وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون
قوله : وإذا سألك عبادي عني يحتمل أن السؤال عن القرب والبعد كما يدل عليه قوله : فإني قريب ويحتمل أن السؤال عن إجابة الدعاء كما يدل على ذلك قوله : أجيب دعوة الداع ويحتمل أن السؤال عما هو أعم من ذلك ، وهذا هو الظاهر مع قطع النظر عن السبب الذي سيأتي بيانه .
وقوله : فإني قريب قيل : بالإجابة ، وقيل : بالعلم ، وقيل : بالإنعام .
وقال في الكشاف : إنه تمثيل لحاله في سهولة إجابته لمن دعاه ، وسرعة إنجاحه حاجة من سأله بمن قرب مكانه ، فإذا دعي أسرعت تلبيته .
ومعنى الإجابة هو معنى ما في قوله تعالى : ادعوني أستجب لكم وقيل : معناه أقبل عبادة من عبدني بالدعاء لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من أن الدعاء هو العبادة ، كما أخرجه أبو داود وغيره من حديث النعمان بن بشير ، والظاهر أن الإجابة هنا هي باقية على معناها اللغوي ، وكون الدعاء من [ ص: 120 ] العبادة لا يستلزم أن الإجابة هي القبول للدعاء ، أي جعله عبادة متقبلة ، فالإجابة أمر آخر غير قبول هذه العبادة .
والمراد أنه سبحانه يجيب بما شاء وكيف شاء ، فقد يحصل المطلوب قريبا وقد يحصل بعيدا ، وقد يدفع عن الداعي من البلاء ما لا يعلمه بسبب دعائه ، وهذا مقيد بعدم اعتداء الداعي في دعائه ، كما في قوله سبحانه : ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ومن الاعتداء أن يطلب ما لا يستحقه ولا يصلح له ، كمن يطلب منزلة في الجنة مساوية لمنزلة الأنبياء أو فوقها .
وقوله : فليستجيبوا لي أي كما أجبتهم إذا دعوني فليستجيبوا لي فيما دعوتهم إليه من الإيمان والطاعات ، وقيل معناه : أنهم يطلبون إجابة الله سبحانه لدعائهم باستجابتهم له : أي القيام بما أمرهم به والترك لما نهاهم عنه .
والرشد خلاف الغي ، رشد يرشد رشدا ورشدا .
قال الهروي : الرشد والرشد والرشاد : الهدى والاستقامة .
قال : ومنه هذه الآية .
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق الصلت بن حكيم عن رجل من الأنصار عن أبيه عن جده قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن قال : سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أين ربنا ؟ فأنزل الله هذه الآية .
وأخرج ابن مردويه عن أنس أنه سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم : أين ربنا ؟ فنزلت .
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تعجزوا عن الدعاء ، فإن الله أنزل علي ادعوني أستجب لكم فقال رجل : يا رسول الله ربنا يسمع الدعاء أم كيف ذلك ؟ فأنزل الله هذه الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء أنه بلغه لما نزلت ادعوني أستجب لكم قالوا : لو نعلم أي ساعة ندعو ؟ فنزلت .
وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال : إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخر له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها .
وثبت في الصحيح أيضا من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول : دعوت فلم يستجب لي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس في قوله : فليستجيبوا لي قال : ليدعوني وليؤمنوا بي أي أنهم إذا دعوني استجبت لهم .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : فليستجيبوا لي أي فليطيعوني .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الربيع بن أنس في قوله : لعلهم يرشدون قال : يهتدون .


