ظاهر الأمر في قوله : أنفقوا الوجوب ، وقد حمله جماعة على صدقة الفرض لذلك ، ولما في آخر الآية من الوعيد الشديد ، وقيل : إن هذه الآية تجمع زكاة الفرض والتطوع .
قال ابن عطية : وهذا صحيح ، ولكن ما تقدم من الآيات في ذكر القتال وأن الله يدفع بالمؤمنين في صدور الكافرين يترجح منه أن هذا الندب إنما هو في سبيل الله .
قال القرطبي : وعلى هذا التأويل يكون إنفاق المال مرة واجبا ، ومرة ندبا بحسب تعين الجهاد وعدم تعينه .
قوله : من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه أي : أنفقوا ما دمتم قادرين من قبل أن يأتي ما لا يمكنكم الإنفاق فيه وهو يوم لا بيع فيه أي لا يتبايع الناس فيه .
والخلة : خالص المودة مأخوذة من تخلل الأسرار بين الصديقين .
أخبر سبحانه أنه لا خلة في يوم القيامة نافعة ولا شفاعة مؤثرة إلا لمن أذن الله له .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بنصب " لا بيع " " ولا خلة ولا شفاعة " ، من غير تنوين .
وقرأ الباقون برفعها منونة ، وهما لغتان مشهورتان للعرب ، ووجهان معروفان عند النحاة ، فمن الأول قول حسان :
[ ص: 174 ]
ألا طعان ألا فرسان عادية ألا تجشئوكم حول التنانير
ومن الثاني قول الراعي :وما صرمتك حتى قلت معلنة لا ناقة لي في هذا ولا جمل
قوله : والكافرون هم الظالمون فيه دليل على أن كل كافر ظالم لنفسه ، ومن جملة من يدخل تحت هذا العموم منعا يوجب كفره لوقوع ذلك في سياق الأمر بالإنفاق . مانع الزكاة
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن في قوله تعالى : ابن جريج ياأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم قال : من الزكاة والتطوع .
وأخرج ابن المنذر عن سفيان قال : يقال نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن ، ونسخ شهر رمضان كل صوم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وابن أبي حاتم قتادة في الآية قال : قد علم الله أن ناسا يتخاللون في الدنيا ويشفع بعضهم لبعض ، فأما يوم القيامة فلا خلة إلا خلة المتقين .
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم عطاء قال : الحمد لله الذي قال : والكافرون هم الظالمون ولم يقل والظالمون هم الكافرون .