وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم هذا كان منهم تعنتا ومكابرة حيث لم يقتدوا بما قد أنزله الله على رسوله من الآيات البينات التي من جملتها القرآن ، وقد علموا أنهم قد عجزوا عن أن يأتوا بسورة مثله ، ومرادهم بالآية هنا هي التي تضطرهم إلى الإيمان كنزول الملائكة بمرأى منهم ومسمع ، أو نتق الجبل كما وقع لبني إسرائيل ، فأمره الله سبحانه أن يجيبهم بأن الله قادر على أن ينزل على رسوله آية تضطرهم إلى الإيمان ، ولكنه ترك ذلك لتظهر فائدة التكليف الذي هو الابتلاء والامتحان ، وأيضا لو نزل آية كما طلبوا لم يمهلهم بعد نزولها بل سيعاجلهم بالعقوبة إذا لم يؤمنوا .
قال طلبوا أن يجمعهم على الهدى ، يعني جمع إلجاء الزجاج : ولكن أكثرهم لا يعلمون أن الله قادر على ذلك ، وأنه تركه لحكمة بالغة لا تبلغها عقولهم .
قوله : وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم الدابة من دب يدب فهو داب : إذا مشى مشيا فيه تقارب خطو وقد تقدم بيان ذلك في البقرة .
ولا طائر معطوف على دابة مجرور في قراءة الجمهور .
وقرأ الحسن وعبد الله بن أبي إسحاق ( ولا طائر ) بالرفع عطفا على موضع من دابة على تقدير زيادة من ، و بجناحيه لدفع الإبهام ، لأن العرب تستعمل الطيران لغير الطير كقولهم : طر في حاجتي : أي أسرع ، وقيل : إن اعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران ، ومع عدم الاعتدال يميل ، فأعلمنا سبحانه أن الطيران بالجناحين ، وقيل : ذكر الجناحين للتأكيد كضرب بيده وأبصر بعينيه ونحو ذلك .
والجناح : أحد ناحيتي الطير الذي يتمكن به من الطيران في الهواء ، وأصله الميل إلى ناحية من النواحي .
[ ص: 418 ] والمعنى : ما من دابة من الدواب التي تدب في أي مكان من أمكنة الأرض ولا طائر يطير في أي ناحية من نواحيها إلا أمم أمثالكم أي : جماعات مثلكم خلقهم الله كما خلقكم ، ورزقهم كما رزقكم داخلة تحت علمه وتقديره وإحاطته بكل شيء ، وقيل : " أمثالنا " في ذكر الله والدلالة عليه ، وقيل : " أمثالنا " في كونهم محشورين ، روي ذلك عن . أبي هريرة
وقال : أي : ما من صنف من الدواب والطير إلا في الناس شبه منه ، فمنهم من يعدو كالأسد ، ومنهم من يشره كالخنزير ، ومنهم من يعوي كالكلب ، ومنهم من يزهو كالطاوس ، وقيل : أمثالكم في أن لها أسماء تعرف بها . سفيان بن عيينة
وقال : أمثالكم في الخلق والرزق والموت والبعث والاقتصاص . الزجاج
والأولى أن تحمل المماثلة على كل ما يمكن وجود شبه فيه كائنا ما كان .
قوله : ما فرطنا في الكتاب من شيء أي ما أغفلنا عنه ولا ضيعنا فيه من شيء .
والمراد بالكتاب : اللوح المحفوظ ، فإن الله أثبت فيه جميع الحوادث ، وقيل : إن المراد به القرآن : أي ما تركنا في القرآن من شيء من أمر الدين إما تفصيلا أو إجمالا ، ومثله قوله تعالى : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء [ النحل : 89 ] وقال : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [ النحل : 44 ] ، ومن جملة ما أجمله في الكتاب العزيز قوله : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ الحشر : 7 ] فأمر في هذه الآية - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فكل حكم سنه الرسول لأمته قد ذكره الله سبحانه في كتابه العزيز ، بهذه الآية وبنحو قوله تعالى : باتباع ما سنه رسول الله قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني [ آل عمران : 31 ] وبقوله : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ الأحزاب : 21 ] ، ومن في من شيء مزيدة للاستغراق .
قوله : ثم إلى ربهم يحشرون يعني الأمم المذكورة ، وفيه دلالة على أنها تحشر كما يحشر بنو آدم ، وقد ذهب إلى هذا جمع من العلماء ، ومنهم أبو ذر وأبو هريرة والحسن وغيرهم .
وذهب إلى أن حشرها موتها ، وبه قال الضحاك . ابن عباس ،
والأول أرجح للآية ، ولما صح في السنة المطهرة من أنه ولقول الله تعالى : يقاد يوم القيامة للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ، وإذا الوحوش حشرت [ التكوير : 5 ] ، وذهبت طائفة من العلماء إلى أن المراد بالحشر المذكور في الآية حشر الكفار ، وما تخلل كلام معترض .
قالوا : وأما الحديث فالمقصود به التمثيل على جهة تعظيم أمر الحساب والقصاص .
واستدلوا أيضا بأن في هذا الحديث خارج الصحيح عن بعض الرواة زيادة ، ولفظه : قالوا : والجمادات لا يعقل خطابها ولا ثوابها ولا عقابها . حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء ، وللحجر لم ركب على الحجر ؟ والعود لم خدش العود ؟
قوله : والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم أي : لا يسمعون بأسماعهم ولا ينطقون بألسنتهم ، نزلهم منزلة من لا يسمع ولا ينطق لعدم قبولهم لما ينبغي قبوله من الحجج الواضحة والدلائل الصحيحة .
وقال أبو علي : يجوز أن يكون صممهم وبكمهم في الآخرة .
قوله : في الظلمات أي في ظلمات الكفر والجهل والحيرة لا يهتدون لشيء مما فيه صلاحهم .
والمعنى : كائنين في الظلمات التي تمنع من إبصار المبصرات وضموا إلى الصمم والبكم عدم الانتفاع بالأبصار لتراكم الظلمة عليهم ، فكانت حواسهم كالمسلوبة التي لا ينتفع بها بحال وقد تقدم في البقرة تحقيق المقام بما يغني عن الإعادة ، ثم بين سبحانه أن الأمر بيده ما شاء يفعل ، من شاء تعالى أن يضله أضله ، ومن شاء أن يهديه جعله على صراط مستقيم لا يذهب به إلى غير الحق ، ولا يمشي فيه إلا إلى صوب الاستقامة .
وقد أخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، في قوله : وابن أبي حاتم ، إلا أمم أمثالكم قال : أصنافا مصنفة تعرف بأسمائها .
وأخرج عبد الرزاق ، ، وعبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم ، قتادة ، في الآية قال : الطير أمة ، والإنس أمة ، والجن أمة .
وأخرج ، ابن جرير عن وابن أبي حاتم ، قال : خلق أمثالكم . السدي ، :
وأخرج ، ابن جرير وأبو الشيخ ، عن في الآية قال : الذرة فما فوقها من ألوان ما خلق الله من الدواب . ابن جريج
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، عن : ابن عباس ما فرطنا في الكتاب من شيء يعني ما تركنا شيئا إلا وقد كتبناه في أم الكتاب .
وأخرج عبد الرزاق ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، نحوه .
وأخرج ، ابن جرير ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن في قوله : ابن عباس ، ثم إلى ربهم يحشرون قال : موت البهائم حشرها ، وفي لفظ قال : يعني بالحشر الموت .
وأخرج عبد الرزاق ، وأبو عبيد ، وابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن قال : " ما من دابة ولا طائر إلا سيحشر يوم القيامة ، ثم يقتص لبعضها من بعض حتى يقتص للجلحاء من ذات القرن ، ثم يقال لها : كوني ترابا ، فعند ذلك يقول الكافر : أبي هريرة ياليتني كنت ترابا [ النبأ : 40 ] وإن شئتم فاقرءوا وما من دابة في الأرض " الآية .
وأخرج عن ابن جرير ، أبي ذر قال : انتطحت شاتان عند النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال لي : . يا أبا ذر أتدري فيم انتطحتا ؟ قلت : لا ، قال : لكن الله يدري وسيقضي بينهما
قال أبو ذر : ولقد تركنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وما يقلب طائر جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علما .
وأخرجه أيضا أحمد ، وفي صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : . لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء