لما كانت قريش وقبائل من العرب يزعمون أن الملائكة بنات الله أمر الله - سبحانه - رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - باستفتائهم على طريقة التقريع والتوبيخ ، فقال : فاستفتهم يا محمد : أي : استخبرهم ألربك البنات ولهم البنون أي : كيف يجعلون لله على تقدير صدق ما زعموه من الكذب أدنى الجنسين وأوضعهما وهو الإناث ، ولهم أعلاهما وأرفعهما وهم الذكور ، وهل هذا إلا حيف في القسمة لضعف عقولهم وسوء إدراكهم ومثله قوله : ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى [ النجم : 21 ، 22 ] .
ثم زاد في توبيخهم وتقريعهم فقال : أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون فأضرب عن الكلام الأول إلى ما هو أشد منه في التبكيت والتهكم بهم أي : كيف جعلوهم إناثا وهم لم يحضروا عند خلقنا لهم ، وهذا كقوله : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم [ الزخرف : 19 ] فبين - سبحانه - أن مثل ذلك لا يعلم إلا بالمشاهدة ولم يشهدوا ، ولا دل دليل على قولهم من السمع ، ولا هو مما يدرك بالعقل حتى ينسبوا إدراكه إلى عقولهم .
ثم أخبر - سبحانه - عن كذبهم فقال : ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون فبين - سبحانه - أن قولهم هذا هو من الإفك والافتراء من دون دليل ولا شبهة دليل فإنه لم يلد ولم يولد .
قرأ الجمهور ولد الله فعلا ماضيا مسندا إلى الله . وقرئ بإضافة ولد إلى الله على أنه خبر مبتدأ محذوف أي : يقولون الملائكة ولد الله ، والولد بمعنى مفعول يستوي فيه المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث .
ثم كرر - سبحانه - تقريعهم وتوبيخهم فقال : أصطفى البنات على البنين قرأ الجمهور بفتح الهمزة على أنها للاستفهام الإنكاري ، وقد حذف معها همزة الوصل استغناء به عنها .
وقرأ نافع في رواية عنه وأبو جعفر وشيبة ، والأعمش بهمزة وصل تثبت ابتداء وتسقط درجا ، ويكون الاستفهام منويا قاله الفراء .
وحذف حرفه للعلم به من المقام ، أو على أن اصطفى وما بعده بدل من الجملة المحكية بالقول . وعلى تقدير عدم الاستفهام والبدل .
فقد حكى جماعة من المحققين منهم الفراء أن التوبيخ يكون باستفهام وبغير استفهام كما في قوله : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا [ الأحقاف : 20 ] وقيل : هو على إضمار القول .
ما لكم كيف تحكمون جملتان استفهاميتان ليس لأحدهما تعلق بالأخرى من حيث الإعراب : استفهمهم أولا عما استقر لهم وثبت استفهام بإنكار ، وثانيا استفهام تعجب من هذا الحكم الذي حكموا به ، والمعنى أي شيء ثبت لكم كيف تحكمون لله بالبنات وهم القسم الذي تكرهونه ، ولكم بالبنين وهم القسم الذي تحبونه ؟ .
أفلا تذكرون أي : تتذكرون فحذفت إحدى التاءين ، والمعنى : ألا تعتبرون وتتفكرون فتتذكرون بطلان قولكم .
أم لكم سلطان مبين أي : حجة واضحة ظاهرة على هذا الذي تقولونه ، وهو إضراب عن توبيخ إلى توبيخ وانتقال من تقريع إلى تقريع .
فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين أي : فأتوا بحجتكم الواضحة على هذا إن كنتم صادقين فيما تقولونه ، أو فأتوا بالكتاب الذي ينطق لكم بالحجة ويشتمل عليها .
وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا قال أكثر المفسرين : إن المراد بالجنة هنا الملائكة ، قيل : لهم جنة لأنهم لا يرون .
وقال مجاهد : هم بطن من بطون الملائكة يقال لهم : الجنة . وقال أبو مالك : إنما قيل لهم الجنة لأنهم خزان على الجنان . والنسب الصهر . قال قتادة والكلبي : قالوا لعنهم الله : إن الله صاهر الجن فكانت الملائكة من أولادهم ، قالا : والقائل بهذه المقالة اليهود .
وقال مجاهد والسدي ومقاتل : إن القائل بذلك كنانة وخزاعة قالوا : إن الله خطب إلى سادات الجن فزوجوه من سروات بناتهم ، فالملائكة بنات الله من سروات بنات الجن .
وقال الحسن : أشركوا الشيطان في عبادة الله ، فهو النسب الذي جعلوه .
ثم رد الله - سبحانه - عليهم بقوله : ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون أي : علموا أن هؤلاء الكفار الذين قالوا هذا القول يحضرون النار ويعذبون فيها .
وقيل : علمت الجنة أنهم [ ص: 1253 ] أنفسهم يحضرون للحساب .
والأول أولى ، لأن الإحضار إذا أطلق فالمراد العذاب . وقيل : المعنى : ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون إلى الجنة .
ثم نزه - سبحانه - نفسه فقال : سبحان الله عما يصفون أو هو حكاية لتنزيه الملك لله - عز وجل - عما وصفه به المشركون .
والاستثناء في قوله : إلا عباد الله المخلصين منقطع ، والتقدير : لكن عباد الله المخلصين بريئون عن أن يصفوا الله بشيء من ذلك . وقد قرئ بفتح اللام وكسرها ومعناهما ما بيناه قريبا . وقيل : هو استثناء من المحضرين أي : إنهم يحضرون النار إلا من أخلص ، فيكون متصلا لا منقطعا ، وعلى هذا تكون جملة التسبيح معترضة .
ثم خاطب الكفار على العموم أو كفار مكة على الخصوص فقال : فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين أي : فإنكم وآلهتكم التي تعبدون من دون الله لستم بفاتنين على الله بإفساد عباده وإضلالهم ، و " على " متعلقة بـ : " فاتنين " ، والواو في وما تعبدون إما للعطف على اسم إن ، أو هو بمعنى مع ، وما موصولة أو مصدرية أي : فإنكم والذي تعبدون ، أو وعبادتكم ، ومعنى " فاتنين " مضلين ، يقال : فتنت الرجل وأفتنته ، ويقال : فتنه عن الشيء وبالشيء كما يقال : أضله على الشيء وأضله به .
قال الفراء : أهل الحجاز يقولون : فتنته ، وأهل نجد يقولون : أفتنته ، ويقال : فتن فلان على فلان امرأته أي : أفسدها عليه ، فالفتنة هنا بمعنى الإضلال والإفساد .
قال مقاتل : يقول : ما أنتم بمضلين أحدا بآلهتكم إلا من قدر الله له أن يصلى الجحيم ، و " ما " في وما أنتم نافية و أنتم خطاب لهم ولمن يعبدونه على التغليب .
قال الزجاج : أهل التفسير مجمعون فيما علمت أن المعنى : ما أنتم بمضلين أحدا إلا من قدر الله - عز وجل - عليه أن يضل ، ومنه قول الشاعر :
فرد بفتنته كيده عليه وكان لنا فاتنا
أي مضلا .
إلا من هو صالي الجحيم قرأ الجمهور ( صال ) بكسر اللام ; لأنه منقوص مضاف حذفت الياء لالتقاء الساكنين وحمل على لفظ ( من ) ، وأفرد كما أفرد ( هو ) .
وقرأ الحسن وابن أبي عبلة بضم اللام مع واو بعدها ، وروي عنهما أنهما قرأا بضم اللام بدون واو .
فأما مع الواو فعلى أنه جمع سلامة بالواو حملا على معنى من ، وحذفت نون الجمع للإضافة ، وأما بدون الواو فيحتمل أن يكون جمعا ، وإنما حذفت الواو خطا كما حذفت لفظا ، ويحتمل أن يكون مفردا ، وحقه على هذا كسر اللام .
قال النحاس : وجماعة أهل التفسير يقولون : إنه لحن لأنه لا يجوز : هذا قاض المدينة ، والمعنى : أن الكفار وما يعبدونه لا يقدرون على إضلال أحد من عباد الله إلا من هو من أهل النار وهم المصرون على الكفر ، وإنما يصر على الكفر من سبق القضاء عليه بالشقاوة ، وإنه ممن يصلى النار أي : يدخلها .
ثم قال الملائكة مخبرين للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما حكاه الله - سبحانه - عنهم .
وما منا إلا له مقام معلوم وفي الكلام حذف ، والتقدير : وما منا أحد ، أو : وما منا ملك إلا له مقام معلوم في عبادة الله .
وقيل : التقدير : وما منا إلا من له مقام معلوم ، رجح البصريون التقدير الأول ، ورجح الكوفيون الثاني .
قال الزجاج : هذا قول الملائكة وفيه مضمر . المعنى وما منا ملك إلا له مقام معلوم .
ثم قالوا : وإنا لنحن الصافون أي : في مواقف الطاعة . قال قتادة : هم الملائكة صفوا أقدامهم . وقال الكلبي : صفوف الملائكة في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض .
وإنا لنحن المسبحون أي : المنزهون لله المقدسون له عما أضافه إليه المشركون ، وقيل : المصلون ، وقيل : المراد بقولهم المسبحون مجموع التسبيح باللسان وبالصلاة ، والمقصود أن هذه الصفات هي صفات الملائكة ، وليسوا كما وصفهم به الكفار من أنهم بنات الله .
وإن كانوا ليقولون هذا رجوع إلى الإخبار عن المشركين أي : كانوا قبل المبعث المحمدي إذا عيوا بالجهل قالوا . لو أن عندنا ذكرا من الأولين أي : كتابا من كتب الأولين كالتوراة والإنجيل .
لكنا عباد الله المخلصين أي : لأخلصنا العبادة له ولم نكفر به ، وإن في قوله : وإن كانوا هي المخففة من الثقيلة ، وفيها ضمير شأن محذوف ، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية أي : وإن الشأن كان كفار العرب ليقولون إلخ .
والفاء في قوله : فكفروا به هي الفصيحة الدالة على محذوف مقدر في الكلام .
قال الفراء : تقديره فجاءهم محمد بالذكر فكفروا به ، وهذا على طريق التعجب منهم فسوف يعلمون أي : عاقبة كفرهم ومغبته ، وفي هذا تهديد لهم شديد .
وجملة ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين مستأنفة مقررة للوعيد ، والمراد بالكلمة ما وعدهم الله به من النصر والظفر على الكفار .
قال مقاتل : عنى بالكلمة قوله - سبحانه - : كتب الله لأغلبن أنا ورسلي [ المجادلة : 21 ] . وقال الفراء : سبقت كلمتنا بالسعادة لهم . والأولى تفسير هذه الكلمة بما هو مذكور هنا ، فإنه قال : إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون فهذه الكلمة المذكورة سابقا وهذا تفسير لها ، والمراد بجند الله حزبه وهم الرسل وأتباعهم .
قال الشيباني : جاء هنا على الجمع : يعني قوله : لهم الغالبون من أجل أنه رأس آية ، وهذا الوعد لهم بالنصر والغلبة لا ينافيه انهزامهم في بعض المواطن وغلبة الكفار لهم ، فإن الغالب في كل موطن هو انتصارهم على الأعداء وغلبته لهم ، فخرج الكلام مخرج الغالب ، على أن العاقبة المحمودة لهم على كل حال وفي كل موطن كما قال - سبحانه - : والعاقبة للمتقين [ الأعراف : 128 ] .
ثم أمر الله - سبحانه - رسوله بالإعراض عنهم والإغماض عما يصدر منهم من الجهالات والضلالات فقال : فتول عنهم حتى حين أي : أعرض عنهم إلى مدة معلومة عند الله - سبحانه - ، وهي مدة الكف عن القتال . قال السدي ومجاهد : حتى نأمرك بالقتال . وقال قتادة : إلى الموت ، وقيل : إلى يوم بدر ، وقيل : إلى يوم فتح مكة ، وقيل : هذه الآية منسوخة بآية السيف .
وأبصرهم فسوف يبصرون أي : وأبصرهم إذا نزل بهم العذاب بالقتل [ ص: 1254 ] والأسر فسوف يبصرون حين لا ينفعهم الإبصار ، وعبر بالإبصار عن قرب الأمر أي : فسوف يبصرون عن قريب .
وقيل : المعنى : فسوف يبصرون العذاب يوم القيامة .
ثم هددهم بقوله - سبحانه - : أفبعذابنا يستعجلون كانوا يقولون من فرط تكذيبهم : متى هذا العذاب ؟ .
فإذا نزل بساحتهم أي : إذا نزل عذاب الله لهم بفنائهم ، والساحة في اللغة : فناء الدار الواسع . قال الفراء : نزل بساحتهم ونزل بهم سواء . قال الزجاج : وكان عذاب هؤلاء بالقتل ، قيل : المراد به نزول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بساحتهم يوم فتح مكة .
قرأ الجمهور نزل مبنيا للفاعل . وقرأ عبد الله بن مسعود على البناء للمفعول ، والجار والمجرور قائم مقام الفاعل فساء صباح المنذرين أي : بئس صباح الذين أنذروا بالعذاب والمخصوص بالذم محذوف أي : صباحهم .
وخص الصباح بالذكر لأن العذاب كان يأتيهم فيه .
ثم كرر - سبحانه - ما سبق تأكيدا للوعد بالعذاب فقال : وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون وحذف مفعول " أبصر " هاهنا وذكره أولا إما لدلالة الأول عليه فتركه هنا اختصارا ، أو قصدا إلى التعميم للإيذان بأن ما يبصره من أنواع عذابهم لا يحيط به الوصف .
وقيل : هذه الجملة المراد بها أحوال القيامة ، والجملة الأولى المراد بها عذابهم في الدنيا ، وعلى هذا فلا يكون من باب التأكيد ، بل من باب التأسيس .
ثم نزه - سبحانه - نفسه عن قبيح ما يصدر منهم فقال : سبحان ربك رب العزة عما يصفون العزة الغلبة والقوة ، والمراد تنزيهه عن كل ما يصفونه به مما لا يليق بجنابه الشريف ، و ( رب العزة ) بدل من ربك .
ثم ذكر ما يدل على تشريف رسله وتكريمهم فقال : وسلام على المرسلين أي : الذين أرسلهم إلى عباده وبلغوا رسالاته ، وهو من السلام الذي هو التحية ، وقيل : معناه : أمن لهم وسلامة من المكاره .
والحمد لله رب العالمين إرشاد لعباده إلى حمده على إرسال رسله إليهم مبشرين ومنذرين ، وتعليم لهم كيف يصنعون عند إنعامه عليهم وما يثنون عليه به ، وقيل : إنه الحمد على هلاك المشركين ونصر الرسل عليهم ، والأولى أنه حمد لله - سبحانه - على كل ما أنعم به على خلقه أجمعين كما يفيده حذف المحمود عليه ، فإن حذفه مشعر بالتعميم كما تقرر في علم المعاني ، والحمد هو الثناء الجميل بقصد التعظيم .
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا قال : زعم أعداء الله أنه - تبارك وتعالى - هو وإبليس أخوان .
وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله فإنكم وما تعبدون قال : فإنكم يا معشر المشركين وما تعبدون : يعني الآلهة ما أنتم عليه بفاتنين قال : بمضلين إلا من هو صالي الجحيم يقول : إلا من سبق في علمي أنه سيصلى الجحيم .
وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه أيضا في الآية يقول : إنكم لا تضلون أنتم ولا أضل منكم إلا من قضيت عليه أنه صال الجحيم .
وأخرج عبد بن حميد ، وابن مردويه عنه أيضا في الآية قال : لا تفتنون إلا من هو صال الجحيم .
وأخرج ، عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير عنه أيضا في قوله : وما منا إلا له مقام معلوم قال الملائكة : وإنا لنحن الصافون قال الملائكة : وإنا لنحن المسبحون قال : الملائكة .
وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه عن عائشة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما في السماء موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قائم ، وذلك قول الملائكة وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وأخرج محمد بن نصر وابن عساكر عن العلاء بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال يوما لأصحابه أطت السماء وحق لها أن تئط ، ليس فيها موضع قدم إلا عليه ملك راكع أو ساجد ، ثم قرأ وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون .
وأخرج ، عبد الرزاق ، والفريابي وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : " إن من السماوات لسماء ما فيها موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك أو قدماه قائما أو ساجدا ، ثم قرأ وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون " .
وأخرج الترمذي وحسنه ابن جرير ، وابن مردويه عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون ، إن السماء أطت وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله وقد ثبت في الصحيح وغيره أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر الصحابة أن يصفوا كما تصف الملائكة عند ربهم ، فقالوا : وكيف تصف الملائكة عند ربهم قال : يقيمون الصفوف المقدمة ويتراصون في الصف .
وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : لو أن عندنا ذكرا من الأولين قال : لما جاء المشركين من أهل مكة ذكر الأولين وعلم الآخرين كفروا بالكتاب فسوف يعلمون .
وأخرج البخاري ، ومسلم وغيرهما عن أنس قال : " صبح رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - خيبر وقد خرجوا بالمساحي ، فلما نظروا إليه قالوا : محمد والخميس ، فقال : الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين . الحديث .
وأخرج ابن سعد ، وابن مردويه من طريق سعيد عن قتادة عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : إذا سلمتم على المرسلين فسلموا علي فإنما أنا بشر من المرسلين .
وأخرج ابن مردويه من طريق أبي العوام عن قتادة عن أنس مرفوعا نحوه بأطول منه .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد وأبو يعلى ، وابن مردويه عن أبي سعيد عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه كان إذا أراد أن يسلم من صلاته قال : سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : كنا نعرف انصراف رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من الصلاة بقوله : سبحان ربك إلى [ ص: 1255 ] آخر الآية .
وأخرج الخطيب نحوه من حديث أبي سعيد .
وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال من قال دبر كل صلاة : سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ثلاث مرات ، فقد اكتال بالمكيال الأوفى من الأجر .
وأخرج حميد بن زنجويه في ترغيبه من طريق الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب نحوه .
وإلى هنا انتهى الجزء الثالث من هذا التفسير المبارك بمعونة الله ، المقبول بفضل الله ، بقلم مصنفه الحقير " محمد بن علي الشوكاني غفر الله لهما " ، في نهار الخميس الحادي والعشرين من شهر محرم الحرام من شهور سنة تسع وعشرين ومائتين وألف من الهجرة النبوية ، حامدا لله شاكرا له مصليا مسلما على رسوله وآله ، ويتلوه إن شاء الله تفسير سورة ص .
انتهى سماع هذا الجزء على مؤلفه حفظه الله في يوم الاثنين غرة شهر جمادى الآخرة سنة 1239 ه .
كتبه يحيى بن علي الشوكاني غفر الله لهما .


