إن الله مع الصابرين يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون
لما فرغ سبحانه من إرشاده عباده إلى ذكره وشكره ، عقب ذلك بإرشادهم إلى ، فإن [ ص: 104 ] من جمع بين ذكر الله وشكره ، واستعان بالصبر والصلاة على تأدية ما أمر الله به ، ودفع ما يرد عليه من المحن فقد هدي إلى الصواب ووفق إلى الخير ، وإن هذه المعية التي أوضحها الله بقوله : الاستعانة بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين فيها أعظم ترغيب لعباده سبحانه إلى لزوم الصبر على ما ينوب من الخطوب ، فمن كان الله معه لم يخش من الأهوال وإن كانت كالجبال .
و " أموات " و " أحياء " مرتفعان على أنهما خبران لمحذوفين ، أي لا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله هم أموات بل هم أحياء ، ولكن لا تشعرون بهذه الحياة عند مشاهدتكم لأبدانهم بعد سلب روحهم ، لأنكم تحكمون عليها بالموت في ظاهر الأمر بحسب ما يبلغ إليه علمكم الذي هو بالنسبة إلى علم الله كما يأخذ الطائر في منقاره من ماء البحر ، وليسوا كذلك في الواقع بل هم أحياء في البرزخ .
وفي الآية دليل على ، ولا اعتداد بخلاف من خالف في ذلك ، فقد تواترت به الأحاديث الصحيحة ودلت عليه الآيات القرآنية ، ومثل هذه الآية قوله تعالى : ثبوت عذاب القبر ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون .
والبلاء أصله المحنة ، ومعنى نبلونكم : نمتحنكم لنختبركم هل تصبرون على القضاء أم لا ؟ وتنكير شيء للتقليل ، أي بشيء قليل من هذه الأمور .
وقرأ الضحاك بأشياء .
والمراد بالخوف : ما يحصل لمن يخشى من نزول ضرر به من عدو أو غيره .
وبالجوع : المجاعة التي تحصل عند الجدب والقحط .
وبنقص الأموال : ما يحدث فيها بسبب الجوائح وما أوجبه الله فيها من الزكاة ونحوها .
وبنقص الأنفس : الموت والقتل في الجهاد .
وبنقص الثمرات : ما يصيبها من الآفات وهو من عطف الخاص على العام لشمول الأموال للثمرات وغيرها ، وقيل : المراد بنقص الثمرات : موت الأولاد .
وقوله : وبشر الصابرين أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يقدر على التبشير .
وقد تقدم معنى البشارة .
والصبر أصله الحبس ، ووصفهم بأنهم ، لأن ذلك تسليم ورضا . المسترجعون عند المصيبة
والمصيبة واحدة المصائب : وهي النكبة التي يتأذى بها الإنسان وإن صغرت .
وقوله : إنا لله وإنا إليه راجعون فيه بيان أن هذه الكلمات ملجأ للمصابين وعصمة للممتحنين ، فإنها جامعة بين الإقرار بالعبودية لله ، والاعتراف بالبعث والنشور .
ومعنى الصلوات هنا : المغفرة والثناء الحسن قاله . الزجاج
وعلى هذا فذكر الرحمة لقصد التأكيد .
وقال في الكشاف : الصلاة : الرحمة والتعطف ، فوضعت موضع الرأفة ، وجمع بينها وبين الرحمة كقوله : رأفة ورحمة رءوف رحيم والمعنى : عليهم رأفة بعد رأفة ورحمة بعد رحمة . انتهى .
وقيل : المراد بالرحمة : كشف الكربة وقضاء الحاجة .
و المهتدون قد تقدم معناه ، وإنما وصفوا هنا بذلك لكونهم فعلوا ما فيه الوصول إلى طريق الصواب من الاسترجاع والتسليم .
وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل عن قال : غشي على إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف في وجعه غشية ظنوا أنه قد فاضت نفسه فيها ، حتى قاموا من عنده وجللوه ثوبا ، وخرجت عبد الرحمن بن عوف امرأته إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة ، فلبثوا ساعة وهو في غشيته ثم أفاق . أم كلثوم بنت عقبة
وأخرج ابن منده في المعرفة عن قال : قتل ابن عباس عمير بن الحمام ببدر ، وفيه وفي غيره نزلت : ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات الآية .
وأخرج عن ابن أبي حاتم قال : سعيد بن جبير في سبيل الله في طاعة الله في قتال المشركين .
وقد وردت أحاديث أن تأكل من ثمار الجنة . أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر
فمنها عن مرفوعا عند كعب بن مالك أحمد وصححه والترمذي والنسائي . وابن ماجه
وروي أن أرواح الشهداء تكون على صور طيور بيض ، كما أخرجه عبد الرزاق عن قتادة قال : بلغنا ، فذكر ذلك .
وأخرجه عبد بن حميد عنه أيضا بنحوه ، وروي أنها على صور طيور خضر ، كما أخرجه وابن جرير ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي العالية .
وأخرجه في البعث والنشور عن ابن أبي شيبة كعب .
وأخرجه عن هناد بن السري هذيل .
وأخرجه عنه عبد الرزاق في المصنف عن عبد الله بن كعب بن مالك مرفوعا ، وأخرج عبد بن حميد عن وابن جرير عطاء في قوله : ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع قال : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن في قوله : ابن عباس ولنبلونكم الآية ، قال : أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها ، وأمرهم بالصبر وبشرهم فقال : وبشر الصابرين وأخبر أن المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند المصيبة كتب الله له ثلاث خصال من الخير : الصلاة من الله ، والرحمة ، وتخفيف سبيل الهدى .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته ، وأحسن عقباه ، وجعل له خلفا صالحا يرضاه
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم في قوله : رجاء بن حيوة ونقص من الثمرات قال : يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة فيه إلا تمرة .
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ابن عباس وقد ورد في فضل الاسترجاع عند المصيبة أحاديث كثيرة . أعطيت أمتي شيئا لم يعطه أحد من الأمم أن يقولوا عند المصيبة : إنا لله وإنا إليه راجعون