لما ذكر - سبحانه - حال بعض الشاكرين لنعمه عقبه بحال بعض الجاحدين لها ، فقال : لقد كان لسبإ بسبإ القبيلة التي هي من أولاد سبإ ، وهو المراد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود .
قرأ الجمهور لسبأ بالجر والتنوين على أنه اسم حي أي : الحي الذين هم أولاد سبأ ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو " لسبأ " ممنوع الصرف بتأويل القبيلة ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، ويقوي القراءة الأولى قوله : في مساكنهم ولو كان على تأويل القبيلة لقال في مساكنها ، فما ورد على القراءة الأولى قول الشاعر :
الواردون وتيم في ذرى سبأ قد عض أعناقها جلد الجواميس
ومما ورد على القراءة الثانية قول الشاعر :
من سبأ الحاضرين مأرب إذ يبنون من دون مسيله العرما
وقرأ ، قنبل وأبو حيوة ، والجحدري " لسبأ " بإسكان الهمزة ، وقرئ بقلبها ألفا .
وقرأ الجمهور في مساكنهم على الجمع ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم ، ووجه الاختيار أنها كانت لهم منازل كثيرة ، ومساكن متعددة وقرأ حمزة ، وحفص بالإفراد مع فتح الكاف .
وقرأ بالإفراد مع كسرها ، وبهذه القراءة قرأ الكسائي ، يحيى بن وثاب ، ووجه الإفراد أنه مصدر يشمل القليل والكثير ، أو اسم مكان وأريد به معنى الجمع ، وهذه المساكن التي كانت لهم هي التي يقال لها الآن : مأرب ، وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال ، ومعنى قوله : آية أي : علامة دالة على كمال قدرة الله وبديع صنعه ، ثم بين هذه الآية فقال : جنتان وارتفاعهما على البدل من آية قاله والأعمش الفراء ، أو على أنهما خبر مبتدأ محذوف قاله ، أو على أنهما مبتدأ وخبره الزجاج عن يمين وشمال واختار هذا الوجه ابن عطية ، وفيه أنه لا يجوز الابتداء بالنكرة من غير مسوغ وقرأ " جنتين " بالنصب على أنهما خبر ثان واسمها آية ، وهاتان الجنتان كانتا عن يمين واديهم وشماله قد أحاطتا به من جهتيه ، وكانت مساكنهم في الوادي ، والآية هي الجنتان ، كانت المرأة تمشي فيهما وعلى رأسها المكتل ، فيمتلئ من أنواع الفواكه التي تتساقط من غير أن تمسها بيدها . ابن أبي عبلة
وقال عبد الرحمن بن زيد : إن الآية التي كانت لأهل سبأ في مساكنهم أنهم لم يروا فيها بعوضة ولا ذبابا ولا برغوثا ولا قملة ولا عقربا ولا حية ولا غير ذلك من الهوام ، وإذا جاءهم الركب في ثيابهم القمل ماتت عند رؤيتهم لبيوتهم .
قال القشيري : ولم يرد جنتين اثنتين ، بل أراد من الجهتين يمنة ويسرة في كل جهة بساتين كثيرة كلوا من رزق ربكم أي : قيل لهم ذلك ولم يكن ثم أمر ، ولكن المراد تمكينهم من تلك النعم ، وقيل : إنها قالت لهم الملائكة ، والمراد بالرزق هو ثمار الجنتين ، وقيل : إنهم خوطبوا بذلك على لسان نبيهم واشكروا له على ما رزقكم من هذه النعم واعملوا بطاعته واجتنبوا معاصيه ، وجملة بلدة طيبة ورب غفور مستأنفة لبيان موجب الشكر .
والمعنى : هذه بلدة طيبة لكثرة أشجارها وطيب ثمارها .
وقيل : معنى كونها طيبة : أنها غير سبخة ، وقيل : ليس فيها هوام . وقال مجاهد : هي صنعاء .
ومعنى ورب غفور أن المنعم عليهم رب غفور لذنوبهم .
قال مقاتل : المعنى وربكم إن شكرتم فيها رزقكم رب غفور للذنوب .
وقيل : إنما جمع لهم بين طيب البلدة والمغفرة للإشارة إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام .
وقرأ بنصب " بلدة " و " رب " على المدح ، أو على تقدير اسكنوا بلدة واشكروا ربا . ورش
ثم ذكر - سبحانه - ما كان منهم بعد هذه النعمة التي أنعم بها عليهم ، فقال : فأعرضوا عن الشكر وكفروا بالله وكذبوا أنبياءهم قال : بعث الله إلى السدي أهل سبأ ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم ، وكذا قال وهب .
ثم لما وقع منهم الإعراض عن شكر النعمة أرسل الله عليهم نقمة سلب بها ما أنعم به عليهم ، فقال : فأرسلنا عليهم سيل العرم وذلك أن الماء كان يأتي أرض سبأ من أودية اليمن ، فردموا ردما بين جبلين وحبسوا الماء ، وجعلوا في ذلك الردم ثلاثة أبواب بعضها فوق بعض ، وكانوا يسقون من الباب الأعلى ، ثم من الباب الثاني ، ثم من الثالث فأخصبوا ، [ ص: 1194 ] وكثرت أموالهم ، فلما كذبوا رسلهم بعث الله جرذا ، ففتقت ذلك الردم حتى انتقض فدخل الماء جنتهم فغرقها ودفن السيل بيوتهم ، فهذا هو سيل العرم ، وهو جمع عرمة : هي السكر التي تحبس الماء ، وكذا قال قتادة وغيره .
وقال : العرم اسم للسد . والمعنى : أرسلنا عليهم سيل السد العرم . وقال السدي عطاء : العرم اسم الوادي .
وقال : العرم اسم الجرذ الذي نقب السد عليهم ، وهو الذي يقال : له الخلد : فنسب السيل إليه لكونه سبب جريانه . قال الزجاج : العرم من أسماء الفأر . وقال ابن الأعرابي مجاهد : العرم ماء أحمر أرسله الله في السد فشقه وهدمه . وقيل : إن العرم اسم المطر الشديد ، وقيل : اسم للسيل الشديد ، والعرامة في الأصل : الشدة والشراسة والصعوبة . يقال : عرم فلان : إذا تشدد وتصعب . وابن أبي نجيح
وروي عن أنه قال : العرم السيل الذي لا يطاق . ابن الأعرابي
وقال : العرم كل شيء حاجز بين شيئين المبرد وبدلناهم بجنتيهم جنتين أي : أهلكنا جنتيهم اللتين كانتا مشتملتين على تلك الفواكه الطيبة ، والأنواع الحسنة ، وأعطيناهم بدلهما جنتين لا خير فيهما ، ولا فائدة لهم فيما هو نابت فيهما ، ولهذا قال : ذواتي أكل خمط قرأ الجمهور بتنوين أكل وعدم إضافته إلى خمط وقرأ أبو عمرو بالإضافة .
قال الخليل : الخمط : الأراك ، وكذا قال كثير من المفسرين .
وقال أبو عبيدة : الخمط كل شجرة مرة ذات شوك .
وقال : كل نبت فيه مرارة لا يمكن أكله . الزجاج
وقال : كل شيء تغير إلى ما لا يشتهى يقال له : خمط ، ومنه اللبن إذا تغير ، وقراءة الجمهور أولى من قراءة المبرد أبي عمرو .
والخمط نعت ل أكل أو بدل منه ، لأن الأكل هو الخمط بعينه .
وقال الأخفش : الإضافة أحسن في كلام العرب مثل : ثوب خز ودار آجر ، والأولى تفسير الخمط بما ذكره الخليل ومن معه .
قال الجوهري : الخمط ضرب من الأراك له حمل يؤكل ، وتسمية البدل جنتين للمشاكلة أو التهكم بهم ، والأثل هو : الشجر المعروف الشبيه بالطرفاء كذا قال الفراء وغيره . قال : إلا أنه أعظم من الطرفاء طولا ، الواحدة أثلة ، والجمع أثلات .
وقال الحسن : الأثل الخشب . وقال أبو عبيدة : هو : شجر النطار ، والأول أولى ، ولا ثمر للأثل .
والسدر : شجر معروف . قال الفراء : هو السمر . قال الأزهري : السدر من الشجر سدران : بري لا ينتفع به ولا يصلح للغسول ، وله ثمر عفص لا يؤكل ، وهو الذي يسمى الضال .
والثاني سدر ينبت على الماء وثمره النبق ، وورقه غسول يشبه شجر العناب .
قيل : ووصف السدر بالقلة لأن منه نوعا يطيب أكله ، وهو النوع الثاني الذي ذكره الأزهري .
قال قتادة : بينما شجرهم من خير شجر إذ صيره الله من شر الشجر بأعمالهم ، فأهلك أشجارهم المثمرة وأنبت بدلها الأراك ، والطرفاء ، والسدر .
ويحتمل أن يرجع قوله قليل إلى جميع ما ذكر من الخمط والأثل والسدر .
والإشارة بقوله : ذلك إلى ما تقدم من التبديل ، أو إلى مصدر جزيناهم والباء في بما كفروا للسببية أي : ذلك التبديل ، أو ذلك الجزاء بسبب كفرهم للنعمة بإعراضهم عن شكرها وهل نجازي إلا الكفور أي : وهل نجازي هذا الجزاء بسلب النعمة ونزول النقمة إلا الشديد الكفر المتبالغ فيه .
قرأ الجمهور " يجازى " بضم التحتية وفتح الزاي : على البناء للمفعول .
وقرأ حمزة ، ، والكسائي ويعقوب ، وحفص بالنون وكسر الزاي : على البناء للفاعل وهو الله - سبحانه - ، والكفور على القراءة الأولى مرفوع ، وعلى القراءة الثانية منصوب ، واختار القراءة الثانية أبو عبيد ، وأبو حاتم قالا : لأن قبله جزيناهم وظاهر الآية أنه لا يجازي إلا الكفور مع كون أهل المعاصي يجازون ، وقد قال قوم : إن معنى الآية : أنه لا يجازي هذا الجزاء ، وهو الاصطلام ، والإهلاك إلا من كفر .
قال مجاهد : إن . المؤمن يكفر عن سيئاته ، والكافر يجازى بكل عمل عمله
وقال : هو المناقشة في الحساب ، وأما المؤمن فلا يناقش . طاوس
وقال الحسن : إن المعنى إنه يجازي الكافر مثلا بمثل ورجح هذا الجواب النحاس .
وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها هذا معطوف على قوله : لقد كان لسبإ أي : وكان من قصتهم : أنا جعلنا بينهم ، وبين القرى التي باركنا فيها بالماء والشجر ، وهي : قرى الشام قرى ظاهرة أي : متواصلة ، وكان متجرهم من أرضهم التي هي مأرب إلى الشام ، وكانوا يبيتون بقرية ، ويقيلون بأخرى حتى يرجعوا ، وكانوا لا يحتاجون إلى زاد يحملونه من أرضهم إلى الشام ، فهذا من جملة الحكاية لما أنعم الله به عليهم .
قال الحسن : إن هذه القرى هي بين اليمن والشام ، قيل : إنها كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية ، وقيل : هي بين المدينة والشام .
وقال : القرى الظاهرة هي المعروفة ، وإنما قيل لها ظاهرة لظهورها ، إذا خرجت من هذه ظهرت لك الأخرى فكانت قرى ظاهرة أي : معروفة ، يقال : هذا أمر ظاهر أي : معروف المبرد وقدرنا فيها السير أي : جعلنا السير من القرية إلى القرية مقدارا معينا واحدا ، وذلك نصف يوم كما قال المفسرون .
قال الفراء أي : جعلنا بين كل قريتين نصف يوم حتى يكون المقيل في قرية ، والمبيت في أخرى إلى أن يصل إلى الشام ، وإنما يبالغ الإنسان في السير لعدم الزاد ، والماء ، ولخوف الطريق ، فإذا وجد الزاد ، والأمن ، لم يحمل نفسه المشقة ، بل ينزل أينما أراد .
والحاصل : أن الله - سبحانه - عدد عليهم النعم ، ثم ذكر ما نزل بهم من النقم ، ثم عاد لتعديد بقية ما أنعم به عليهم مما هو خارج عن بلدهم من اتصال القرى بينهم ، وبين ما يريدون السفر إليه ، ثم ذكر بعد ذلك تبديله بالمفاوز والبراري كما سيأتي ، وقوله : سيروا فيها هو على تقدير القول أي : وقلنا لهم سيروا في تلك القرى المتصلة ، فهو أمر تمكين أي : ومكناهم من السير فيها متى شاءوا ليالي وأياما آمنين مما يخافونه ، وانتصاب ليالي و أياما على [ ص: 1195 ] الظرفية ، وانتصاب آمنين على الحال .
قال قتادة : كانوا يسيرون غير خائفين ولا جياع ولا ظماء ، كانوا يسيرون مسيرة أربعة أشهر في أمان لا يحرك بعضهم بعضا ولو لقي الرجل قاتل أبيه لم يحركه .
ثم ذكر - سبحانه - أنهم لم يشكروا النعمة ، بل طلبوا التعب والكد فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وكان هذا القول منهم بطرا وطغيانا لما سئموا النعمة ولم يصبروا على العافية ، فتمنوا طول الأسفار والتباعد بين الديار ، وسألوا الله - تعالى - أن يجعل بينهم وبين الشام مكان تلك القرى المتواصلة الكثيرة الماء ، والشجر ، والأمن ، المفاوز ، والقفار ، والبراري ، المتباعدة الأقطار ، فأجابهم الله إلى ذلك ، وخرب تلك القرى المتواصلة ، وذهب بما فيها من الخير ، والماء ، والشجر ، فكانت دعوتهم هذه كدعوة بني إسرائيل حيث قالوا : فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها [ البقرة : 61 ] الآية مكان المن والسلوى ، وكقول النضر بن الحارث اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء [ الأنفال : 32 ] الآية .
قرأ الجمهور ربنا بالنصب على أنه منادى مضاف ، وقرءوا أيضا باعد وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن محيصن ، وهشام عن ابن عامر " بعد " بتشديد العين ، وقرأ ابن السميفع بضم العين فعلا ماضيا ، فيكون معنى هذه القراءة : الشكوى من بعد الأسفار ، وقرأ أبو صالح ، ومحمد ابن الحنفية وأبو العالية ، ونصر بن عاصم ، ويعقوب " ربنا " بالرفع " باعد " بفتح العين على أنه فعل ماض على الابتداء والخبر .
والمعنى : لقد باعد ربنا بين أسفارنا ، ورويت هذه القراءة عن ، واختارها ابن عباس أبو حاتم ، قال : لأنهم ما طلبوا التبعيد إنما طلبوا أقرب من ذلك القرب الذي كان بينهم وبين الشام بالقرى المتواصلة بطرا وأشرا وكفرا للنعمة .
وقرأ ، يحيى بن يعمر وعيسى بن عمر " ربنا " بالرفع " بعد " بفتح العين مشددة ، فيكون معنى هذه القراءة : الشكوى بأن ربهم بعد بين أسفارهم مع كونها قريبة متصلة بالقرى ، والشجر ، والماء ، فيكون هذا من جملة بطرهم ، وقرأ أخو كقراءة الحسن البصري ابن السميفع السابقة مع رفع بين على أنه الفاعل كما قيل : في قوله : لقد تقطع بينكم [ الأنعام : 94 ] وروى الفراء قراءة مثل هذه القراءة لكن مع نصب بين على أنه ظرف ، والتقدير : بعد سيرنا بين أسفارنا . والزجاج
قال النحاس : وهذه القراءات إذا اختلفت معانيها لم يجز أن يقال : إحداها أجود من الأخرى كما لا يقال : ذلك في أخبار الآحاد إذا اختلفت معانيها ، ولكن أخبر عنهم أنهم دعوا ربهم أن يبعد بين أسفارهم ، فلما فعل ذلك بهم شكوا وتضرروا ، ولهذا قال - سبحانه - : وظلموا أنفسهم حيث كفروا بالله ، وبطروا نعمته وتعرضوا لنقمته فجعلناهم أحاديث يتحدث الناس بأخبارهم .
والمعنى : جعلناهم ذوي أحاديث يتحدث بها من بعدهم تعجبا من فعلهم ، واعتبارا بحالهم ، وعاقبتهم ومزقناهم كل ممزق أي : فرقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق ، وهذه الجملة مبينة لجعلهم أحاديث ، وذلك أن الله - سبحانه - لما أغرق مكانهم وأذهب جنتهم ، تفرقوا في البلاد فصارت العرب تضرب بهم الأمثال ، فتقول : تفرقوا أيدي سبا .
قال : فلحقت الشعبي الأنصار بيثرب ، وغسان بالشام ، والأزد بعمان ، وخزاعة بتهامة إن في ذلك لآيات أي : فيما ذكر من قصتهم وما فعل الله بهم لآيات بينات ، ودلالات واضحات لكل صبار شكور أي : لكل من هو كثير الصبر والشكر ، وخص الصبار الشكور لأنهما المنتفعان بالمواعظ والآيات .
ولقد صدق عليهم إبليس ظنه قرأ الجمهور " صدق " بالتخفيف ورفع إبليس ونصب ظنه .
قال : وهو على المصدر أي : صدق عليهم ظنا ظنه ، أو صدق في ظنه ، أو على الظرف . الزجاج
والمعنى : أنه ظن بهم أنه إذا أغواهم اتبعوه ، فوجدهم كذلك ، ويجوز أن يكون منتصبا على المفعولية ، أو بإسقاط الخافض .
وقرأ حمزة ، والكسائي ، ويحيى بن وثاب ، والأعمش وعاصم صدق بالتشديد ، و ظنه بالنصب على أنه مفعول به .
قال أبو علي الفارسي أي : صدق الظن الذي ظنه .
قال مجاهد : ظن ظنا فصدق ظنه ، فكان كما ظن ، وقرأ أبو جعفر ، وأبو الجهجاء ، ، والزهري " صدق " بالتخفيف ، و " وزيد بن علي إبليس " بالنصب و " ظنه " بالرفع ، قال أبو حاتم : لا وجه لهذه القراءة عندي ، وقد أجاز هذه القراءة الفراء ، وذكرها ، وجعل الظن فاعل صدق ، وإبليس مفعوله . والمعنى : أن الزجاج إبليس سول له ظنه شيئا فيهم ، فصدق ظنه فكأنه قال ولقد صدق عليهم ظن إبليس . وروي عن أبي عمرو أنه قرأ برفعهما مع تخفيف صدق على أن يكون ظنه بدل اشتمال من إبليس .
قيل : وهذه الآية خاصة بأهل سبأ .
والمعنى : أنهم غيروا وبدلوا بعد أن كانوا قد آمنوا بما جاءت به رسلهم ، وقيل : هي عامة أي : صدق إبليس ظنه على الناس كلهم إلا من أطاع الله . قاله مجاهد ، والحسن .
قال الكلبي : إنه ظن أنه إن أغواهم أجابوه ، وإن أضلهم أطاعوه فصدق ظنه فاتبعوه قال الحسن : ما ضربهم بسوط ولا بعصي ، وإنما ظن ظنا بوسوسته ، وانتصاب إلا فريقا من المؤمنين على الاستثناء ، وفيه وجهان : أحدهما أن يراد به بعض المؤمنين ، لأن لإبليس في بعض المعاصي ، ولم يسلم منه إلا فريق ، وهم الذين قال فيهم كثيرا من المؤمنين يذنب وينقاد إن عبادي ليس لك عليهم سلطان [ الحجر : 42 والإسراء : 65 ] وقيل : المراد بـ فريقا من المؤمنين : المؤمنون كلهم على أن تكون من بيانية .
وما كان له عليهم من سلطان أي : ما كان له تسلط عليهم أي : لم يقهرهم على الكفر ، وإنما كان منه الدعاء والوسوسة والتزيين ، وقيل : السلطان والقوة ، وقيل : الحجة ، والاستثناء في قوله : إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك منقطع ، والمعنى : لا سلطان له عليهم ، ولكن ابتليناهم بوسوسته لنعلم .
وقيل : هو متصل مفرغ من أعم العام أي : ما كان له عليهم تسلط بحال من الأحوال ، ولا لعلة من العلل إلا ليتميز من يؤمن ، ومن لا يؤمن ، لأنه [ ص: 1196 ] - سبحانه - قد علم ذلك علما أزليا .
وقال الفراء : المعنى إلا لنعلم ذلك عندكم ، وقيل : إلا لتعلموا أنتم ، وقيل : ليعلم أولياؤنا والملائكة .
وقرأ " إلا ليعلم " على البناء للمفعول ، والأولى حمل العلم هنا على التمييز ، والإظهار كما ذكرنا الزهري وربك على كل شيء حفيظ أي : محافظ عليه . قال مقاتل : علم كل شيء من الإيمان والشك .
وقد أخرج أحمد ، ، والبخاري وحسنه ، والترمذي والحاكم وصححه ، وغيرهم فروة بن مسيك المرادي قال أتيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقلت : يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم ؟ فأذن لي في قتالهم وأمرني ، فلما خرجت من عنده أرسل في أثري فردني ، فقال : ادع القوم ، فمن أسلم منهم فاقبل منه ، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك ، وأنزل في سبأ ما أنزل ، فقال رجل ، يا رسول الله وما سبأ : أرض أم امرأة ؟ قال : ليس بأرض ولا امرأة ، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب ، فتيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة ، فأما الذين تشاءموا : فلخم ، وجذام ، وغسان ، وعاملة ، وأما الذين تيامنوا ; فالأزد ، والأشعريون ، وحمير ، وكندة ، ومذحج ، وأنمار ، فقال رجل : يا رسول الله وما أنمار ؟ قال : الذي منهم خثعم ، وبجيلة . عن
وأخرج أحمد ، ، وعبد بن حميد ، والطبراني ، وابن عدي والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن نحوه بأخصر منه . ابن عباس
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم في قوله : ابن عباس سيل العرم قال : الشديد .
وأخرج عنه قال : ابن جرير سيل العرم واد كان باليمن كان يسيل إلى مكة .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، عنه أيضا في قوله : وابن أبي حاتم أكل خمط قال : الأراك .
وأخرج ابن المنذر عنه أيضا في قوله : وهل نجازي إلا الكفور قال : تلك المناقشة .
وأخرج إسحاق بن بشر عنه أيضا في قوله : ، وابن عساكر وجعلنا بينهم يعني بين مساكنهم وبين القرى التي باركنا فيها يعني الأرض المقدسة قرى ظاهرة يعني عامرة مخصبة وقدرنا فيها السير يعني فيما بين مساكنهم وبين أرض الشام سيروا فيها إذا ظعنوا من منازلهم إلى أرض الشام من المقدسة .
وأخرج ، عبد بن حميد ، عنه أيضا في قوله وابن أبي حاتم ولقد صدق عليهم إبليس ظنه قال إبليس : إن آدم خلق من تراب ومن طين ومن حمأ مسنون خلقا ضعيفا ، وإني خلقت من نار ، والنار تحرق كل شيء لأحتنكن ذريته إلا قليلا . قال : فصدق ظنه عليهم فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين قال هم المؤمنون كلهم .