( التداوي بالخمر ) .
اختلف العلماء في لحديث التداوي بالخمر والنجاسات والسموم طارق بن سويد الجعفي في الخمر سيأتي وحديث " أبي هريرة " رواه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث يعني السم أحمد ومسلم والترمذي ، وحديث وابن ماجه مرفوعا : " أبي الدرداء " رواه إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام أبو داود من طريق وهو ثقة في الشاميين كما هنا ، ضعيف في الحجازيين وثبت في الصحيحين إذن النبي صلى الله عليه وسلم للعرنيين بالتداوي بأبوال الإبل ، قال بعضهم بعدم الجواز مطلقا ، وقال آخرون : يجوز بشرط عدم وجود دواء من الحلال يقوم مقام الحرام ، وقال شيخنا إسماعيل بن عياش محمد عبده : يشترط في التداوي بالخمر ألا يقصد المتداوي بها اللذة والنشوة ولا يتجاوز مقدار ما يحدده الطبيب ، وقد جاء في فتاوى المجلد السابع عشر من المنار السؤال والجواب الآتيين :
( السؤال ) هل يحل التداوي بالخمر إذا ظن نفعها بخبر طبيب أخذا من آية ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ( 22 : 78 ) ومن القاعدة المتفق عليها : الضرورات تبيح المحظورات ؟ وإذا جوزتم فماذا ترون في حديث " " أو كما ورد ؟ إنها داء وليس بدواء
( الجواب ) التداوي بالخمر لمن ظن نفعها شيء والاضطرار إلى شربها شيء آخر ، فأما الاضطرار فإنما يعرض لبعض الأفراد في بعض الأحوال ، وهو يبيح المحرم من طعام وشراب بنص قوله تعالى : ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ) ( 6 : 119 ) ينفي الحرج والعسر وغير ذلك من الأدلة ( أي كالنهي عن الإلقاء بالنفس إلى التهلكة ) وقد مثل الفقهاء له في شرب الخمر بمن غص بلقمة فكاد يختنق ولم يجد ما يسيغها به سوى الخمر ومثله من دنق من البرد وكاد يهلك ولم يوجد ما يدفع به الهلاك بردا سوى جرعة أو كوب من خمر . [ ص: 76 ] ومثله أو أولى منه من أصابته نوبة ألم في قلبه كادت تقضي عليه وقد علم أو أخبره الطبيب بأنه لا يجد ما يدفع عنه الخطر سوى شرب مقدار معين من الخمر القوية كالنوع الإفرنجي الذي يسمونه ( كونياك ) فإننا نسمع من الأطباء أنه يتعين في بعض الأحيان لعلاج ما يعرض من مرض القلب ودفع الخطر وقد ثبت ذلك بالتجربة ، وهذا النوع من العلاج لا يكاد يكون شربا للخمر وإنما يؤخذ منه نقط قليلة لا تسكر ، وأما التداوي المعتاد بالخمر لمن يظن نفعها ولو بإخبار الطبيب كتقوية المعدة أو الدم ونحو ذلك مما نسمعه من كثير من الناس ، هذا هو الذي كان الناس يفعلونه قبل الإسلام نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ونص الحديث الذي أشار إليه السائل " " رواه إنه ليس بداء ولكنه داء أحمد ومسلم وأبو داود وسببه أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي عن الخمر وكان يصنعها فنهاه عنها ، فقال : إنما أصنعها للدواء ، فقاله ، وقوله : " ولكنه داء " وهو الحق وعليه إجماع الأطباء ، فإن المادة المسكرة من الخمر سم تتولد منه أمراض كثيرة يموت بها في كل عام ألوف كثيرة ، والسموم قد تدخل في تركيب الأدوية ، ولكن الذين يشربون الخمر ولو بقصد التداوي بها لا يلبثون أن يؤثر في أعصابهم سمها ، فتصير مطلوبة عندهم لذاتها ، أي لا لمجرد التداوي بها ، فيتضررون بسمها ، فلا يغترن مسلم بأمر أحد من الأطباء بالتداوي بها لمثل ما يصفونها له عادة والله الموفق اه .
هذا ما أجبنا به عن ذلك السؤال ونزيد في إيضاحه بالقواعد الشرعية واعتبار القياس فنقول إن المقدار المسكر من الخمر محرم لذاته ، أي لما فيه من الضرر والمفاسد التي بينا أنواعها في تفسير آية البقرة وما دون ذلك محرم لسد الذريعة كما بيناه في تفسير هذه الآيات ، والقاعدة أن ما حرم لذاته يباح للضرورة إن كان مما يضطر إليه كأكل الميتة ولحم الخنزير ، ومنه شرب الخمر كما تقدم في الفتوى آنفا ، ( وليس منه مثل الزنا كما لا يخفى ) ويعبرون عن هذه القاعدة بقولهم : " الضرورات تبيح المحظورات " وإذا وصل التداوي بالخمر إلى حد الإضرار إليه بشهادة الثقة من الأطباء يجب أن يراعى فيه قاعدة " الضرورات تقدر بقدرها " فلا يجوز الزيادة على ما يقول الطبيب حتى إذا حدده بالنقط امتنع زيادة نقطة واحدة ، وأما المحرم لسد الذريعة فقد يباح للحاجة كرؤية الطبيب لعورات الرجال والنساء لأجل التداوي فالتداوي بالخمر على هذا جائز مطلقا أو إذا لم يوجد غيره يقوم مقامه ، وعده بعضهم كتداوي العرنيين بأبوال الإبل بناء على أن علة المنع أن كلا منهما نجس عند القائلين بذلك من الفقهاء كالشافعية ، وظاهر حديث طارق بن سويد أن الخمر لا يجوز أن يكون دواء فيكون مستثنى من القاعدة ولا قياس مع النص ، هذا إذا كان التداوي بالخمر مباشرة لغير اضطرار ، أما دخول نقط من الخمر في علاج مركب تكون أجزاء الخمر فيه مغلوبة غير ظاهرة ولا من شأنها أن تسكر فلا يدخل في ذلك فهو كالقليل من الحرير في الثوب .