا كَانَتْ تُحَرِّمُهُ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَى أَنْفُسِهَا مِنَ الْأَنْعَامِ أَوْ نَسْلِهَا تَكْرِيمًا لَهَا لِكَثْرَةِ نِتَاجِهَا ، أَوْ تَعْظِيمًا لِصَنَمٍ تُسَيِّبُهَا لَهُ ، كَمَا تَرَاهُ مُبَيَّنًا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ السُّورَةِ .
وَحِكْمَةُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19607_29485اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَقْبَلُوا نِعَمَهُ وَيَسْتَعْمِلُوهَا فِيمَا أَنْعَمَ بِهَا لِأَجْلِهِ وَيَشْكُرُوا لَهُ ذَلِكَ ، وَيَكْرَهُ لَهُمْ أَنْ يَجْنُوا عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَهُمْ عَلَيْهَا ، فَيَمْنَعُوهَا حُقُوقَهَا ، وَأَنْ يَجْنُوا عَلَى الشَّرِيعَةِ الَّتِي شَرَعَهَا لَهُمْ فَغَلَوْا فِيهَا بِتَحْرِيمِ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ ، كَمَا يَكْرَهُ لَهُمْ أَنْ يُفَرِّطُوا فِيهَا بِاسْتِبَاحَةِ مَا حَرَّمَهُ أَوْ تَرْكِ مَا فَرَضَهُ ، وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ لَمْ يَكْتَفِ بِالنَّهْيِ عَنْ تَحْرِيمِ الطَّيِّبَاتِ حَتَّى صَرَّحَ بِالْأَمْرِ بِاسْتِعْمَالِهَا وَالتَّمَتُّعِ بِهَا ، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى غَايَةَ ذَلِكَ وَحِكْمَتَهُ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) ( 2 : 172 ) وَالشُّكْرُ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، وَلِذَلِكَ قَارَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ خِطَابِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919464إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ( 23 : 51 ) وَقَالَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ( 2 : 172 ) " ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ : يَا رَبِّ يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ مِنَ الْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ ؟ " رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، وَفِي الْحَدِيثِ تَعْرِيضٌ بِالْعُبَّادِ وَأَهْلِ السِّيَاحَةِ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ الَّذِينَ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ رُوحَ الْعِبَادَةِ التَّقَشُّفُ وَالشُّعُوثَةُ ، حَتَّى إِنَّهُمْ عَلَى تَقَشُّفِهِمْ مَا كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ الْحَلَالَ ، كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ التَّقَشُّفَ وَتَعْذِيبَ النَّفْسِ يُبِيحَانِ لَهُمْ مَا عَدَاهُمَا فَيَكُونُونَ أَهْلًا لِاسْتِجَابَةِ دُعَائِهِمْ ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِالْحَدِيثِ عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ بِالطَّيِّبَاتِ الْحَلَالُ مَيْلًا إِلَى ذَلِكَ الْمَذْهَبِ الْبَرْهَمِيِّ ، بَلْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْآيَاتِ الَّتِي قَرَنَتِ الْحَلَالَ بِالطَّيِّبِ فَجَعَلُوا الطَّيِّبَ تَأْكِيدًا لِلْحَلَالِ .
[ ص: 25 ] فَامْتِثَالُ هَذَا الْأَمْرِ وَذَلِكَ النَّهْيِ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالتَّمَتُّعِ بِمَا يَتَيَسَّرُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فِعْلًا بِلَا تَأَثُّمٍ وَلَا حَرَجٍ ، بَلْ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ طَيِّبَ النَّفْسِ بِذَلِكَ ، مُلَاحِظًا أَنَّهُ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ ، وَمِنْ أَسْبَابِ مَرْضَاتِهِ وَمَثُوبَتِهِ ، وَأَنَّ مَرْضَاتَهُ وَمَثُوبَتَهُ عَلَيْهِ تَكُونُ عَلَى حَسَبِ شُهُودِ الْمُنْتَفِعِ لِلنِّعَمِ وَشُكْرِهِ لِلْمُنْعِمِ ، وَأَعْنِي بِالشُّهُودِ أَنْ يُحْضِرَ قَلْبَهُ أَنَّهُ عَامِلٌ بِشَرْعِ اللَّهِ وَمُقِيمٌ لِسُّنَّةِ فِطْرَتِهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَشْكُرَ لَهُ ذَلِكَ بِالِاعْتِرَافِ وَالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ كَمَا شَكَرَهُ بِالِاعْتِقَادِ وَالِاسْتِعْمَالِ ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ عَامِلًا بِالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ .
فَعُلِمَ مِمَّا شَرَحْنَاهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24625_29499امْتِنَاعَ امْرِئٍ مِنَ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي رَزَقَهُ إِيَّاهَا مَعَ الدَّاعِيَةِ الْفِطْرِيَّةِ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا إِثْمٌ يَجْنِيهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي الدُّنْيَا ، وَيَسْتَحِقُّ بِهِ عِقَابَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ بِزِيَادَتِهِ فِي دِينِ اللَّهِ قُرُبَاتٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهَا اللَّهُ ، وَبِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ إِضَاعَةِ بَعْضِ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِ اللَّهِ كَإِضَاعَةِ حُقُوقِ امْرَأَتِهِ أَوْ عِيَالِهِ ، وَنَاهِيكَ بِهِ إِذَا انْتَصَبَ قُدْوَةً لِغَيْرِهِ ، فَكَانَ سَبَبًا لِغُلُوِّ بَعْضِ النَّاسِ فِي الدِّينِ وَتَحْرِيمِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى مَنْ يَقْتَدِي بِهِمْ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَالتَّحْرِيمُ وَالتَّحْلِيلُ تَشْرِيعٌ : وَهُوَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الرُّبُوبِيَّةِ ، فَمَنِ انْتَحَلَهُ لِنَفْسِهِ كَانَ مُدَّعِيًا لِلرُّبُوبِيَّةِ أَوْ كَالْمُدَّعِي لَهَا ، وَمَنِ اتَّبَعَ فِي ذَلِكَ فَقَدِ اتَّخَذَ رَبًّا ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَفْسِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ) ( 9 : 31 ) وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ فِي التَّفْسِيرِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=88nindex.php?page=treesubj&link=28976_19865وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ) فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ ، فَلَا تَفْتَاتُوا عَلَيْهِ فِي تَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ ، وَلَا تَتَعَدَّوْا حُدُودَهُ فِيمَا أَحَلَّ وَلَا فِيمَا حَرَّمَ ، فَإِنَّ اتِّقَاءَ سَخَطِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ لَوَازِمِ إِيمَانِكُمْ بِهِ ، وَمِنَ اعْتِدَاءِ حُدُودِهِ فِي الْأَكْلِ وَالشَّرَابِ الْإِسْرَافُ فِيهَا ، فَإِنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) ( 7 : 31 ) فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19251جَعَلَ شَهْوَةَ بَطْنِهِ أَكْبَرَ هَمِّهِ فَهُوَ مِنَ الْمُسْرِفِينَ ، وَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19251بَالَغَ فِي الشِّبَعِ وَعَرَّضَ مَعِدَتَهُ وَأَمْعَاءَهُ لِلتُّخَمِ فَهُوَ مِنَ الْمُسْرِفِينَ ، وَمَنْ أَنْفَقَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ طَاقَتِهِ ، وَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِذُلِّ الدَّيْنِ أَوْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ، فَهُوَ مِنَ الْمُسْرِفِينَ ، وَمَا كَانَ الْمُسْرِفُ مِنَ الْمُتَّقِينَ .
وَالْأَمْرُ بِالتَّقْوَى فِي هَذَا الْمَقَامِ أَوْسَعُ مَعْنًى وَأَعَمُّ فَائِدَةً مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي آيَةِ الْأَعْرَافِ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا آنِفًا ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ حُقُوقِ الرُّوحِ وَحُقُوقِ الْجَسَدِ ، وَبِهِ يُدْفَعُ إِشْكَالُ مَنْ عَسَاهُ يَقُولُ : إِنَّ الدِّينَ شُرِعَ لِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ ، وَالتَّمَتُّعِ بِالشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ يُنَافِي التَّزْكِيَةَ وَإِنِ اقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى الْمُبَاحَاتِ ، وَكَمْ أَفْضَى التَّوَسُّعُ فِي الْمُبَاحَاتِ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ ؟ وَقَدْ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْآخِرَةِ لِأَهْلِ النَّارِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ) ( 46 : 20 ) فَكَيْفَ يَكُونُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالطَّيِّبَاتِ مَطْلُوبًا شَرْعًا ؟ وَكَيْفَ يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى أَمْرِ الشَّرْعِ ، وَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِاقْتِضَاءِ الطَّبْعِ ؟
[ ص: 26 ] وَبَيَانُ الدَّفْعِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20007تَزْكِيَةَ الْأَنْفُسِ إِنَّمَا تَكُونُ بِإِيقَافِهَا عِنْدَ حَدِّ الِاعْتِدَالِ ، وَاجْتِذَابِ التَّفْرِيطِ وَالْإِفْرَاطِ ، وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ الْإِنْسَانَ مُرَكَّبًا مِنْ رُوحٍ مَلَكِيَّةٍ وَجَسَدٍ حَيَوَانِيٍّ ، فَلَمْ يَجْعَلْهُ مَلَكًا مَحْضًا ، وَلَا حَيَوَانًا مَحْضًا ، وَسَخَّرَ لَهُ بِهَذِهِ الْمَزِيَّةِ جَمِيعَ مَا فِي عَالَمِهِ الَّذِينَ يَعِيشُ فِيهِ مِنَ الْمَوَادِّ وَالْقُوَى وَالْأَحْيَاءِ ، وَجَعَلَ مِنْ سُنَّتِهِ فِي خَلْقِهِ أَنَّهُ تَكُونُ سَلَامَةُ الْبَدَنِ وَصِحَّتُهُ مِنْ أَسْبَابِ سَلَامَةِ الْعَقْلِ وَسَائِرِ قُوَى النَّفْسِ ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ عَلَيْهِ مَا يَضُرُّ بِجَسَدِهِ ، كَمَا حَرَّمَ عَلَيْهِ مَا يَضُرُّ بِرُوحِهِ وَعَقْلِهِ ، وَمَنْ ضَعُفَ جَسَدُهُ ، عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالْكَسْبِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لِلنَّفَقَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ ، وَعَلَى مَصَالِحِ أُمَّتِهِ الْعَامَّةِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنِ الْقِيَامِ بِهَا كُلِّهَا ، عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا ، أَوْ مِنَ الْكَمَالِ فِيهَا غَالِبًا ، كَمَا أَنَّهُ يَقِلُّ نَسْلُهُ وَيَجِيءُ قَمِيئًا ضَعِيفًا أَوْ يَنْقَطِعُ الْبَتَّةَ ، وَيَكُونُ بِذَلِكَ مُسِيئًا إِلَى نَفْسِهِ وَإِلَى الْأُمَّةِ ، وَالتَّمَتُّعُ بِالطَّيِّبَاتِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا اعْتِدَاءٍ لِحُدُودِ اللَّهِ وَسُنَنِ فِطْرَتِهِ هُوَ الَّذِي يُؤَدَّى بِهِ حَقُّ الْجَسَدِ وَحَقُّ الرُّوحِ ، وَيُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى أَدَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ خَلْقِهِ ، فَإِنْ صَحِبَتْهُ التَّقْوَى فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ تَتِمُّ التَّزْكِيَةُ الْمَطْلُوبَةُ .
لَا نُنْكِرُ مَعَ هَذَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29497_24627مَنْعَ النَّفْسِ مِنَ الشَّهَوَاتِ الْمُبَاحَةِ أَحْيَانًا مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَتَرْبِيَةِ الْإِرَادَةِ ، وَحَسْبُنَا مِنْهُ مَا شَرَعَ اللَّهُ لَنَا مِنَ الصِّيَامِ ، وَهُوَ مِمَّا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ التَّقْوَى فِي هَذَا الْمَقَامِ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيَّنَ لَنَا أَنَّ حِكْمَةَ الصِّيَامِ وَسَبَبَ شَرْعِهِ كَوْنُهُ مَرْجُوًّا لِتَحْصِيلِ مَلَكَةَ التَّقْوَى إِذْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( 2 : 183 ) وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا بِالتَّفْصِيلِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْجُزْءِ الثَّانِي وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى ،
nindex.php?page=treesubj&link=2333فَالصِّيَامُ رِيَاضَةٌ بَدَنِيَّةٌ نَفْسِيَّةٌ ، وَجَمَعَ بَيْنَ حِرْمَانِ النَّفْسِ مِنْ لَذَّاتِهَا بِقَصْدِ التَّرْبِيَةِ ، وَبَيْنَ تَمَتُّعِهَا بِهَا تَوَسُّلًا إِلَى شُكْرِ النِّعْمَةِ وَالْقِيَامِ بِالْخِدْمَةِ ، أَمَّا مَا قِيلَ مِنَ اسْتِغْنَاءِ النَّاسِ بِدَاعِيَةِ الطَّبْعِ عَنْ أَمْرِ الشَّرْعِ بِهَذَا التَّمَتُّعِ ، فَهُوَ مَدْفُوعٌ بِمَا أَحْدَثَهُ حُبُّ الْغُلُوِّ فِي كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْجِنَايَةِ عَلَى أَبْدَانِهِمْ وَعُقُولِهِمْ وَأُمَمِهِمْ بِتَرْكِ طَيِّبَاتِ الطَّعَامِ وَالنِّسَاءِ ، وَأَمَّا مَا يُقَالُ لِلْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ) فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا كُلَّ هَمِّهِمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا التَّمَتُّعَ الْجَسَدِيَّ وَلَوْ بِالْحَرَامِ ، فَلَمْ يُعْطُوا إِنْسَانِيَّتَهُمْ حَقَّهَا بِالْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَقْوَى اللَّهِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ النَّعِيمِ الرُّوحَانِيِّ ، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=12وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ) ( 47 : 12 ) .
فَتَبَيَّنَ مِمَّا شَرَحْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ هَدْيَ الْقُرْآنِ فِي الطَّيِّبَاتِ أَيِ الْمُسْتَلَذَّاتِ هُوَ مَا تَقْتَضِيهِ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ الْمُعْتَدِلَةُ مِنَ التَّمَتُّعِ بِهَا مَعَ الِاعْتِدَالِ وَالْتِزَامِ الْحَلَالِ ، كَهَدْيهِ فِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُسْرِفُ فِيهَا بَعْضُ النَّاسِ وَيُقَصِّرُ بَعْضٌ ، وَالِاعْتِدَالُ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ
[ ص: 27 ] الَّذِي يَقِلُّ سَالِكُهُ ، فَأَكْثَرُ النَّاسِ يَنْكَبُّونَ عَنْهُ فِي التَّمَتُّعِ إِلَى جَانِبِ الْإِفْرَاطِ وَالْإِسْرَافِ ، فَيَكُونُونَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ أَضَلُّ لِمَا يَجْنُونَ بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَحْفِرُونَ قُبُورَهُمْ بِأَسْنَانِهِمْ ، يَعْنِي أَنَّهُمْ لِإِسْرَافِهِمْ فِي الطَّعَامِ يُصَابُونَ بِأَمْرَاضٍ تَكُونُ سَبَبًا لِقِصَرِ آجَالِهِمْ ، وَإِسْرَاعِ الْهَرَمِ فِيهِمْ ، وَالْقَلِيلُ مِنَ النَّاسِ يَنْحَرِفُونَ عَنْهُ إِلَى جَانِبِ التَّفْرِيطِ وَالتَّقْصِيرِ ، إِمَّا اضْطِرَارًا كَالْمُقَتِّرِينَ الْبَائِسِينَ ، وَإِمَّا اخْتِيَارًا كَالزُّهَّادِ الْمُتَقَشِّفِينَ ، وَالْتِزَامُ صِرَاطِ الِاعْتِدَالِ الْمُسْتَقِيمِ أَعْسَرُ وَأَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ ، وَأَدَلُّ عَلَى الْفَضِيلَةِ وَالْعَقْلِ ، وَكُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ .
لَا يَخْطُرُ عَلَى بَالِ الْمُسْرِفِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مُتَّبِعُ هَدْيِ الدِّينِ فِي إِسْرَافِهِ ، وَقُصَارَى مَا يَعْتَذِرُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ إِذَا عُذِلَ وَعِيبَ عَلَيْهِ إِسْرَافُهُ شَرْعًا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ لَمْ يَتَجَاوَزْ حَدَّ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُ ، وَإِذَا قَصَدَ الْمُعْتَدِلُ اتِّبَاعَ الشَّرْعِ بِإِقَامَةِ سُنَّةِ الْفِطْرَةِ وَإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنْ جَسَدِهِ وَنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ ، وَشَكَرَ اللَّهَ عَلَى نِعَمِهِ بِاسْتِعْمَالِهَا كَمَا يَنْبَغِي ، فَقَلَّمَا يَفْطُنُ النَّاسُ لِذَلِكَ مِنْهُ ، وَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يَعُدُّهُ بِهِ كَامِلَ الدِّينِ مُعْتَصِمًا بِالْفَضِيلَةِ ، فَهِيَ فَضِيلَةٌ لَا رِيَاءٌ فِيهَا وَلَا سُمْعَةٌ ، وَإِنَّمَا الْمُفْرِطُونَ بِتَعَمُّدِ التَّقَشُّفِ هُمُ الَّذِينَ كَثِيرًا مَا يَغْتَرُّونَ بِأَنْفُسِهِمْ وَيَغْتَرُّ النَّاسُ بِهِمْ ، فَهُمْ عَلَى انْحِرَافِهِمْ عَنْ صِرَاطِ الدِّينِ يَدَّعُونَ أَوْ يُدَّعَى فِيهِمْ أَنَّهُمْ أَكْمَلُ النَّاسِ فِي اتِّبَاعِ الدِّينِ .
أَعْوَزَ هَؤُلَاءِ النَّصَّ عَلَى دَعْوَى كَوْنِ الْغُلُوِّ فِي التَّقَشُّفِ مِنَ الدِّينِ ، فَتَعَلَّقُوا بِبَعْضِ وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ مِنْ سِيرَةِ فُقَرَاءِ السَّلَفِ الصَّالِحِ عَلَى تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ وَقَائِعَ الْأَحْوَالِ فِي السُّنَّةِ لَا يُسْتَدَلُّ بِهَا لِإِجْمَالِهَا وَتَطَرُّقِ الِاحْتِمَالِ إِلَيْهَا ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ وَقَائِعُ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا يَفْعَلُهُ ؟
عَقَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي إِحْيَائِهِ كِتَابًا سَمَّاهُ ( كِتَابَ كَسْرِ الشَّهْوَتَيْنِ ) شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَشَهْوَةِ الْفَرْجِ ، وَطَرِيقَتُهُ أَنْ يَبْدَأَ فِي كُلِّ مَوْضُوعٍ بِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ فَالْأَخْبَارِ النَّبَوِيَّةِ فَالْآثَارِ السَّلَفِيَّةِ ، وَنَرَاهُ لَمْ يَجِدْ آيَةً يَبْدَأُ بِهَا مَوْضُوعَ ( بَيَانِ فَضِيلَةِ الْجُوعِ وَذَمِّ التَّشَبُّعِ ) فَبَدَأَهُ بِأَحَادِيثَ أَكْثَرُهَا لَا يَعْرِفُ الْمُحَدِّثُونَ لَهُ أَصْلًا قَطُّ ، وَبَعْضُهَا ضَعِيفٌ أَوْ مَوْضُوعٌ فَمِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا نَذْكُرُهُ غَيْرَ مُسْنَدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ :
( 1 )
جَاهِدُوا أَنْفُسَكُمْ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ فَإِنَّ الْأَجْرَ فِي ذَلِكَ كَأَجْرِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَلٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مَنْ جُوعٍ وَعَطَشٍ ، ( 2 )
لَا يَدْخُلُ مَلَكُوتُ السَّمَاءِ مَنْ مَلَأَ بَطْنَهُ . ( 3 )
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ مَنْ قَلَّ مَطْعَمُهُ وَضَحِكُهُ وَرَضِيَ بِمَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ . ( 4 )
سَيِّدُ الْأَعْمَالِ الْجُوعُ ، وَذُلُّ النَّفْسِ لِبْسُ الصُّوفِ ، ( 5 )
الْبَسُوا وَاشْرَبُوا وَكُلُوا فِي أَنْصَافِ الْبُطُونِ فَإِنَّهُ جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ . ( 6 )
الْفِكْرُ نِصْفُ الْعِبَادَةِ ، وَقِلَّةُ الطَّعَامِ هِيَ الْعِبَادَةُ ، ( 7 )
أَفْضَلُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَطْوَلُكُمْ جُوعًا وَتَفَكُّرًا ، [ ص: 28 ] وَأَبْغَضُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ كُلُّ نَئُومٍ وَشَرُوبٍ ، ( 8 )
لَا تُمِيتُوا الْقَلْبَ بِكَثْرَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنَّ الْقَلْبَ كَالزَّرْعِ يَمُوتُ إِذَا كَثُرَ عَلَيْهِ الْمَاءُ .
قَالَ
الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْإِحْيَاءِ : عِنْدَ كُلِّ حَدِيثٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَهُ أَصْلًا ، وَأَقَرَّهُ
الْمُرْتَضَى الزُّبَيْدِيُّ شَارِحُ الْإِحْيَاءِ عَلَى ذَلِكَ .
وَمِمَّا أَوْرَدَهُ مِنَ الْمَرْوِيَّاتِ فِي كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=111أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ الطَّوِيلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=24625_29499وَصْفِ الزُّهَّادِ الَّذِي أَوَّلَهُ عِنْدَهُ : "
إِنَّ أَقْرَبَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ طَالَ جُوعُهُ وَعَطَشُهُ وَحُزْنُهُ فِي الدُّنْيَا ، الْأَحْفِيَاءُ الْأَتْقِيَاءُ ( وَمِنْهُ )
أَكَلُوا الْعَلَقَ ، وَلَبِسُوا الْخِرَقَ ، شُعْثًا غُبْرًا ، يَرَاهُمُ النَّاسُ فَيَظُنُّونَ أَنَّ بِهِمْ دَاءً ، وَمَا بِهِمْ دَاءٌ ، وَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ خُولِطُوا فَذَهَبَتْ عُقُولُهُمْ وَمَا ذَهَبَتْ عُقُولُهُمْ ، ( وِفِي آخِرِهِ )
وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَأْتِيَكَ بِالْمَوْتِ وَبَطْنُكُ جَائِعٌ وَكَبِدُكَ ظَمْآنُ فَإِنَّكَ بِذَلِكَ تُدْرِكُ أَشْرَفَ الْمَنَازِلِ وَتَحِلُّ مَعَ النَّبِيِّينَ " إِلَخْ ، فَهَذَا رَوَاهُ
أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ
nindex.php?page=showalam&ids=11890وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَفِي إِسْنَادِهِ
حَبَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَأَكْثَرُ رِجَالِهِ مَجْهُولُونَ ، وَأُسْلُوبُهُ بَعِيدٌ مِنْ أُسْلُوبِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْكُتُبِ أَطْوَلُ مِنْهُ فِي الْإِحْيَاءِ ، وَفِي الْأَوْصَافِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ .
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ : أَنَّهُ لَمْ يُورَدْ فِي جُمْلَةِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا مِنَ الصِّحَاحِ إِلَّا حَدِيثُ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919474الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ " هُوَ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919475يَأْكُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِعًى وَاحِدٍ " إِلَخْ ، وَلَهُ قِصَّةٌ حَمَلَتِ
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيَّ nindex.php?page=showalam&ids=13332وَابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِكَافِرٍ وَاحِدٍ لَا عَامٌّ ، وَلِغَيْرِهِمَا فِيهِ بِضْعَةُ أَقْوَالٍ ، مِنْهَا أَنَّهُ مَثَلٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي هَمِّ الْكَافِرِ بِالتَّمَتُّعِ ، وَحَدِيثُ
عَائِشَةَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919476مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ الْحِنْطَةِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا " وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ .
وَأَمَّا الْمَعْرُوفُ مِنْ سِيرَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مَا وَجَدَ ، فَتَارَةً يَأْكُلُ أَطْيَبَ الطَّعَامِ كَلُحُومِ الْأَنْعَامِ وَالطَّيْرِ وَالدَّجَاجِ ، وَتَارَةً يَأْكُلُ أَخْشَنَهُ كَخُبْزِ الشَّعِيرِ بِالْمِلْحِ أَوْ بِالزَّيْتِ أَوِ الْخَلِّ ، وَتَارَةً يَجُوعُ وَتَارَةً يَشْبَعُ لِيَكُونَ قُدْوَةً لِلْمُعْسِرِ وَالْمُوسِرِ ، وَلَكِنَّهُ مَا كَانَ يَهُمُّهُ أَمْرُ الطَّعَامِ ، إِنَّمَا كَانَ يَعْنِي بِأَمْرِ الشَّرَابِ ، فَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ فِي الشَّمَائِلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13948لِلتِّرْمِذِيِّ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919477كَانَ أَحَبُّ الشَّرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلْوَ الْبَارِدَ " وَفِي سُنَنِ
أَبِي دَاوُدَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919478أَنَّهُ كَانَ يُسْتَعْذَبُ لَهُ الْمَاءُ مِنْ بُيُوتِ السُّقْيَا ( بِضَمِّ السِّينِ ) عَيْنٌ أَوْ قَرْيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ ، قَالَ الْعُلَمَاءُ : يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمَاءُ الْقُرَاحُ وَالْمَاءُ الْمُحَلَّى بِالْعَسَلِ أَوْ نَقِيعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَنَحْوَ ذَلِكَ ، وَالتَّفْصِيلُ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ .