( ابتغوا ) اطلبوا ( إليه ) لا إلى غيره ، و ( الوسيلة ) فعيلة من توسلت إليه : إذا تقربت إليه . قال عنترة :
إن الرجال لهم إليك وسيلة إن يأخذوك تكحلي وتخضبي
وقال آخر :
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصابي بيننا والوسائل
فالوسيلة : القربة التي ينبغي أن تطلب ، وبه قال أبو وائل والحسن ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد ، وروي عن ابن عباس وعطاء ، قال وعبد الله بن كثير ابن كثير في تفسيره : وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه ، والوسيلة أيضا درجة في الجنة مختصة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد ثبت في صحيح من حديث البخاري جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة . وفي صحيح من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت مسلم من حديث أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : عبد الله بن عمرو ، ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا ، ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا [ ص: 371 ] تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول وفي الباب أحاديث ، وعطف وابتغوا إليه الوسيلة على ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله يفيد أن الوسيلة غير التقوى ، وقيل : هي التقوى ؛ لأنها ملاك الأمر وكل الخير ، فتكون الجملة الثانية على هذا مفسرة للجملة الأولى .
والظاهر أن الوسيلة التي هي القربة تصدق على التقوى وعلى غيرها من خصال الخير التي يتقرب العباد بها إلى ربهم وجاهدوا في سبيله من لم يقبل دينه ( لعلكم تفلحون ) .
قوله : ( إن الذين كفروا ) كلام مبتدأ مسوق لزجر الكفار وترغيب المسلمين في امتثال أوامر الله سبحانه لو أن لهم ما في الأرض من أموالها ومنافعها ، وقيل : المراد لكل واحد منهم ليكون أشد تهويلا ، وإن كان الظاهر من ضمير الجمع خلاف ذلك ، و ( جميعا ) تأكيد .
وقوله : ( ومثله ) عطف على ما في الأرض ، و ( معه ) في محل نصب على الحال ( ليفتدوا به ) ليجعلوه فدية لأنفسهم ، وأفرد الضمير إما لكونه راجعا إلى المذكور أو لكونه بمنزلة اسم الإشارة ؛ أي : ليفتدوا بذلك ، و من عذاب يوم القيامة متعلق بالفعل المذكور ( ما تقبل منهم ) ذلك ، وهذا هو جواب ( لو ) .
قوله : يريدون أن يخرجوا من النار هذا استئناف بياني ، كأنه قيل : كيف حالهم فيما هم فيه من هذا العذاب الأليم ؟ فقيل : يريدون أن يخرجوا من النار .
وقرئ ( إن يخرجوا ) من أخرج ، ويضعف هذه القراءة وما هم بخارجين منها ومحل هذه الجملة أعني قوله : ( وما هم بخارجين منها ) النصب على الحال ، وقيل : إنها جملة اعتراضية ، وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم في قوله : ابن عباس وابتغوا إليه الوسيلة قال : الوسيلة القربة .
وأخرج الحاكم وصححه ، عن حذيفة مثله . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله : وابتغوا إليه الوسيلة قال : تقربوا إلى الله بطاعته والعمل بما يرضيه . وأخرج مسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة ، قال : يريد الفقير ، فقلت جابر بن عبد الله لجابر يقول الله : يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها قال : اتل أول الآية إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به ألا إنهم الذين كفروا . وأخرج ، عن ابن جرير عكرمة : أن نافع بن الأزرق قال : تزعم أن قوما يخرجون من النار وقد قال الله تعالى : لابن عباس وما هم بخارجين منها فقال : ويحك ، اقرأ ما فوقها هذه للكفار . ابن عباس
قال في الكشاف بعد ذكره لهذا : إنه مما لفقته المجبرة ، ويا لله العجب من رجل لا يفرق بين أصح الصحيح وبين أكذب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يتعرض للكلام على ما لا يعرفه ولا يدري ما هو ؟ وقد تواترت الأحاديث تواترا لا يخفى على من له أدنى إلمام بعلم الرواية بأن عصاة الموحدين يخرجون من النار ، فمن أنكر هذا فليس بأهل للمناظرة ؛ لأنه أنكر ما هو من ضروريات الشريعة ، اللهم غفرا . الزمخشري