الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1640 مالك ، عن يحيى بن سعيد قال : سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أمرت بقرية تأكل القرى يقولون : يثرب ، وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد .

التالي السابق


هكذا هذا الحديث في الموطأ ، عند جماعة الرواة ، ورواه إسحاق بن عيسى الطباع ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، وهو خطأ ، والصواب فيه مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن يسار أبي الحباب كما في الموطأ ، - والله أعلم - .

وأبو الحباب هذا سعيد بن يسار مولى الحسن بن علي ، وقيل : مولى شميسة : امرأة نصرانية أسلمت بالمدينة على يدي الحسن بن علي ، وقيل : أبو الحباب سعيد بن يسار مولى شقران مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو الحباب أحد الثقات من التابعين بالمدينة ، وبها توفي سنة سبع عشرة ومائة .

وأما قوله : - صلى الله عليه وسلم - تأكل القرى ، فروي ، عن مالك أنه قال : معناه تفتح القرى ، وتفتح منها القرى ; لأن من المدينة افتتحت المدائن كلها [ ص: 171 ] بالإسلام ، وفي هذا الحديث دليل على كراهية تسمية المدينة بيثرب على ما كانت تسمى في الجاهلية ، وأما القرآن ، فنزل بذكر يثرب على ما كانوا يعرفون في جاهليتهم ، ولعل تسمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها بطيبة كان بعد ذلك ، وهو الأغلب في ذلك .

وأما قوله : تنفي الناس ، فإنه أراد شرار الناس ألا ترى أنه مثل ذلك وشبهه بما يصنع الكير في الحديد ، والكير إنما ينفي رديء الحديد ، وخبثه ، ولا ينفي جيده ، وهذا عندي ، - والله أعلم - إنما كان في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحينئذ لم يكن يخرج من المدينة رغبة ، عن جواره فيها إلا من لا خير فيه .

وأما بعد وفاته ، فقد خرج منها الخيار الفضلاء الأبرار ، وأما الكير ، فهو موضع نار الحداد ، والصائغ ، وليس الجلد الذي تسميه العامة كيرا .

هكذا قال أهل العلم باللغة ، ومن هذا حديث أبي أمامة ، وأبي ريحانة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الحمى كير من جهنم ، وهي نصيب المومن من النار .

حدثنا خلف بن أحمد حدثنا أحمد بن مطرف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا علي بن معبد حدثنا يزيد بن هارون حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف ، عن أبي الحصين ، عن أبي صالح الأشعري ، عن أبي أمامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الحمى كير من جهنم ، فما أصاب المومن منها كان حظه من النار - والله أعلم - .




الخدمات العلمية