الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1695 [ ص: 447 ] حديث ثان وخمسون ليحيى بن سعيد

مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن شهاب : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام من الليل ، فنظر في أفق السماء ، فقال : ماذا فتح الله الليلة من الخزائن ؟ وماذا وقع من الفتن ؟ كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة ؟ أيقظوا صواحب الحجر .

التالي السابق


هكذا يروي هذا الحديث مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن شهاب مرسلا .

ورواه غير مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن شهاب ، عن امرأة من قريش حدثناه سعيد بن نصر حدثنا قاسم حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر حدثنا عبد الله بن نمير ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن شهاب ، عن امرأة من قريش : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج ذات ليلة ، فنظر إلى أفق السماء ، فقال : ماذا فتح الله من الخزائن ؟ وما وقع من الفتن ؟ رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة ، أيقظوا صواحب الحجر .

قال أبو عمر : لم يقمه يحيى بن سعيد ، وإنما يرويه ابن شهاب ، عن هند بنت الحارث ، عن أم عبد الله بن محمد بن عبد المومن [ ص: 448 ] - رحمه الله - قال أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك ببغداد قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن هند بنت الحارث ، عن أم سلمة قالت : استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة وهو يقول : لا إله إلا الله ، ما فتح الله من الخزائن ؟ لا إله إلا الله ما أنزل الله الليلة من الفتن ؟ من يوقظ صواحب الحجر ؟ يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثني الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن يحيى بن سعيد ، عن الزهري ، عن أم سلمة قال سفيان : وحدثنا معمر ، عن الزهري ، عن هند بنت الحارث ، عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذات ليلة : يا سبحان الله ماذا نزل من الفتن ؟ وما فتح من [ ص: 449 ] الخزائن ؟ فأيقظوا صواحبات الحجر ، فرب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة .

في هذا الحديث علم من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - بخبره عن الغيب ، وذلك أنه أخبر بما كان بعده من الفتن ، فكان كما قال - صلى الله عليه وسلم - فتن كمواقع القطر ، وكالليل المظلم .

وكذلك قوله : ماذا فتح الله الليلة من الخزائن ؟ يريد - والله أعلم - من أرزاق العباد من خزائن الله التي لا تنفد ، يريد ما يفتح الله على هذه الأمة من ديار الكفر ، والاتساع في المال ، - والله أعلم - .

وهذا - أيضا - من الغيب الذي لا يعلمه إلا هو ومثله من الأنبياء ، والرسل - صلوات الله عليهم - .

وأما قوله : أيقظوا صواحب الحجر ، فصواحب جمع صاحبة ، والحجر هاهنا البيوت - أراد أزواجه أن يوقظن للصلاة في تلك الليلة - رجاء بركتها ، ولئلا يكن من الغافلين فيها .

وقد يجوز أن تكون ليلة القدر ، ففيها يفرق كل أمر حكيم ، قيل : ما يكون في كل عام ، ويجوز أن تكون ليلة غيرها قضى الله فيها بقضائه ، وأعلمه رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد يجوز أن تكون لتلك الليلة أخوات مثلها ، وهذه أمور لا يعلمها إلا من أطلعه الله عليها ممن ارتضى من رسله - صلوات الله عليهم - .

[ ص: 450 ] وفي هذا الحديث دليل على أن لباس الخفيف الذي يصف ولا يستر من الثياب لا يجوز للنساء ، وكذلك ما وصف العورة ، ولم يسترها من الرجال .

أما قوله : عارية يوم القيامة ، فيحتمل أن يكون أراد ما يحشر الناس ( عراة ) يوم القيامة ، ويحتمل أن يكون عارية من الحسنات - والله أعلم - .




الخدمات العلمية