قوله : كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله الاستفهام هنا للتعجب المتضمن للإنكار ، " وعهد " اسم يكون ، وفي خبره ثلاثة أوجه : الأول : أنه كيف ، وقدم للاستفهام ، والثاني : للمشركين ، و " عند " على هذين ظرف للعهد ، أو ل " يكون " ، أو صفة للعهد ، والثالث : أن الخبر عند الله ، وفي الآية إضمار .
والمعنى : كيف يكون للمشركين عهد عند الله يأمنون به من عذابه ، وقيل : معنى الآية : محال أن يثبت لهؤلاء عهد وهم أضداد لكم مضمرون للغدر فلا يطمعوا في ذلك ولا يحدثوا به أنفسهم ، ثم استدرك ، فقال : إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام أي لكن الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ولم ينقضوا ولم ينكثوا فلا تقاتلوهم ، فما داموا مستقيمين لكم على العهد الذي بينكم وبينهم فاستقيموا لهم قيل : هم بنو بكر ، وقيل : بنو كنانة وبنو ضمرة ، وفي " ما " وجهان : أحدهما : أنها مصدرية زمانية ، والثاني : أنها شرطية ، وفي قوله : إن الله يحب المتقين إشارة إلى أن الوفاء بالعهد والاستقامة عليه من أعمال المتقين ، فيكون تعليلا للأمر بالاستقامة .
قوله : كيف وإن يظهروا عليكم أعاد الاستفهام التعجيبي للتأكيد والتقرير ، والتقدير : كيف يكون لهم عهد عند الله وعند رسوله ؟ والحال أنهم إن يظهروا عليكم بالغلبة لكم لا يرقبوا أي لا يراعوا فيكم " إلا " أي عهدا " ولا ذمة " .
[ ص: 559 ] قال في الصحاح : الإل العهد والقرابة ومنه قول حسان :
لعمرك أن إلك من قريش كإل السقب من رئل النعام
قال : الإل عندي على ما توجبه اللغة يدور على معنى الحدة ، ومنه الإلة للحربة ، ومنه أذن مؤللة : أي محددة ، ومنه قول الزجاج طرفة بن العبد يصف أذني ناقته بالحدة والانتصاب :
مؤللتان يعرف العنق منهما كسامعتي شاة بحومل مفرد
قال أبو عبيدة : الإل العهد ، والذمة والنديم .
وقال : هو اسم لله بالعبرانية ، وأصله من الأليل ، وهو البريق ، يقال : أل لونه يؤل إلا : أي صفا ولمع ، والذمة العهد ، وجمعها ذمم ، فمن فسر الإل بالعهد كان التكرير للتأكيد مع اختلاف اللفظين . الزهري
وقال أبو عبيدة : الذمة التذمم .
وقال أبو عبيدة : الذمة الأمان كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : . ويسعى بذمتهم أدناهم
وروي ، عن أبي عبيدة أيضا أن الذمة ما يتذمم به : أي ما يجتنب فيه الذم .
قوله : يرضونكم بأفواههم أي يقولون بألسنتهم ما فيه مجاملة ومحاسنة لكم طلبا لمرضاتكم وتطييب قلوبكم ، وقلوبهم تأبى ذلك وتخالفه وتود ما فيه مساءتكم ومضرتكم ، كما يفعله أهل النفاق وذوو الوجهين ، ثم حكم عليهم بالفسق ، وهو التمرد والتجري ، والخروج عن الحق لنقضهم العهود ، وعدم مراعاتهم للعقود .
ثم وصفهم بقوله : اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا أي استبدلوا بآيات القرآن التي من جملتها ما فيه الأمر بالوفاء بالعهود ثمنا قليلا حقيرا ، وهو ما آثروه من حطام الدنيا فصدوا عن سبيله أي فعدلوا وأعرضوا عن سبيل الحق ، أو صرفوا غيرهم عنه .
قوله : لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة . ، قال النحاس : ليس هذا تكريرا ، ولكن الأول لجميع المشركين ، والثاني لليهود خاصة .
والدليل على هذا اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا يعني اليهود ، وقيل : هذا فيه مراعاة لحقوق المؤمنين على الإطلاق ، وفي الأول المراعاة لحقوق طائفة من المؤمنين خاصة وأولئك هم المعتدون أي المجاوزون للحلال إلى الحرام بنقض العهد ، أو البالغون في الشر والتمرد إلى الغاية القصوى .
فإن تابوا عن الشرك والتزموا أحكام الإسلام فإخوانكم أي فهم إخوانكم في الدين أي في دين الإسلام " ونفصل الآيات " أي نبينها ونوضحها " لقوم يعلمون " بما فيها من الأحكام ويفهمونه ، وخص أهل العلم لأنهم المنتفعون بها ، والمراد بالآيات ما مر من الآيات المتعلقة بأحوال المشركين على اختلاف أنواعهم .
وقد أخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن في قوله : ابن عباس ، إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام قال : قريش .
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم ابن زيد نحوه .
وأخرج ، ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن مقاتل قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عاهد أناسا من بني ضمرة بني بكر وكنانة خاصة ، عاهدهم عند المسجد الحرام وجعل مدتهم أربعة أشهر ، وهم الذين ذكر الله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم يقول : ما وفوا لكم بالعهد فوفوا لهم .
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم قال : هم السدي ، بنو جذيمة .
وأخرج ، ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن قتادة في قوله : إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام قال : هو يوم الحديبية .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن في قوله : ابن عباس ، إلا ولا ذمة قال : الإل القرابة ، والذمة العهد .
وأخرج ، الفريابي وأبو عبيد ، ، وابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن مجاهد قال : الإل الله عز وجل .
وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة مثله .
وأخرج ابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله : اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا قال : أطعم حلفاءه وترك حلفاء أبو سفيان بن حرب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأخرج ابن المنذر ، ، عن وابن أبي حاتم قتادة في قوله فإن تابوا الآية يقول : إن تركوا اللات والعزى وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإخوانكم في الدين .
وأخرج ، ابن جرير وأبو الشيخ ، عن قال : حرمت هذه الآية ابن عباس ، . قتال أو دماء أهل الصلاة