وهي مدنية .
قال القرطبي : في قول الجميع .
وأخرج ابن الضريس ، والنحاس ، وابن مردويه ، والبيهقي عن قال : نزلت ابن عباس سورة الممتحنة بالمدينة .
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله .
والممتحنة بكسر الحاء اسم فاعل أضيف الفعل إليها مجازا ، كما سميت سورة براءة الفاضحة لكشفها عن عيوب المنافقين ، وقيل : الممتحنة بفتح الحاء اسم مفعول إضافة إلى المرأة التي نزلت فيها ، وهي لقوله سبحانه : أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن [ الممتحنة : 10 ] .
بسم الله الرحمن الرحيم
ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير
قال المفسرون : نزلت : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء في حين كتب إلى مشركي حاطب بن أبي بلتعة قريش بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ، وسيأتي ذكر القصة آخر البحث إن شاء الله ، وقوله : عدوي هو المفعول الأول وعدوكم معطوف عليه ، والمفعول الثاني أولياء ، وأضاف سبحانه العدو إلى نفسه تعظيما لجرمهم ، والعدو مصدر يطلق على الواحد والاثنين والجماعة ، والآية تدل على النهي عن بوجه من الوجوه موالاة الكفار تلقون إليهم بالمودة أي توصلون إليهم المودة ؛ على أن الباء زائدة ، أو هي سببية .
والمعنى : تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بسبب المودة التي بينكم وبينهم .
قال : تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وسره بالمودة التي بينكم وبينهم ، والجملة في محل نصب على الحال من ضمير " تتخذوا " ويجوز أن تكون مستأنفة لقصد الإخبار بما تضمنته أو لتفسير موالاتهم إياهم ، ويجوز أن تكون في محل نصب صفة لأولياء ، وجملة الزجاج وقد كفروا بما جاءكم من الحق في محل نصب على الحال من فاعل " تلقون " ، أو من فاعل " لا تتخذوا " ، ويجوز أن تكون مستأنفة لبيان حال الكفار .
قرأ الجمهور بما جاءكم بالباء الموحدة .
وقرأ الجحدري ، وعاصم في رواية عنه " لما جاءكم " باللام : أي لأجل ما جاءكم من الحق على حذف المكفور به : أي كفروا بالله والرسول لأجل ما جاءكم من الحق ، أو على جعل ما هو سبب للإيمان سببا للكفر توبيخا لهم يخرجون الرسول وإياكم الجملة مستأنفة لبيان كفرهم ، أو في محل نصب على الحال ، وقوله : أن تؤمنوا بالله ربكم تعليل للإخراج : أي يخرجونكم لأجل إيمانكم ، أو كراهة أن تؤمنوا إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي جواب الشرط محذوف ، أي : إن كنتم كذلك فلا تلقوا إليهم بالمودة ، أو إن كنتم كذلك فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ، وانتصاب " جهادا " و " ابتغاء " على العلة : أي إن كنتم خرجتم لأجل الجهاد في سبيلي ولأجل ابتغاء مرضاتي ، وجملة تسرون إليهم بالمودة مستأنفة للتقريع والتوبيخ : أي تسرون إليهم الأخبار بسبب المودة ، وقيل : هي بدل من قوله : تلقون ثم أخبر سبحانه بأنه لا يخفى عليه من أحوالهم [ ص: 1482 ] شيء ، فقال : وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم والجملة في محل نصب على الحال : أي بما أضمرتم وما أظهرتم ، والباء في " بما " زائدة : يقال علمت كذا وعلمت بكذا ، هذا على أن " أعلم " مضارع ، وقيل : هو أفعل تفضيل ، أعلم من كل أحد بما تخفون وما تعلنون ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل أي من يفعل ذلك الاتخاذ لعدوي وعدوكم أولياء ويلقي إليهم بالمودة فقد أخطأ طريق الحق والصواب وضل عن قصد السبيل .
إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء أي إن يلقوكم ويصادفوكم يظهروا لكم ما في قلوبهم من العداوة ، ومنه المثاقفة ، وهي طلب مصادفة الغرة في المسابقة ، وقيل : المعنى : إن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم ، والمعنيان متقاربان ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء أي يبسطوا إليكم أيديهم بالضرب ونحوه ، وألسنتهم بالشتم ونحوه وودوا لو تكفرون هذا معطوف على جواب الشرط ، أو على جملة الشرط والجزاء ، ورجح هذا أبو حيان ، والمعنى : أنهم تمنوا ارتدادهم وودوا رجوعهم إلى الكفر .
لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم أي لا تنفعكم القرابات على عمومها ولا الأولاد ، وخصهم بالذكر مع دخولهم في الأرحام لمزيد المحبة لهم والحنو عليهم ، والمعنى : أن هؤلاء لا ينفعونكم حتى توالوا الكفار لأجلهم كما وقع في قصة ، بل الذي ينفعكم هو ما أمركم الله به من معاداة الكفار وترك موالاتهم ، وجملة حاطب بن أبي بلتعة يوم القيامة يفصل بينكم مستأنفة لبيان عدم نفع الأرحام والأولاد في ذلك اليوم ، ومعنى يفصل بينكم يفرق بينكم ، فيدخل أهل طاعته الجنة ، وأهل معصيته النار .
وقيل : المراد بالفصل بينهم أنه يفر كل منهم من الآخر من شدة الهول كما في قوله : يوم يفر المرء من أخيه الآية .
قيل : ويجوز أن يتعلق " يوم القيامة " بما قبله : أي لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة ، فيوقف عليه . ويبتدأ بقوله : يفصل بينكم والأولى أن يتعلق بما بعده كما ذكرنا والله بما تعملون بصير لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأفعالكم ، فهو مجازيكم على ذلك .
قرأ الجمهور " يفصل " بضم الياء وتخفيف الفاء وفتح الصاد مبنيا للمفعول ، واختار هذه القراءة أبو عبيد .
وقرأ عاصم بفتح الياء وكسر الصاد مبنيا للفاعل .
وقرأ حمزة ، بضم الياء وفتح الفاء وكسر الصاد مشددة . والكسائي
وقرأ علقمة بالنون .
وقرأ قتادة ، وأبو حيوة بضم الياء وكسر الصاد مخففة .
وقد أخرج ، البخاري ومسلم وغيرهما قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا علي بن أبي طالب والزبير ، والمقداد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فأتوني به ، فخرجنا حتى أتينا الروضة ، فإذا نحن بالظعينة ، فقلنا : أخرجي الكتاب ، قالت : ما معي من كتاب ، فقلنا : لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذا يا حاطب ؟ قال : لا تعجل علي يا رسول الله ، إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق ، فقال عمر : دعني أضرب عنقه ، فقال : إنه شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " . ونزلت ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة . عن
وفي الباب أحاديث مسندة ومرسلة متضمنة لبيان هذه القصة ، وأن هذه الآيات إلى قوله : قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم [ الممتحنة : 4 ] نازلة في ذلك .