ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون
قوله : بآيات الله ، ظاهره عدم الفرق بين آية وآية ، ويقتلون النبيين بغير حق ، يعني اليهود قتلوا الأنبياء ، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ، أي بالعدل ، وهم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
قال : كان ناس من المبرد بني إسرائيل جاءهم النبيون فدعوهم إلى الله فقتلوهم ، فقام أناس من بعدهم من المؤمنين فأمروهم بالإسلام فقتلوهم . ففيهم نزلت الآية .
وقوله : فبشرهم بعذاب أليم خبر إن الذين كفروا إلخ ، ودخلته الفاء لتضمن الموصول معنى الشرط ، وذهب بعض أهل النحو إلى أن الخبر قوله أولئك الذين حبطت أعمالهم وقالوا : إن الفاء لا تدخل في خبر إن وإن تضمن اسمها معنى الشرط ; لأنه قد نسخ بدخول إن عليه ، ومنهم سيبويه والأخفش وذهب غيرهما إلى أن ما يتضمنه المبتدأ من معنى الشرط لا ينسخ بدخول إن عليه ، ومثل المكسورة المفتوحة ، ومنه قوله تعالى : : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه [ الأنفال : 41 ] .
وقوله : حبطت أعمالهم قد تقدم تفسير الإحباط ، ومعنى كونها حبطت في الدنيا والآخرة أنه لم يبق لحسناتهم أثر في الدنيا ، حتى يعاملوا فيها معاملة أهل الحسنات ، بل عوملوا معاملة أهل السيئات فلعنوا وحل بهم الخزي والصغار ولهم في الآخرة عذاب النار .
قوله : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب فيه تعجيب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكل من تصح منه الرؤية من حال هؤلاء وهم أحبار اليهود .
والكتاب : التوراة ، وتنكير النصيب للتعظيم ; أي : نصيبا عظيما كما يفيده مقام المبالغة ، ومن قال : إن التنكير للتحقير فلم يصب فلم ينتفعوا بذلك ، وذلك بأنهم يدعون إلى كتاب الله الذين أوتوا نصيبا منه وهو التوراة : ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم والحال أنهم معرضون عن الإجابة إلى ما دعوا إليه مع علمهم به واعترافهم بوجوب الإجابة إليه .
وذلك إشارة إلى ما مر من التولي والإعراض بسبب أنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وهي مقدار عبادتهم العجل . وقد تقدم تفسير ذلك .
وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون من الأكاذيب التي من جملتها هذا القول .
قوله : فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه هو رد عليهم وإبطال لما غرهم من الأكاذيب ; أي : فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه وهو يوم الجزاء الذي لا يرتاب مرتاب في وقوعه ، فإنهم يقعون لا محالة ويعجزون عن دفعه بالحيل والأكاذيب ووفيت كل نفس ما كسبت أي جزاء ما كسبت على حذف المضاف وهم لا يظلمون بزيادة ولا نقص .
والمراد كل الناس المدلول عليهم بكل نفس .
قال : اللام في قوله : ( ليوم ) بمعنى في وقال البصريون : المعنى لحساب يوم . وقال الكسائي : [ ص: 211 ] المعنى لما يحدث في يوم . وقد أخرج ابن جرير الطبري ابن جرير عن وابن أبي حاتم أبي عبيدة بن الجراح الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس إلى قوله : وما لهم من ناصرين ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا أول النهار في ساعة واحدة فقام مائة رجل وسبعون رجلا من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر ، فقتلوا جميعا من آخر النهار من ذلك اليوم ، فهم الذين ذكر الله . قلت : يا رسول الله أي الناس أشد عذابا يوم القيامة ؟ قال : رجل قتل نبيا أو رجلا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن قال : بعث ابن عباس عيسى يحيى بن زكريا في اثني عشر رجلا من الحواريين يعلمون الناس ، فكان ينهى عن نكاح بنت الأخ ، وكان ملك له بنت أخ تعجبه فأرادها وجعل يقضي لها كل يوم حاجة ، فقالت لها أمها : إذا سألك عن حاجة فقولي : حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريا ، فقال : سلي غير هذا ، فقالت : لا أسألك غير هذا فلما أبت أمر به فذبح في طست ، فبدرت قطرة من دمه فلم تزل تغلي حتى بعث الله بختنصر ، فدلت عجوز عليه ، فألقى في نفسه أن لا يزال يقتل حتى يسكن هذا الدم ، فقتل في يوم واحد من ضرب واحد وسن واحد سبعين ألفا فسكن .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن معقل بن أبي مسكين في الآية قال : كان الوحي يأتي بني إسرائيل فيذكرون قومهم ولم يكن يأتيهم كتاب ، فيقوم رجال ممن اتبعهم وصدقهم فيذكرون قومهم فيقتلون فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس . وأخرج عن ابن جرير قتادة نحوه . وأخرج عن ابن عساكر قال : الذين يأمرون بالقسط من الناس : ولاة العدل . ابن عباس
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم قال : ابن عباس دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيت المدراس على جماعة من يهود ، فدعاهم إلى الله ، فقال له النعمان بن عمرو والحارث بن زيد : على أي دين أتيت يا محمد ؟ قال : على ملة إبراهيم ودينه . قال : فإن إبراهيم كان يهوديا . قال لهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فهلما إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه ، فأنزل الله ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله الآية .
وأخرج عن ابن أبي حاتم أبي مالك في قوله : نصيبا قال : حظا من الكتاب قال : التوراة .
وأخرج عن عبد بن حميد مجاهد في قوله : قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات قال : يعنون الأيام التي خلق الله فيها آدم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله : وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون حين قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه .
وأخرج عن ابن أبي حاتم في قوله : ووفيت كل نفس يعني : توفى كل نفس بر أو فاجر ما كسبت ما عملت من خير أو شر وهم لا يظلمون يعني من أعمالهم . سعيد بن جبير