ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما
[ ص: 311 ] ( لو ) حرف امتناع ، وأن مصدرية ، أو تفسيرية ; لأن كتبنا في معنى أمرنا . والمعنى : أن الله سبحانه لو كتب القتل والخروج من الديار على هؤلاء الموجودين من اليهود ما فعله إلا القليل منهم ، أو لو كتب ذلك على المسلمين ما فعله إلا القليل منهم ، والضمير في قوله : فعلوه راجع إلى المكتوب الذي دل عليه ( كتبنا ) ، أو إلى القتل والخروج المدلول عليهما بالفعلين ، وتوحيد الضمير في مثل هذا قد قدمنا وجهه . قوله : إلا قليل قرأه الجمهور بالرفع على البدل . وقرأ عبد الله بن عامر وعيسى بن عمر ( إلا قليلا ) بالنصب على الاستثناء ، وكذا هو في مصاحف أهل الشام ، والرفع أجود عند النحاة .
قوله : ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به من اتباع الشرع والانقياد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكان ذلك خيرا لهم في الدنيا والآخرة ، وأشد تثبيتا لأقدامهم على الحق فلا يضطربون في أمر دينهم .
وإذن أي : وقت فعلهم لما يوعظون به . لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما لا عوج فيه ليصلوا إلى الخير الذي يناله من امتثل ما أمر به وانقاد لمن يدعوه إلى الحق .
قوله : ومن يطع الله والرسول كلام مستأنف لبيان ، والإشارة بقوله : فأولئك إلى المطيعين كما تفيده من فضل طاعة الله والرسول مع الذين أنعم الله عليهم بدخول الجنة ، والوصول إلى ما أعد الله لهم . والصديق : المبالغ في الصدق كما تفيده الصيغة ، وقيل : هم فضلاء أتباع الأنبياء .
( والشهداء ) : من ثبتت لهم الشهادة ، ( والصالحين ) : أهل الأعمال الصالحة . والرفيق مأخوذ من الرفق ، وهو لين الجانب ، والمراد به المصاحب لارتفاقك بصحبته ، ومنه الرفقة لارتفاق بعضهم ببعض ، وهو منتصب على التمييز أو الحال كما قال الأخفش .
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن وابن أبي حاتم مجاهد في قوله : ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم هم يهود كما أمر أصحاب موسى أن يقتل بعضهم بعضا . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سفيان أنها نزلت في . وأخرج ثابت بن قيس بن شماس ابن جرير عن وابن أبي حاتم نحوه . وقد روي من طرق أن جماعة من الصحابة قالوا لما نزلت الآية : لو فعل ربنا لفعلنا . أخرجه السدي ابن المنذر عن وابن أبي حاتم الحسن . وأخرجه عن ابن أبي حاتم . وأخرجه أيضا عن عامر بن عبد الله بن الزبير شريح بن عبيد . وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية ، في صفة الجنة وحسنه ، عن والضياء المقدسي عائشة قالت : جبريل بهذه الآية ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم الآية . وأخرج جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله : إنك لأحب إلي من نفسي ، وإنك لأحب إلي من ولدي ، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك ، وإذا ذكرت موتي وموتك وعرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين ، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك ، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزل الطبراني وابن مردويه عن نحوه . ابن عباس