اختلف أهل العلم ، أو هي كذلك في الفاتحة فقط دون غيرها ، أو أنها ليست بآية في الجميع وإنما كتبت للفصل ؟ والأقوال وأدلتها مبسوطة في موضع الكلام على ذلك . هل هي آية مستقلة في أول كل سورة كتبت في أولها ، أو هي بعض آية من أول كل سورة
وقد اتفقوا على أنها بعض آية في سورة النمل .
وقد جزم قراء مكة والكوفة بأنها آية من الفاتحة ومن كل سورة .
وخالفهم قراء المدينة والبصرة والشام فلم يجعلوها آية لا من الفاتحة ولا من غيرها من السور ، قالوا : وإنما كتبت للفصل والتبرك .
وقد أخرج أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس . أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه : بسم الله الرحمن الرحيم
وأخرجه الحاكم في المستدرك .
وأخرج في صحيحه عن ابن خزيمة أم سلمة وفي إسناده " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وغيرها آية " وفيه ضعف ، وروى نحوه عمرو بن هارون البلخي مرفوعا عن الدارقطني . أبي هريرة
وكما وقع الخلاف في إثباتها وقع الخلاف في الجهر بها في الصلاة .
وقد أخرج في سننه ، النسائي وابن خزيمة في صحيحيهما ، وابن حبان والحاكم في المستدرك " أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة ، وقال بعد أن فرغ : إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أبي هريرة وصححه عن الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم .
وروى أبو داود عن والترمذي : ابن عباس قال " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم " الترمذي : وليس إسناده بذاك .
وقد أخرجه الحاكم في المستدرك عن بلفظ : ابن عباس " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ثم قال : صحيح . "
وأخرج في صحيحه البخاري أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : كانت قراءته مدا ، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد ( الرحمن ) ويمد ( الرحيم ) . عن
وأخرج أحمد في المسند وأبو داود في السنن في صحيحه ، وابن خزيمة والحاكم في مستدركه عن أنها قالت : أم سلمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين " [ ص: 15 ] وقال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقطع قراءته : إسناده صحيح . الدارقطني
واحتج من قال : بأنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة بما في صحيح مسلم عن عائشة قالت : الحمد لله رب العالمين " . " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة بـ
وفي الصحيحين عن أنس قال : " وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بـ الحمد لله رب العالمين " . صليت خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ولمسلم بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها " . " لا يذكرون
وأخرج أهل السنن نحوه عن . عبد الله بن مغفل
وإلى هذا ذهب الخلفاء الأربعة وجماعة من الصحابة .
وأحاديث الترك وإن كانت أصح ولكن الإثبات أرجح مع كونه خارجا من مخرج صحيح ، فالأخذ به أولى ولا سيما مع إمكان تأويل الترك ، وهذا يقتضي الإثبات الذاتي ، أعني كونها قرآنا ، والوصفي أعني الجهر بها عند الجهر بقراءة ما يفتتح بها من السور في الصلاة .
ولتنقيح البحث والكلام على أطرافه استدلالا وردا وتعقبا ودفعا ، ورواية ودراية موضع غير هذا .
ومتعلق الباء محذوف وهو أقرأ أو أتلو ؛ لأنه المناسب لما جعلت البسملة مبدأ له ، فمن قدره متقدما كان غرضه الدلالة بتقديمه على الاهتمام بشأن الفعل ، ومن قدره متأخرا كان غرضه الدلالة بتأخيره على الاختصاص مع ما يحصل في ضمن ذلك من العناية بشأن الاسم والإشارة إلى أن البداية به أهم لكون التبرك حصل به ، وبهذا يظهر رجحان تقدير الفعل متأخرا في مثل هذا المقام ، ولا يعارضه قوله تعالى : اقرأ باسم ربك الذي خلق [ العلق : 1 ] لأن ذلك المقام مقام القراءة ، فكان الأمر بها أهم ، وأما الخلاف بين أئمة النحو في كون المقدر اسما أو فعلا فلا يتعلق بذلك كثير فائدة .
والباء للاستعانة أو للمصاحبة ، ورجح الثاني . الزمخشري
واسم أصله سمو حذفت لامه ، ولما كان من الأسماء التي بنوا أوائلها على السكون زادوا في أوله الهمزة إذا نطقوا به لئلا يقع الابتداء بالساكن ، وهو اللفظ الدال على المسمى ، ومن زعم أن الاسم هو المسمى كما قاله أبو عبيدة وسيبويه والباقلاني ، وحكاه وابن فورك الرازي عن الحشوية والكرامية والأشعرية فقد غلط غلطا بينا ، وجاء بما لا يعقل ، مع عدم ورود ما يوجب المخالفة للعقل لا من الكتاب ولا من السنة ولا من لغة العرب ، بل العلم الضروري حاصل بأن الاسم الذي هو أصوات مقطعة وحروف مؤلفة غير المسمى الذي هو مدلوله ، والبحث مبسوط في علم الكلام .
وقد ثبت في الصحيحين من حديث : أبي هريرة وقال الله عز وجل : إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها [ الأعراف : 180 ] وقال تعالى : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى [ الإسراء : 110 ] .
والله علم لذات الواجب الوجود لم يطلق على غيره ، وأصله إله حذفت الهمزة وعوضت عنها أداة التعريف فلزمت .
وكان قبل الحذف من أسماء الأجناس يقع على كل معبود بحق أو باطل ، ثم غلب على المعبود بحق كالنجم والصعق ، فهو قبل الحذف من الأعلام الغالبة ، وبعده من الأعلام المختصة .
، ورحمن أشد مبالغة من رحيم . والرحمن الرحيم اسمان مشتقان من الرحمة على طريق المبالغة
وفي كلام ما يفهم حكاية الاتفاق على هذا ، ولذلك قالوا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا . ابن جرير
وقد تقرر أن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى .
وقال ابن الأنباري : إن الرحمن عبراني والرحيم عربي وخالفهما غيرهما . والزجاج
والرحمن من الصفات الغالبة لم يستعمل في غير الله عز وجل .
وأما قول بني حنيفة في مسيلمة رحمن اليمامة ، فقال في الكشاف : إنه باب من تعنتهم في كفرهم .
قال أبو علي الفارسي : الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى ، والرحيم إنما هو في جهة المؤمنين ، قال الله تعالى : وكان بالمؤمنين رحيما [ الأحزاب : 43 ] وقد ورد في فضلها أحاديث .
منها ما أخرجه في سننه سعيد بن منصور في كتاب البسملة وابن خزيمة والبيهقي عن قال : استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن : ابن عباس بسم الله الرحمن الرحيم .
وأخرج بسند ضعيف عن الدارقطني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ابن عمر جبريل إذا جاءني بالوحي أول ما يلقي علي بسم الله الرحمن الرحيم . كان
وأخرج في تفسيره ابن أبي حاتم والحاكم في المستدرك ، وصححه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن عثمان بن عفان بسم الله الرحمن الرحيم فقال : هو اسم من أسماء الله ، وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العين وبياضها من القرب . أن
وأخرج ابن جرير في الكامل وابن عدي وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية في تاريخ وابن عساكر دمشق ، والثعلبي بسند ضعيف جدا عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أبي سعيد الخدري إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب لتعلمه ، فقال له المعلم : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال له عيسى : وما بسم الله الرحمن الرحيم ؟ قال المعلم : لا أدري ، فقال له عيسى : الباء بهاء الله ، والسين سناه ، والميم مملكته ، والله إله الآلهة ، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة ، والرحيم رحيم الآخرة وفي إسناده إسماعيل بن يحيى وهو كذاب .
وقد أورد هذا الحديث في الموضوعات . ابن الجوزي
وأخرج ابن مردويه والثعلبي عن جابر قال : لما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى المشرق ، وسكنت الريح ، وهاج البحر ، وأصغت البهائم بآذانها ، ورجمت الشياطين من السماء ، وحلف الله بعزته وجلاله أن لا تسمى على شيء إلا بارك فيه .
وأخرج أبو نعيم والديلمي عن عائشة قالت : لما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم ضجت الجبال حتى سمع أهل مكة دويها ، فقالوا : سحر محمد الجبال ، فبعث الله دخانا حتى أظل على أهل مكة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم موقنا سبحت معه الجبال إلا أنه لا يسمع ذلك منها من قرأ .
وأخرج [ ص: 16 ] الديلمي عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ابن مسعود من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله له بكل حرف أربعة آلاف حسنة ، ومحا عنه أربعة آلاف سيئة ، ورفع له أربعة آلاف درجة .
وأخرج الخطيب في الجامع عن أبي جعفر محمد بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم مفتاح كل كتاب .
وهذه الأحاديث ينبغي البحث عن أسانيدها والكلام عليها بما يتبين بعد البحث إن شاء الله .
وقد شرعت التسمية في مواطن كثيرة قد بينها الشارع منها عند الوضوء ، وعند الذبيحة ، وعند الأكل ، وعند الجماع وغير ذلك .