قال النحاس : والعرب تقول يوم مظلم : إذا كان شديدا ، فإذا عظمت ذلك قالت : يوم ذو كوكب : أي يحتاجون فيه لشدة ظلمته إلى كوكب ، وأنشد : سيبويه
بني أسد هل تعلمون بلاءنا إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا
والاستفهام للتقريع والتوبيخ : أي من ينجيكم من شدائدهما العظيمة ؟ قرأ أبو بكر عن عاصم " خفية " بكسر الخاء ، وقرأ الباقون بضمها ، وهما لغتان ، وقرأ " وخيفة " من الخوف ، وجملة تدعونه في محل نصب على الحال : أي من ينجيكم من ذلك حال دعائكم له دعاء تضرع وخفية أو متضرعين ومخفين . الأعمشوالمراد بالتضرع هنا : دعاء الجهر .
قوله : لئن أنجيتنا كذا قرأ أهل المدينة وأهل الشام .
وقرأ الكوفيون ( لئن أنجانا ) والجملة في محل نصب على تقدير القول : أي قائلين لئن أنجيتنا من هذه الشدة التي نزلت بنا وهي الظلمات المذكورة لنكونن من الشاكرين لك على ما أنعمت به علينا من تخليصنا من هذه الشدائد .
قوله : قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب .
قرأ الكوفيون وهشام : ينجيكم بالتشديد ، وقرأ الباقون بالتخفيف ، وقراءة التشديد تفيد التكثير ، وقيل : معناهما واحد ، والضمير في " منها " راجع إلى الظلمات .
والكرب : الغم يأخذ بالنفس ، ومنه رجل مكروب .
قال عنترة :
ومكروب كشفت الكرب عنه بطعنة فيصل لما دعاني
والمبعوث من تحت الأرجل : الخسف والزلازل والغرق ، وقيل : من فوقكم يعني الأمراء الظلمة و من تحت أرجلكم يعني السفلة وعبيد السوء .
قوله : أو يلبسكم شيعا قرأ الجمهور بفتح التحتية ، من لبس الأمر : إذا خلطه ، وقرأ أبو عبد الله المديني بضمها : أي يجعل ذلك لباسا لكم ، قيل : والأصل : أو يلبس عليكم أمركم ، فحذف أحد المفعولين مع حرف الجر كما في قوله تعالى : وإذا كالوهم أو وزنوهم [ المطففين : 3 ] والمعنى : يجعلكم مختلطي الأهواء مختلفي النحل متفرقي الآراء ، وقيل : يجعلكم فرقا يقاتل بعضكم بعضا .
والشيع : الفرق ، أي يخلطكم فرقا قوله : ويذيق بعضكم بأس بعض أي يصيب بعضكم بشدة بعض من قتل وأسر ونهب ويذيق معطوف على يبعث ، وقرئ ( نذيق ) بالنون انظر كيف نصرف الآيات نبين لهم الحجج والدلالات من وجوه مختلفة لعلهم يفقهون الحقيقة فيعودون إلى الحق الذي بيناه لهم بيانات متنوعة .
وقد أخرج ، عبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في قوله : قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر يقول : من كرب البر والبحر .
وأخرج ، ابن جرير ، في تفسير الآية عن وابن أبي حاتم ، قال : يقول إذا أضل الرجل الطريق دعا الله ابن عباس لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين [ يونس : 22 ] .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، ، عنه في قوله : وابن أبي حاتم قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم قال : يعني من أمرائكم أو من تحت أرجلكم يعني : سفلتكم أو يلبسكم شيعا يعني بالشيع : الأهواء المختلفة ويذيق بعضكم بأس بعض قال : يسلط بعضكم على بعض بالقتل والعذاب .
وأخرج ، ابن جرير ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عنه من وجه آخر في تفسير الآية قال : عذابا من فوقكم : أئمة السوء أو من تحت أرجلكم قال : خدم السوء .
وأخرج أبو الشيخ ، عنه أيضا من وجه آخر قال : من فوقكم من قبل أمرائكم وأشرافكم أو من تحت أرجلكم قال : من قبل سفلتكم وعبيدكم .
وأخرج ، عبد بن حميد وأبو الشيخ ، عن أبي مالك : عذابا من فوقكم قال : القذف أو من تحت أرجلكم قال : الخسف .
وأخرج أبو الشيخ ، عن مجاهد مثله .
وأخرج أبو الشيخ ، عن مجاهد أيضا [ ص: 426 ] من فوقكم قال : الصيحة والحجارة والريح أو من تحت أرجلكم قال : الرجفة والخسف ، وهما عذاب أهل التكذيب ويذيق بعضكم بأس بعض قال : عذاب أهل الإقرار .
وأخرج ، وغيره عن البخاري قال : جابر بن عبد الله قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : أعوذ بوجهك أو من تحت أرجلكم قال : أعوذ بوجهك أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض قال : هذا أهون أو أيسر . لما نزلت هذه الآية
وأخرج أحمد ، ، وعبد بن حميد ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، وغيرهم من حديث طويل عن وابن ماجه ، وفيه : ثوبان ، وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها .
وأخرج مسلم وغيره من حديث : سعد بن أبي وقاص بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه ودعا ربه طويلا ، ثم انصرف إلينا فقال : : سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق ، وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيهما وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة . أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقبل ذات يوم من العالية ، حتى إذا مر
وأخرج أحمد ، والحاكم وصححه من حديث نحوه . جابر بن عتيك
وأخرج نحوه أيضا ابن مردويه ، من حديث . أبي هريرة
وأخرج أيضا ، ابن أبي شيبة وابن مردويه ، من حديث نحوه . حذيفة بن اليمان
وأخرج أحمد ، ، والنسائي وابن مردويه ، عن أنس نحوه أيضا .
وأخرج أحمد ، ، وحسنه والترمذي ، وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن سعد بن أبي وقاص قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : أما إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد . عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذه الآية
وأخرج ، ابن أبي شيبة وأحمد ، ، وعبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية والضياء في المختارة عن في هذه الآية قال : هن أربع وكلهن عذاب وكلهن واقع لا محالة ، فمضت اثنتان بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بخمس وعشرين سنة : فألبسوا شيعا ، وذاق بعضهم بأس بعض ، وبقيت اثنتان واقعتان لا محالة : الخسف ، والرجم . أبي بن كعب
والأحاديث في هذا الباب كثيرة وفيما ذكرناه كفاية .