الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
472 [ ص: 272 ] حديث ثالث عشر لابن شهاب ، عن عروة .

مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري ، قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرأنيها ، فكدت أعجل عليه ، ثم أمهلته حتى انصرف ، ثم لببته بردائه ، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اقرأ " . فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هكذا أنزلت " ثم قال : اقرأ فقرأت فقال : " هكذا أنزلت " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما يتيسر منه .

التالي السابق


قال أبو عمر : لا خلاف عن مالك في إسناد هذا الحديث ومتنه ، وعبد الرحمن بن عبد القاري قيل : إنه مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - على رأسه وهو صغير ، وتوفي سنة ثمانين ، وهو ابن ثمان وسبعين سنة ، يكنى أبا محمد ، والقارة فخذ من كنانة ، وقد ذكرناه في القبائل من كتاب الصحابة ، والحمد لله .

ورواه معمر ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن المسور ، وعبد الرحمن بن عبد القاري جميعا سمعا عمر بن الخطاب يقول : مررت بهشام بن حكيم ( بن حزام ) وهو يقرأ سورة الفرقان [ ص: 273 ] في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستمعت قراءته ، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكدت أساوره ، فنظرت حتى سلم ، فلما سلم لببته بردائه ، فقلت : من أقرأك هذه السورة التي أسمعك تقرؤها ؟ قال : أقرأنيها رسول الله ، قال : قلت له : كذبت ، فوالله إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهو أقرأني هذه السورة .

قال : فانطلقت أقوده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها ، وأنت أقرأتني سورة الفرقان ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أرسله يا عمر ، اقرأ يا هشام " فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرؤها ، فقال النبي - عليه السلام - " هكذا أنزلت " ثم قال : " اقرأ يا عمر " ، فقرأت القراءة التي أقرأنيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : " هكذا أنزلت ، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرءوا ما تيسر منه
.

وهكذا رواه يونس ( وعقيل ) وشعيب بن أبي حمزة ، وابن أخي ابن شهاب ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن المسور ، وعبد الرحمن بن عبد القاري جميعا ، سمعا عمر بن الخطاب . . . . الحديث .

ففي رواية معمر تفسير لرواية مالك في قوله يقرأ سورة الفرقان ; لأن ظاهره السورة كلها أو جلها ، فبان في رواية معمر أن ذلك في حروف منها بقوله : يقرأ على حروف كثيرة .

وقوله : يقرأ سورة الفرقان على حروف لم يقرئنيها ، وهذا مجتمع عليه أن القرآن لا يجوز في حروفه وكلماته وآياته [ ص: 274 ] كلها أن يقرأ على سبعة أحرف ، ولا شيء منها ، ولا يمكن ذلك فيها ، بل لا يوجد في القرآن كلمة تحتمل أن تقرأ على سبعة أحرف إلا قليلا مثل : وعبد الطاغوت و " تشابه علينا " ، و " بعذاب بئيس " ، ونحو ذلك ، وذلك يسير جدا ، وهذا بين واضح يغني عن الإكثار فيه .

وقد اختلف الناس في معنى هذا الحديث اختلافا كبيرا ، فقال الخليل بن أحمد : معنى قوله " سبعة أحرف " سبع قراءات ، والحرف ههنا القراءة .

وقال غيره : هي سبعة أنحاء ، كل نحو منها جزء من ( أجزاء ) القرآن ، خلاف للأنحاء غيره .

وذهبوا إلى أن كل حرف منها هو صنف من الأصناف ( نحو قول الله عز وجل ومن الناس من يعبد الله على حرف الآية ، وكان معنى الحرف الذي يعبد الله عليه ( هو ) صنف من الأصناف ) ، ونوع من الأنواع التي يعبد الله عليها ، فمنها ما هو محمود عنده تبارك اسمه ، ومنها ما هو بخلاف ذلك . ؟

فذهب هؤلاء في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنزل القرآن على سبعة أحرف ( إلى أنها سبعة ) أنحاء ، وأصناف فمنها زاجر ومنها آمر ، ومنها حلال ، ومنها ( حرام ، ومنها ) محكم ، ومنها متشابه ، ومنها أمثال .

واحتجوا [ ص: 275 ] بحديث يرويه سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

حدثناه محمد بن خليفة ، قال : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو المصري ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني حيوة بن شريح ، عن عقيل بن خالد ، عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كان الكتاب الأول نزل من باب واحد ، على وجه واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب ، على سبعة أوجه : زاجر ، وآمر ، وحلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال ، فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، واعتبروا بأمثاله ، وآمنوا بتشابهه ، وقولوا آمنا به كل من عند ربنا .

وهذا حديث عند أهل العلم لا يثبت ; لأنه يرويه حيوة ، عن عقيل ، عن سلمة هكذا .

ويرويه الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سلمة بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا .

وأبو سلمة لم يلق ابن مسعود ، وابنه سلمة ليس ممن يحتج به .

[ ص: 276 ] وهذا الحديث مجتمع على ضعفه من جهة إسناده ، وقد رده قوم من أهل النظر ، منهم أحمد بن أبي عمران ، قال : من قال في تأويل السبعة الأحرف هذا القول فتأويله فاسد ، محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه أو يكون حلالا لا ما سواه ; لأنه لا يجوز أن يكون القرآن يقرأ على أنه حلال كله أو حرام كله ، أو أمثال كله .

ذكره الطحاوي ، عن أحمد بن أبي عمران سمعه منه ، وقال : هو كما قال ابن أبي عمران ، قال : واحتج ابن أبي عمران بحديث أبي بن كعب أن جبريل - عليه السلام - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : اقرإ القرآن على حرف فاستزاده حتى بلغ سبعة أحرف الحديث .

وقال قوم : هي سبع لغات في القرآن مفترقات على لغات ( العرب ) كلها يمنها ونزارها ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجهل شيئا منها ) ، وكان قد أوتي جوامع الكلم .

وإلى هذا ذهب أبو عبيد في تأويل هذا الحديث قال : ليس معناه أن يقرأ القرآن على سبعة أوجه ، هذا شيء غير موجود ، ولكنه عندنا أنه نزل على سبع لغات مفترقة في جميع القرآن ، من لغات العرب ، فيكون الحرف منها بلغة قبيلة ، والثاني بلغة [ ص: 277 ] قبيلة أخرى سوى الأولى ، والثالث بلغة أخرى سواهما ، كذلك إلى السبعة قال : وبعض الأحياء أسعد بها ، وأكثر حظا فيها من بعض . وذكر حديث ابن شهاب ، عن أنس أن عثمان قال لهم حين أمرهم أن يكتبوا المصاحف ما اختلفتم أنتم وزيد ( فيه ) ، فاكتبوا بلسان قريش ؛ فإنه نزل بلسانهم .

وذكر حديث ابن عباس أنه قال : نزل القرآن بلغة الكعبيين : كعب قريش ، وكعب خزاعة ، قيل ( وكيف ذلك ؟ قال : لأن ) الدار واحدة ، قال أبو عبيد : يعني أن خزاعة جيران قريش فأخذوا بلغتهم ، وذكر أخبارا قد ذكرنا أكثرها في هذا الكتاب ، والحمد لله .

وقال آخرون : هذه اللغات كلها السبعة إنما تكون في مضر ، واحتجوا بقول عثمان : نزل القرآن بلسان مضر ، وقالوا : جائز أن يكون ( منها ) لقريش ، ومنها لكنانة ، ومنها لأسد ، ومنها لهذيل ، ومنها لتميم ، ومنها لضبة ، ومنها لقيس ، فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات على هذه المراتب .

وقد روي عن ابن مسعود أنه كان يحب أن يكون الذين يكتبون المصاحف من مضر ، وأنكر آخرون أن تكون كلها في مضر .

وقالوا في مضر شواذ لا يجوز أن يقرأ القرآن عليها ، مثل كشكشة قيس ، وعنعنة تميم ، فأما كشكشة قيس فإنهم يجعلون كاف المؤنث شينا [ ص: 278 ] ( فيقولون ) في قد جعل ربك تحتك سريا " جعل ربش تحتش سريا " ، وأما عنعنة تميم فيقولون في أن : عن فيقولون : " عسى الله عن يأتي بالفتح " ، وبعضهم يبدل السين تاء فيقول في الناس : النات ، وفي أكياس أكيات ، وهذه لغات يرغب بالقرآن عنها ، ولا يحفظ عن السلف فيه شيء منها .

وقال آخرون : أما بدل الهمزة عينا ، وبدل حروف الحلق بعضها من بعض فمشهور عن الفصحاء ، وقد قرأ به الجلة ، وقد احتجوا بقراءة ابن مسعود ليسجنه عتى حين ، وبقول ذي الرمة :


فعيناك عيناها وجيدك جيدها ولونك إلا عنها غير عاطل

.

يريد إلا أنها غير .

أخبرنا عبد الله بن محمد ( قال : حدثنا محمد ) بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا الحسن بن علي الواسطي ، قال : حدثنا هشيم ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب الأنصاري ، عن أبيه ، عن جده أنه كان عند عمر بن الخطاب ، فقرأ رجل : " من بعد ما رأوا الآيات ليسجنه عتى حين " ( فقال عمر من أقرأكها ؟ قال : أقرأنيها ابن مسعود فقال له عمر : حتى حين ؟ ! ) .

وكتب إلى ابن مسعود أما بعد : فإن الله أنزل القرآن بلسان قريش فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش ، ولا تقرئهم بلغة هذيل والسلام .

[ ص: 279 ] ويحتمل أن يكون هذا من عمر على سبيل الاختيار ، لا أن ما قرأ به ابن مسعود لا يجوز ، وإذا أبيح لنا قراءته على كل ما أنزل فجائز الاختيار فيما أنزل عندي ، والله أعلم .

وقد روي عن عثمان بن عفان مثل قول عمر هذا أن القرآن نزل بلغة قريش ، بخلاف الرواية الأولى ، وهذا أثبت عنه ; لأنه من رواية ثقات أهل المدينة .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال : أخبرنا حمزة بن محمد بن علي ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا هشيم بن أيوب ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ( قال ) ابن شهاب ، وأخبرني أنس بن مالك أن حذيفة قدم على عثمان ، وكان يغازي أهل الشام مع أهل العراق في فتح أرمينية ، وأذربيجان فأفزع حذيفة اختلافهم في القرآن ، فقال لعثمان : يا أمير المؤمنين ، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب كما اختلف اليهود والنصارى .

فأرسل عثمان إلى حفصة ( أن ) أرسلي إلي بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثم نردها عليك ، فأرسلت بها إليه فأمر زيد بن ثابت ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن اكتبوا الصحف في المصاحف ، وإن اختلفتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن ، فاكتبوه بلغة قريش ؛ فإن القرآن أنزل بلسانهم .

ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف ، رد عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كل أفق مصحفا [ ص: 280 ] قال أبو عمر : قول من قال : إن القرآن نزل بلغة قريش معناه عندي في الأغلب - والله أعلم - لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القراءات من تحقيق الهمزات ، ونحوها ، وقريش لا تهمز .

وقد روى الأعمش ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : أنزل القرآن على سبعة أحرف صار في عجز هوازن منها خمسة ( عجز هوازن ثقيف ، وبنو سعد بن بكر ، وبنو جشم ، وبنو نصر بن معاوية .

قال أبو حاتم : خص هؤلاء دون ربيعة ، وسائر العرب لقرب جوارهم من مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنزل الوحي ، وإنما ربيعة ، ومضر إخوان ، قالوا : وأحب الألفاظ واللغات إلينا أن يقرأ بها لغات قريش ، ثم أدناهم من بطون مضر .

قال أبو عمر :

هو حديث لا يثبت من جهة النقل ، وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه قال : نزل القرآن على لغة هذا الحي من ولد هوازن ، وثقيف ( وإسناد حديث سعيد هذا أيضا غير صحيح ) .

وقال الكلبي في قوله : " أنزل القرآن على سبعة أحرف " ، قال : خمسة منها لهوازن ، وحرفان لسائر الناس ، وأنكر أكثر أهل العلم أن يكون معنى [ ص: 281 ] حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنزل القرآن على سبعة أحرف سبع لغات ، وقالوا هذا لا معنى له ; لأنه لو كان ذلك لم ينكر القوم في أول الأمر بعضهم على بعض ; لأنه من كانت لغته شيئا قد جبل ، وطبع عليه ، وفطر به لم ينكر عليه .

وفي حديث مالك ، عن ابن شهاب المذكور في هذا الباب رد قول من قال : سبع لغات ; لأن عمر بن الخطاب قرشي عدوي ، وهشام بن حكيم بن حزام قرشي أسدي ، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته ، كما محال أن يقرئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدا منهما بغير ما يعرفه من لغته .

والأحاديث الصحاح المرفوعة كلها تدل على نحو ما يدل عليه حديث عمر هذا .

وقالوا : إنما معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة ، نحو : أقبل ، وتعال ، وهلم ، وعلى هذا الكثير من أهل العلم .

فأما الآثار المرفوعة فمنها ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ، حدثنا أبو العباس تميم ، قال : حدثنا عيسى بن [ ص: 282 ] مسكين ، قال : حدثنا سحنون : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني سليمان بن بلال ، عن يزيد بن خصيفة ، عن بشر بن سعيد أن أبا جهيم الأنصاري أخبره أن رجلين اختلفا في آية من القرآن ، فقال أحدهما : تلقيتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال الآخر : تلقيتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها ، فقال : " إن القرآن نزل على سبعة أحرف ، فلا تماروا في القرآن ، فإن المراء فيه كفر " .

وروى جرير بن عبد الحميد ، عن مغيرة ، عن واصل بن حيان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنزل القرآن على سبعة أحرف لكل آية ( منها ) ظهر ، وبطن ، ولكل حد ومطلع " .

وروى حماد بن سلمة ، قال : أخبرني حميد ، عن أنس ، عن عبادة بن الصامت ، عن أبي بن كعب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أنزل القرآن على سبعة أحرف " .

وروى همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن يحيى بن يعمر ، عن سليمان بن صرد ، عن أبي بن كعب ، قال : قرأ أبي آية [ ص: 283 ] وقرأ ابن مسعود ( آية ) خلافها ، وقرأ رجل آخر خلافهما ، فأتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : ألم تقرأ آية كذا ، وكذا كذا ، وكذا ؟ وقال ابن مسعود : ألم تقرأ آية كذا ، وكذا كذا ، وكذا ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كلكم محسن مجمل " قال : قلت : ما كلنا أحسن ، ولا أجمل ، قال : فضرب صدري ، وقال : " يا أبي ، إني أقرئت القرآن " فقلت : على حرف ، أو حرفين ؟ فقال لي الملك الذي عندي : على حرفين . فقلت : على حرفين أو ثلاثة ؟ فقال الملك الذي معي : على ثلاثة . فقلت : على ثلاثة . . . هكذا حتى بلغ سبعة أحرف ليس منها إلا شاف كاف ، قلت غفورا رحيما ، أو قلت سميعا حكيما ، أو قلت عليما حكيما ، ( أو عزيزا حكيما ) أي ذلك ( قلت ؟ فإنه كما قلت ) ، وزاد بعضهم في هذا الحديث ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب .

قال أبو عمر :

أما قوله في هذا الحديث ( قلت ) سميعا عليما ، وغفورا رحيما ، وعليما حكيما ، ونحو ذلك ، فإنما أراد به ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها ، أنها معان متفق مفهومها ، مختلف مسموعها ، لا تكون في شيء منها معنى وضده ، ولا وجه يخالف وجها خلافا ينفيه [ ص: 284 ] أو يضاده كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده ، وما أشبه ذلك .

وهذا كله يعضد قول من قال : إن ( معنى ) السبعة الأحرف المذكورة في الحديث سبعة أوجه من الكلام المتفق معناه المختلف لفظه ، نحو : هلم ، وتعال ، وعجل ، وأسرع ، وانظر ، وأخر ( ونحو ذلك ) .

وسنورد من الآثار ، وأقوال علماء الأمصار في هذا الباب ما يتبين لك به أن ما اخترناه هو الصواب فيه إن شاء الله ؛ فإنه أصح من قول من قال : سبع لغات مفترقات ؛ لما قدمنا ذكره ، ولما هو موجود في القرآن بإجماع من كثرة اللغات المفترقات فيه حتى لو تقصيت لكثر عددها ، وللعلماء في لغات القرآن مؤلفات تشهد لما قلنا ( وبالله توفيقنا ) .

حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا الحسن بن علي : حدثنا محمد بن بشر ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أنزل القرآن على سبعة أحرف ، غفورا رحيما ، عزيزا حكيما ، عليما حكيما " وربما قال : " سميعا بصيرا " .

وأخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد [ ص: 285 ] بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا أحمد بن سليمان ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن شقير العبدي ، عن سليمان بن صرد ، عن أبي بن كعب ، قال : سمعت رجلا يقرأ ، فقلت : من أقرأك ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : انطلق إليه ، فانطلقنا إليه ، فقلت : استقرئه يا رسول الله ، قال : " اقرأ " . فقرأ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أحسنت " فقلت : أو لم تقرئني كذا وكذا ؟ ! قال : بلى ، " وأنت قد أحسنت " ، فقلت بيدي : قد أحسنت ؟ قد أحسنت ؟ ! قال : فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده في صدري ، وقال : اللهم أذهب عن أبي الشك ، قال : ففضضت عرقا ، وامتلأ جوفي فرقا ، قال : فقال النبي صلى [ ص: 286 ] الله عليه وسلم : يا أبي ، إن ملكين أتياني ، فقال أحدهما : اقرأ على ( حرف ، قال الآخر : زده ، قلت : زدني ، قال : اقرأ على حرفين ، قال الآخر : زده ، قلت زدني ، قال : اقرأ على ثلاثة أحرف ، قال الآخر : زده ، قلت : زدني ، قال : اقرأ على أربعة أحرف ، قال الآخر : زده ، قلت : زدني ، قال : اقرأ على خمسة أحرف ، قال الآخر : زده ، قلت : زدني ، قال : اقرأ على ستة أحرف ، قال : الآخر : زده ، قلت : زدني ) ، قال : اقرأ على سبعة أحرف ، فالقرآن أنزل على سبعة أحرف .

وقرأت على أبي القاسم خلف بن القاسم أن أبا محمد بن أحمد بن عبد الله بن بحير القاضي أملى عليهم قال : حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي القاضي ، قال : أخبرنا أبو جعفر النفيلي ، قال : قرأت على معقل بن عبيد الله ، عن عكرمة بن خالد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، قال : أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة ، فبينما أنا في المسجد إذ سمعت رجلا يقرؤها بخلاف قراءتي ، فقلت : من أقرأك هذه السورة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : لا تفارقني حتى [ ص: 287 ] آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيناه ، فقلت : يا رسول الله ، إن هذا قد خالف قراءتي في هذه السورة التي علمتني ، قال : اقرأ يا أبي ، فقرأت ، فقال : أحسنت ، فقال للآخر : اقرأ : فقرأ بخلاف قراءتي ، فقال له : أحسنت ، ثم قال : يا أبي ، إنه أنزل على سبعة أحرف ، كلها شاف كاف ، قال : فما اختلج في صدري شيء من القرآن ( بعد ) .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن محمد البرتي ، قال : حدثنا أبو معمر ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا محمد بن جحادة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب ، قال : أتى جبريل النبي - عليهما السلام - وهو بأضاة بني غفار فقال : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تقرئ أمتك على حرف واحد ، قال فقال : اسأل الله مغفرته ومعافاته ، أو قال : معافاته ومغفرته ، سل لهم التخفيف ، فإنهم لا يطيقون ذلك فانطلق حتى رجع ، فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك ( القرآن ) على حرفين قال : أسأل الله مغفرته ومعافاته ، أو قال : معافاته ومغفرته ، إنهم لا يطيقون ذلك ( فاسأل لهم [ ص: 288 ] التخفيف ، فانطلق ) ثم رجع ، فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ( ثلاثة أحرف ، قال : اسأل الله مغفرته ومعافاته ، أو معافاته ومغفرته ، إنهم لا يطيقون ذلك فسل لهم التخفيف ، فانطلق ثم رجع ، فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ القرآن على ) سبعة أحرف ، فمن قرأ منها حرفا فهو كما قرأ ، وروي حديث أبي بن كعب هذا من وجوه .

والسورة التي أنكر فيها أبي القراءة سورة النحل ، ذكر ذلك الليث بن سعد ، عن هشام بن سعد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ( ، عن أبي بن كعب ) وساق الحديث ، وروي ذلك من وجوه .

وأما حديث عاصم ، عن زر ، عن أبي فاختلف على عاصم فيه ( فلم أر لذكره وجها ) وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي أويس ، قال : حدثني أخي ، عن سليمان بن بلال ، عن محمد بن عجلان ، عن المقبري ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ، ولا حرج ، ولكن لا تختموا ذكر ( آية ) رحمة بعذاب ، ولا ذكر عذاب برحمة وهذه الآثار كلها تدل على أنه لم يعن به سبع لغات ، والله أعلم .

[ ص: 289 ] على ما تقدم ذكرنا له ، وإنما هي أوجه تتفق معانيها ، وتتسع ضروب الألفاظ فيها ، إلا أنه ليس منها ما يحيل معنى إلى ضده كالرحمة بالعذاب ، وشبهه .

( وذكر يعقوب بن شيبة ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، قال : حدثنا شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر ، عن عبد الله ، قال : أتيت المسجد فجلست إلى ناس ، وجلسوا إلي ، فاستقرأت رجلا منهم سورة ، ما هي إلا ثلاثون آية ، وهي ( حم ) الأحقاف ، فإذا هو يقرأ فيها حروفا لا أقرؤها ، فقلت ، من أقرأك ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستقرأت آخر ، فإذا هو يقرأ حروفا لا أقرؤها أنا ولا صاحبه ، فقلت : من أقرأك ؟ قال : أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : وأنا أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أنا بمفارقكما حتى أذهب بكما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلقت بهما حتى أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده علي ، فقلت : يا رسول الله ، إنا اختلفنا في قراءتنا ، فتمعر وجهه حين ذكرت الاختلاف ، وقال : إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف ، وقال علي : إن رسول الله يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم ، فلا أدري أسر ( إليه ) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه ما لم نسمع ، أو علم الذي كان في نفسه فتكلم به .

وكذلك رواه الأعمش ، وأبو بكر بن عياش وإسرائيل ، وحماد بن سلمة وأبان العطار ، عن عاصم بإسناده [ ص: 290 ] ومعناه ، ولم يذكر البصريان حماد ، وأبان ، عليا .

وقال الأعمش في حديثه : ثم أسر إلى علي فقال : لنا علي : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمركم أن تقرءوا كما علمتم ) .

وقال أبو جعفر الطحاوي في حديث عمر ، وهشام بن حكيم المذكور في هذا الباب : قد علمنا أن كل واحد منهما إنما أنكر على صاحبه ألفاظا قرأ بها الآخر ، ليس في ذلك حلال ولا حرام ، ولا زجر ولا أمر .

وعلمنا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هكذا أنزلت " ، أن السبعة الأحرف التي نزل القرآن بها لا تختلف في أمر ولا نهي ، ولا حلال ولا حرام ، وإنما قول الرجل للرجل : أقبل ، وتعال ، وهلم ، وادن ، ونحوها .

وذكر أكثر أحاديث هذا الباب حجة لهذا المذهب ، وأبين ما ذكر في ذلك أن قال : حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا حماد ، قال : أخبرنا علي بن زيد ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ( ، عن أبي بكرة ) قال : جاء جبريل إلى النبي - عليهما السلام - على حرف ، قال : فقال ميكائيل : استزده على حرفين ، فقال ميكائيل : استزده حتى بلغ إلى سبعة أحرف ، فقال : اقرأه ، فكل شاف كاف ، إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب ، أو آية عذاب بآية رحمة ، على نحو ، هلم ، وتعال ، وأقبل ، [ ص: 291 ] واذهب ، وأسرع ، وعجل .

حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد ( بن بكر ) بن عبد الرزاق ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : قال الزهري : إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد ، ليس تختلف في حلال ولا حرام .

وذكر أبو عبيد ، عن عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن عقيل ، ويونس ، عن ابن شهاب في الأحرف السبعة : هي في الأمر الواحد الذي لا اختلاف فيه .

وروى الأعمش ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، قال : إني سمعت القراءة ، فرأيتهم متقاربين ، فاقرءوا كما علمتم ، وإياكم والتنطع ( والاختلاف ) ، فإنما هو كقول أحدكم : هلم ، وتعال .

وروى ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ للذين آمنوا انظرونا " للذين آمنوا أمهلونا " ، " للذين آمنوا أخرونا " ، " للذين آمنوا ارقبونا " .

وبهذا الإسناد عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ كلما أضاء لهم مشوا فيه " مروا فيه " ، " سعوا فيه " كل هذه الأحرف كان يقرؤها أبي بن كعب ، فهذا معنى الحروف المراد بهذا الحديث ، والله أعلم .

إلا أن مصحف عثمان الذي بأيدي الناس اليوم هو منها حرف واحد ، وعلى هذا أهل العلم فاعلم .

[ ص: 292 ] وذكر ابن وهب في كتاب الترغيب من جامعه ، قال : قيل : أترى أن يقرأ بمثل ما قرأ عمر بن الخطاب فامضوا إلى ذكر الله ؟ فقال : ذلك جائز . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنزل القرآن على سبعة أحرف ، فاقرءوا منه ما تيسر : ومثل ما تعلمون ويعلمون .

وقال مالك لا أرى باختلافهم في مثل هذا بأسا ، قال : وقد كان الناس ، ولهم مصاحف ، والستة الذين أوصى إليهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - كانت لهم مصاحف .

قال ابن وهب : وسألت مالكا ، عن مصحف عثمان بن عفان قال لي : ذهب ، قال : وأخبرني مالك بن أنس ، قال : أقرأ عبد الله بن مسعود رجلا : إن شجرة الزقوم طعام الأثيم فجعل الرجل يقول : " طعام اليتيم " ، فقال له ابن مسعود : طعام الفاجر ، فقلت لمالك : أترى أن يقرأ كذلك ؟ قال : نعم ، أرى ذلك واسعا .

قال أبو عمر : معناه عندي أن يقرأ به في غير الصلاة ، وإنما ذكرنا ذلك ، عن مالك تفسيرا لمعنى الحديث ، وإنما لم تجز القراءة به في الصلاة ; لأن ما عدا مصحف عثمان فلا يقطع عليه ، وإنما يجري مجرى السنن التي نقلها الآحاد ، لكن لا يقدم أحد على القطع في رده .

وقد روى عيسى [ ص: 293 ] عن ابن القاسم في المصاحف بقراءة ابن مسعود ، قال : أرى أن يمنع الإمام من بيعه ، ويضرب من قرأ به ، ويمنع ذلك .

وقد قال مالك : من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود أو غيره من الصحابة مما يخالف المصحف لم يصل وراءه ، وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك إلا قوما شذوا لا يعرج عليهم ، منهم الأعمش سليمان بن مهران .

وهذا كله يدلك على أن السبعة الأحرف التي أشير إليها في الحديث ليس بأيدي الناس منها إلا حرف زيد بن ثابت الذي جمع عليه عثمان المصحف .

حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد ، وخلف بن القاسم بن سهل ، قال : أنبأنا محمد بن عبد الله الأصبهاني المقرئ ، قال : حدثنا أبو علي الأصبهاني المقرئ ، قال : حدثنا أبو علي الحسين بن صافي الصفار : أن عبد الله بن سليمان حدثهم ، قال : حدثنا أبو الطاهر ، قال : سألت سفيان بن عيينة ، عن اختلاف قراءة المدنيين ، والعراقيين : هل تدخل في السبعة الأحرف ؟ فقال : لا ، وإنما السبعة الأحرف كقولهم : هلم ، أقبل ، تعال ، أي ذلك قلت أجزأك .

قال : وقاله ابن وهب ، قال : أبو بكر محمد بن عبد الله الأصبهاني المقرئ ، ومعنى قول سفيان هذا أن [ ص: 294 ] اختلاف العراقيين ، والمدنيين راجع إلى حرف واحد من الأحرف السبعة ، وبه قال محمد بن جرير الطبري ، وقال أبو جعفر الطحاوي : كانت هذه السبعة للناس في الحروف لعجزهم عن أخذ القرآن على غيرها ; لأنهم كانوا أميين لا يكتبون إلا القليل منهم على كل ذي لغة منهم أن يتحول إلى غيرها من اللغات ، ولو رام ذلك لم يتهيأ له إلا بمشقة عظيمة ، فوسع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقا ، فكانوا كذلك حتى كثر من يكتب منهم ، وحتى عادت لغاتهم إلى لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرءوا بذلك على تحفظ ألفاظه ، فلم يسعهم حينئذ أن يقرءوا بخلافها .

وبان بما ذكرنا أن تلك السبعة الأحرف ( إنما كانت في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك ، ثم ارتفعت تلك الضرورة ، فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف ) وعاد ما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد .

واحتج بحديث أبي بن كعب المذكور في هذا الباب من رواية ابن أبي ليلى عنه ، قوله فيه - صلى الله عليه وسلم - : " إن أمتي لا تطيق ذلك في الحرف ، والحرفين ، والثلاثة ، حتى بلغ السبعة .



واحتج بحديث عمر بن الخطاب مع هشام ( بن حكيم ) ، واحتج بجمع أبي بكر الصديق للقرآن في جماعة الصحابة ، ثم كتاب عثمان كذلك .

وكلاهما عول فيه على زيد بن ثابت فأما أبو بكر ، فأمر فيما جمع منه ، وأما عثمان فأمره بإملائه من تلك الصحف التي كتبها أبو بكر ، وكانت عند حفصة [ ص: 295 ]

وقال بعض المتأخرين من أهل العلم بالقرآن : تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة منها : ما تتغير حركته ولا يزول معناه ، ولا صورته ، مثل : هن أطهر لكم وأطهر لكم ويضيق صدري ويضيق ، ونحو هذا .

ومنها ما يتغير معناه ، ويزول بالإعراب ، ولا تتغير صورته ، مثل قوله : ربنا باعد بين أسفارنا ، وباعد بين أسفارنا .

ومنها ما يتغير معناه بالحروف ، واختلافها ( بالإعراب ) ، ولا تتغير صورته ، مثل قوله : " إلى العظام كيف ننشزها ، وننشرها .

ومنها ما تتغير صورته ولا يتغير معناه ، كقوله كالعهن المنفوش ( والصوف المنفوش ) .

ومنها ما تتغير صورته ومعناه ، مثل قوله : وطلع منضود وطلح منضود ، ومنها بالتقديم والتأخير مثل : وجاءت سكرة الموت بالحق وجاءت سكرة الحق بالموت .

ومنها الزيادة والنقصان ، مثل : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ) ، ومنها قراءة ابن مسعود ) ( له تسع وتسعون نعجة أنثى ) .

قال أبو عمر : هذا وجه حسن من وجوه معنى الحديث ، وفي كل وجه منها حروف كثيرة لا تحصى عددا .

فمثل قوله : كالعهن المنفوش ، والصوف [ ص: 296 ] المنفوش . قراءة عمر بن الخطاب " فامضوا إلى ذكر الله " وهو كثير .

ومثل قوله : " نعجة أنثى " قراءة ابن مسعود وغيره ( فلا جناح عليه ألا يطوف بهما ) .

وقراءة أبي بن كعب " فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس " ، " وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها " ، وهذا كثير أيضا .

وهذا يدلك على قول العلماء أن ليس بأيدي الناس من الحروف السبعة التي نزل القرآن عليها إلا حرف واحد ، وهو صورة مصحف عثمان ، وما دخل فيه ما يوافق صورته من الحركات ، واختلاف النقط من سائر الحروف .

وأما قوله : كالصوف المنفوش ، فقراءة سعيد بن جبير وغيره ، وهو مشهور عن سعيد بن جبير .

روي عنه من طرق شتى ، منها : ما رواه بندار ، عن يحيى القطان ، عن خالد بن أبي عثمان ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقرأ : كالصوف المنفوش .

وذكر ابن مجاهد ، قال : حدثني أبو الأشعث ، قال : حدثنا كثير بن عبيد : حدثنا بقية ، قال : سمعت محمد بن زياد يقول : أدركت السلف وهم يقرءون في هذا الحرف في القارعة : وتكون الجبال كالصوف المنفوش " [ ص: 297 ]

وأخبرنا عيسى بن ( سعيد بن ) سعدان المقرئ سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة ، قال : أنبأنا أبو القاسم إبراهيم بن أحمد بن جعفر الخرقي المقرئ ، قال : حدثنا ( أبو الحسين صالح بن أحمد القيراطي ، قال : حدثنا محمد بن سنان القزاز قال ) : حدثنا أبو داود الطيالسي : حدثنا خالد بن أبي عثمان ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقرؤها كالصوف المنفوش .

وأما قوله : " وجاءت سكرة الحق بالموت " فقرأ به أبو بكر الصديق ، وسعيد بن جبير ، وطلحة بن مصرف ، وعلي بن حسين ، وجعفر بن محمد ، وأما " وطلع منضود " ، فقرأ به علي بن أبي طالب ، وجعفر بن محمد .

وروي ذلك عن علي بن أبي طالب من وجوه صحاح متواترة ; منها ما رواه يحيى بن آدم ، قال : أنبأنا ( يحيى بن أبي ) زائدة ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن قيس بن عبد الله وهو عم الشعبي ، عن علي أن رجلا قرأ عليه وطلح منضود فقال علي : إنما هو : وطلع منضود ، قال : فقال الرجل : أفلا تغيرها ؟ ، فقال علي : لا ينبغي للقرآن أن يهاج ، .

وهذا عندي معناه لا ينبغي أن يبدل ، وهو جائز مما نزل القرآن عليه ، وإن كان علي كان يستحب غيره مما نزل القرآن عليه أيضا .

وأما قوله : نعجة أنثى ، فقرأ به عبد الله بن مسعود .

أخبرنا عبد الله [ ص: 298 ] بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن النجاد الفقيه ببغداد قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : قال سفيان كان صغيرهم وكبيرهم - يعني أهل الكوفة يقرأ قراءة عبد الله ( بن مسعود ) - .

قال : وكان الحجاج يعاقب عليها قال ، وقال الحجاج : ابن مسعود يقرأ إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة أنثى ، كان ابن مسعود يرى أن النعجة يكون ذكرا .

وكسر الحسن ، والأعرج النون من " نعجة " ، وفتحها سائر الناس .

وفتح الحسن وحده التاء من " تسع وتسعون " وكسرها سائر الناس .

وأما : " فامضوا إلى ذكر الله " فقرأ به عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبو العالية ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، ومسروق ، وطاوس ، وسالم بن عبد الله ، وطلحة بن مصرف .

ومثل قراءة ابن مسعود " نعجة أنثى " في الزيادة والنقصان قراءة ابن عباس " وشاورهم في بعض الأمر " ، وقراءة من قرأ : " عسى الله أن يكف من بأس الذين كفروا " ، وقراءة ابن مسعود ، وأبي الدرداء : " والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى " .

[ ص: 299 ] وهذا حديث ثابت رواه شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، وعن أبي الدرداء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا عيسى بن سعيد : حدثنا إبراهيم بن أحمد : حدثنا أبو الحسن : حدثنا عبد الله بن محمد الزهري : حدثنا سفيان ، قال : سمعت ابن شبرمة يقرؤها " عسى الله أن يكف من بأس الذين كفروا " .

( قال سفيان ) : وقرأ عبد الله بن مسعود ، " وأقيموا الحج والعمرة لله " وقد أجاز مالك القراءة بهذا ومثله فيما ذكر ابن وهب عنه ، وقد تقدم ذكره ، وذلك محمول عند أهل العلم اليوم على القراءة في غير الصلاة على وجه التعليم ، والوقوف على ما روي في ذلك من علم الخاصة ، والله أعلم .

وأما حرف زيد ( بن ثابت ) فهو الذي عليه الناس في مصاحفهم اليوم ، وقراءتهم من بين سائر الحروف ; لأن عثمان جمع المصاحف ( عليه ) بمحضر جمهور الصحابة ، وذلك بين في حديث الدراوردي ، عن ( عمارة بن ) غزية ، عن ابن شهاب ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه ، وهو أتم ما روي من الأحاديث في جمع أبي بكر للقرآن ثم أمر عثمان بكتابة المصاحف بإملاء زيد .

وقد تقدم عن الطحاوي أن أبا بكر ، وعثمان عولا على زيد بن ثابت [ ص: 300 ] في ذلك ، وأن الأمر عاد فيما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد بما لا وجه لتكريره ، وهو الذي عليه جماعة الفقهاء فيما يقطع عليه ، وتجوز الصلاة به ، وبالله التوفيق .

وذكر ابن وهب ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، وخارجة أن أبا بكر الصديق كان قد جمع القرآن في قراطيس ، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك ، فأبى عليه حتى استعان عليه بعمر بن الخطاب ففعل ، وكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتى توفي ، ثم كانت عند عمر حتى توفي ، ثم كانت عند حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليها عثمان ، فأبت أن تدفعها إليه حتى عاهدها ليردنها إليها ، فبعثت بها إليه فنسخها عثمان هذه المصاحف ، ثم ردها إليها فلم تزل عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها .

حدثنا محمد : حدثنا علي بن عمر : حدثنا أبو بكر النيسابوري : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : ( أخبرنا ابن وهب قال ) أخبرني مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، وخارجة فذكره سواء .

( وحدثنا خلف بن القاسم - رحمه الله - قال : حدثنا أبو جعفر عبد الله بن عمر بن إسحاق الجوهري ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين ، قال : حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي ، قال : حدثنا إسماعيل بن علية ، قال : حدثنا أيوب السختياني ، عن محمد بن سيرين ، قال : لما بويع أبو بكر أبطأ علي ، عن بيعته ، والحاصل في بيته [ ص: 301 ] فبعث إليه أبو بكر ما بطأك عني ؟ أكرهت إمرتي ؟ فقال علي : ما كرهت إمارتك ، ولكني آليت أن لا أرتدي ردائي إلا إلى صلاة حتى أجمع المصحف .

قال ابن سيرين : وبلغني أنه كتبه على تنزيله ، ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير .

قال أبو عمر : أجمع أهل العلم بالحديث أن ابن سيرين أصح التابعين مراسل ، وأنه كان لا يروي ، ولا يأخذ إلا عن ثقة ، وأن مراسله صحاح كلها ليس كالحسن ، وعطاء في ذلك ، والله أعلم ) .

ولجمع المصاحف موضع من القول غير هذا إن شاء الله ، ونحن نذكر جميع ما انتهى إلينا من القراءات عن السلف ، والخلف في سورة الفرقان لما في حديثنا المذكور في هذا الباب من قول عمر بن الخطاب سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وفي رواية معمر ، عن ابن شهاب يقرأ سورة الفرقان على حروف كثيرة ، غير ما أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيت ذكر حروف سورة الفرقان ؛ ليقف الناظر في كتابي هذا على ما في سورة الفرقان من الحروف المروية عن سلف هذه الأمة ، وليكون أتم وأوعب [ ص: 302 ] في معنى الحديث ، وأكمل ( فائدة ) إن شاء الله ، وبه العون ( لا شريك له ) .

ذكر ما في سورة الفرقان من اختلاف القراءات على استيعاب الحروف وحذف الأسانيد .

فأول ذلك قوله تبارك وتعالى : الذي نزل الفرقان على عبده قرأ عبد الله بن الزبير " عباده " ، وقرأ سائر الناس ( عبده ) .

وقوله عز وجل اكتتبها قرأ طلحة بن مصرف " اكتتبها " ، وقرأ سائر الناس اكتتبها .

وفي قوله عز وجل يأكل منها قراءتان : " الياء ، والنون " فقرأ علي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وأبو جعفر يزيد بن القعقاع ، وشيبة بن نصاح ، ونافع ، والزهري ، وابن كثير ، وعاصم ، وقتادة ، وأبو عمرو ، وسلام ، ويعقوب ، وابن عامر ، وعمرو بن ميمون ، وعبد الله بن يزيد المقرئ ( يأكل ) بالياء . وقرأ " نأكل " بالنون يحيى بن وثاب ، والأعمش ، وطلحة ، وعيسى ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وخلف بن هشام ، وطلحة بن سليمان ، ونعيم بن ميسرة ، وعبيد الله بن موسى .

[ ص: 303 ] وفي قوله عز وجل ويجعل لك قصورا ثلاث قراءات : الرفع ، والنصب ، والجزم ، فقرأ بالرفع " ويجعل لك " ابن كثير ، وابن عامر ، والأعمش ، واختلف فيه عن عاصم فروى عنه الرفع أبو بكر بن عياش ، وشيبان .

وقرأ : " ويجعل لك " مجزوما أبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، وعاصم في رواية حفص ، والأعمش أيضا ، وطلحة بن مصرف ، وعيسى بن عمر ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وخلف بن هشام ، والحسن البصري ، وأبو عمرو ، وسلام ، ويعقوب ، ونعيم ، وميسرة ، وعمرو بن ميمون .

وقرأ : " ويجعل لك " عبيد الله بن موسى ، وطلحة بن سليمان .

وفي قوله مكانا ضيقا قراءتان بالتخفيف والتشديد ، فقرأ بتخفيفها ابن كثير ، وأبو عمرو ، وفي رواية عقبة بن يسار عنه ، وعلي بن نصر ، ومسلم بن محارب ، والأعمش .

وقرأ بالتشديد ضيقا الأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، وابن محيصن ، وعاصم ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وخلف ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، وسالم ، ويعقوب ، وأبو شيبة المهري .

وفي قوله عز وجل : ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول ثلاث قراءات بالياءين فيهما جميعا ، والنون فيها جميعا ، والنون في نحشرهم ، والياء في فيقول ، فقرأ : " ويوم يحشرهم فيقول " جميعا بالياء ابن هرمز الأعرج ، ، وأبو جعفر ، وابن كثير ، والحسن على اختلاف عنه ، وأبو عمرو على اختلاف عنه ، وعاصم الجحدري [ ص: 304 ] وقتادة ، والأعمش ، وعاصم على اختلاف عنهما .

( وقرأ : " ويوم نحشرهم فنقول " جميعا بالنون علي بن أبي طالب ، وابن عامر ، وقتادة على اختلاف عنه ، وطلحة بن مصرف ، وعيسى ، والحسن ، وطلحة بن سليمان ) .

وقرأ : " ويوم نحشرهم " بالنون " فيقول " بالياء علقمة ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، والحسن ، وأبو عمرو على اختلاف عنهما ، ويعقوب ، وعاصم ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وخلف ، وعمرو بن ميمون .

وقرأ " نحشرهم " بكسر الشين عبد الرحمن بن هرمز الأعرج .

وفي قوله ( أن نتخذ ) قراءتان : ضم النون ، وفتح الخاء ، وفتح النون ، وكسر الخاء ، فقرأ ( نتخذ ) بضم النون ، وفتح الخاء : زيد بن ثابت ، وأبو الدرداء ، وأبو جعفر ، ومجاهد على اختلاف عنه ، ونصر بن علقمة ، ومكحول على اختلاف عنه ، وزيد بن علي ، وأبو رجاء ، والحسن على اختلاف عنهم ، وحفص بن حميد ، وجعفر بن محمد .

وقرأ نتخذ بفتح النون ، وكسر الخاء : ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعلقمة ، وإبراهيم ( وعاصم ، والأعمش ، وحمزة ، وطلحة ، وعيسى ، والكسائي ، وابن إدريس ) ، وخلف ، والأعرج ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، ومجاهد على اختلاف عنه ، وابن كثير ، وعاصم الجحدري ، وحكيم بن عقال ، وأبو عمرو بن [ ص: 305 ] العلاء ، وقتادة ، وسلام ، ويعقوب ، وابن عامر ، وعمرو بن ميمون ، واختلف ، عن الحسن ، وأبي رجاء ، ومكحول فروي عنهم الوجهان جميعا .

وفي قوله فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا أربعة أوجه : أحدها : جميعا بالتاء ، والثاني : جميعا بالياء ، والثالث : يقولون بالياء ، وتستطيعون بالتاء ، والرابع : تقولون بالتاء ، ويستطيعون بالياء .

فقرأهما جميعا بالتاء ، والثاني جميعا بالتاء تقولون ، وتستطيعون عاصم في رواية حفص عنه ، وطلحة بن مصرف .

وقرأهما بالياء عبد الله بن مسعود ، والأعمش ، وابن جريج ، وقرأهما " بما تقولون " بالتاء " فما يستطيعون " بالياء أهل المدينة جميعا الأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والزهري ، ونافع ، وابن كثير ، وأهل مكة ، وأهل الكوفة طلحة ، وعيسى الكوفي ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وخلف ، وطلحة بن سليمان ، وعاصم ، والأعمش على اختلاف عنهما ، وأهل البصرة الحسن ، وقتادة ، وأبو عمرو ، وعيسى ، وسلام ، ويعقوب ، وابن عامر ، وعمرو بن ميمون .

وقرأ " بما يقولون " بالياء ، " وتستطيعون " بالتاء أبو حيوة [ ص: 306 ]

وفي قوله ، " ويمشون " قراءتان : تخفيف الشين ، وتشديدها ، فمن خفف فتح الياء ، وسكن الميم ، ومن شدد ضم الياء وفتح الميم ، وقرأ " يمشون " علي بن أبي طالب ، وعبد الرحمن بن عبد الله ، وقرأ سائر الناس ( يمشون ) .

وفي قوله عز وجل : حجرا محجورا قراءتان ضم الحاء وكسرها ، فقرأ بضمها " حجرا محجورا " الحسن ، وأبو رجاء ، وقتادة ، والأعمش ، وكذلك في قوله " برزخا وحجرا محجورا " ، وقرأ سائر الناس بكسرها ، والمعنى واحد حراما محرما .

في قوله عز وجل تشقق السماء قراءتان بتشديد الشين وتخفيفها ، فقرأ بتشديدها الأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، وابن كثير ، وابن محيصن ، وأهل مكة ، وابن عامر ، والحسن ، وعيسى بن عمر ، وسلام ، ويعقوب ، وعبد الله بن يزيد ، وأبو عمر على اختلاف عنه ، وقرأ " تشقق " بتخفيف الشين الزهري ، وعاصم ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وطلحة بن سليمان ، وخلف ، وأبو عمرو ، ونعيم بن ميسرة ، وعمرو بن ميمون .

وفي قوله : ونزل الملائكة تنزيلا أربع قراءات : " ونزل الملائكة " ، و " نزل الملائكة " ، " ننزل الملائكة " ، و " أنزل الملائكة " قرأ بالأولى الأعرج ، ونافع ، والزهري ، وعاصم ، والأعمش ، وعيسى ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس [ ص: 307 ] وخلف ، والحسن ، وقتادة ، وأبو عمرو ، وعاصم الجحدري ، وسلام ، ويعقوب ، وابن عامر ، وطلحة بن سليمان ، وقرأ بالثانية ، " ونزل الملائكة " أبو رجاء ، وقرأ بالثالثة " ننزل الملائكة " عبد الله بن كثير ، وأهل مكة ، وأبو عمرو على اختلاف عنه ، وقرأ بالرابعة " وأنزل " ابن مسعود ، والأعمش .

وفي قوله : ياويلتا قراءتان : كسر التاء على الإضافة ، وفتحها على الندبة ، قرأ بكسرها الحسن البصري ، وقرأ سائر الناس فيما علمت بفتحها .

وفي قوله إن قومي اتخذوا قراءتان : تسكين الياء ، وحذفها لالتقاء الساكنين ، وفتحها ، قرأ بكلا الوجهين جماعة .

وفي قوله : لنثبت به فؤادك قراءتان : بالياء والنون ( قرأ بالياء عبد الله بن مسعود ، وقرأ سائر الناس بالنون ) .

وفي قوله : فدمرناهم تدميرا قراءتان : فدمرناهم ، فدمرانهم ، قرأ فدمرانهم علي بن أبي طالب ، ومسلمة بن محارب ، وقرأ سائر الناس فدمرناهم .

وقرأ جماعة بصرف ثمود ، وجماعة بترك صرفها .

وفي قوله : أرأيت من اتخذ إلهه هواه قراءتان : إلهه ، وإلهة ، فقرأ عبد الرحمن بن هرمز الأعرج : " أفرأيت من اتخذ إلهة هواه " وقرأ سائر [ ص: 308 ] الناس " إلهه " إلا أن أبا عمرو في بعض الروايات عنه يدغم الهاء ( في الهاء ) بعد تسكين المفتوحة منهما .

وفي قوله وهو الذي أرسل الرياح بشرا قراءتان : في " الريح " الجمع والتوحيد ، وفي " بشرا " ست قراءات : " نشرا " بالنون مثقل ومخفف ، " وبشرا " بالباء مثقل ومخفف ، والخامسة : " نشرا " بالنون المفتوحة ، والسادسة : " بشرى " ; مثل حبلى .

فقرأ " الرياح " جمعا " نشرا " بالنون وبضمتين أبو عبد الرحمن السلمي ، وعبد الرحمن الأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، وأبو عمرو ، وعيسى بن عمر ، ويعقوب ، وسلام ، وسفيان بن حسين .

وقرأ " الرياح " جمعا أيضا " ونشرا " بالنون أيضا إلا أنه خفف الشين ابن عامر ، وقتادة ، وأبو رجاء ، وعمرو بن ميمون ، وسهل ، وشعيب .

ورواية عن أبي عمرو رواها هارون الأعور ، وخارجة بن مصعب ، عن أبي عمرو ، وقرأ " الريح " واحدة " نشرا " بالنون وضمتين ابن كثير ، وابن محيصن ، والحسن ، وقرأ " الرياح " جماعة " بشرا " بالباء خفيفة الشين علي بن أبي طالب ، وعاصم .

ورواية عن أبي عبد الرحمن السلمي قال الفراء : كأنه بشير وبشر .

وقرأ " الرياح " جماعة " نشرا " بالنون ، وفتحها عبد الله بن مسعود ، وابن عباس ، وزر بن حبيش ، ومسروق ، والأسود بن يزيد ، والحسن ، وقتادة ، ويحيى بن وثاب ، والأعمش ، وطلحة بن مصرف على اختلاف عنه ، وعيسى الكوفي ، وحمزة ، والكسائي ( وابن ) إدريس ، وخلف بن هشام ، وأبو عبد الله جعفر بن محمد ، والعلاء بن شبابة ، .

وقرأ " الريح " واحدة " نشرا " بفتح النون ، وسكون الشين ابن عباس ، وطلحة ( وعيسى ) [ ص: 309 ] الهمداني على اختلاف عنهما ، وطلحة بن سليمان .

وقرأ " بشرى بين يدي رحمته " مثل حبلى محمد بن السميفع اليمني من البشارة .

وفي قوله ( ونسقيه ) قراءتان : ضم النون ، وفتحها ، فقرأ بضم النون من أسقى أهل المدينة أبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، والأعرج ، ومن أهل مكة ابن كثير ، ومن أهل الكوفة عاصم ، والأعمش ، ويحيى بن وثاب ، وحمزة ، والكسائي ، وطلحة بن سليمان ، وخلف بن هشام ، وعيسى الهمداني ، ومن أهل البصرة الحسن ، وأبو عمرو ، وسلام ، ويعقوب ، ومن أهل الشام ابن عامر ، وعمرو بن ميمون .

وقرأ " نسقيه " بفتح النون من سقى عاصم ، والأعمش على اختلاف عنهما .

وفي ( ليذكروا ) قراءتان : التخفيف والتثقيل ، فقرأ بالتخفيف أهل الكوفة ، وقد ذكرناهم ، وقرأ بالتشديد أهل المدينة ، وأهل مكة ، وأهل البصرة وأهل الشام ، وقد ذكرناهم قبل .

وفي قوله " ملح " قراءتان : فتح الميم ( فقرأ بفتح الميم " ملح أجاج " طلحة بن مصرف ، وقرأ سائر الناس بكسر الميم ) .

وفي قوله : أنسجد لما تأمرنا قراءتان : الياء والتاء ، فقرأ بالتاء زيد بن ثابت ، وابن عباس ، والأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، وابن كثير ، وعاصم ، وإبراهيم النخعي ، ويحيى بن وثاب ، والحسن [ ص: 310 ] وعيسى ، وأبو عمرو ، وسلام ، ويعقوب ، وابن عامر ، وعمرو بن ميمون ، وعبد الله بن يزيد .

وقرأ بالياء عبد الله بن مسعود ، والأسود ، والأعمش ، وطلحة ، وعيسى الكوفي ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وخلف ، وطلحة بن سليمان ، ونعيم بن ميسرة .

وفي قوله : ( سراجا ) ثلاث قراءات : سراجا ، وسرجا ، وسرجا ; فقرأ سراجا عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وابن الزبير ( وأبو الدرداء ) ، وأهل المدينة جميعا : ابن هرمز ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، وعمر بن عبد العزيز ، .

وأهل مكة : مجاهد وابن كثير ، وأهل البصرة : الحسن على اختلاف عنه وأبو رجاء ، وقتادة ، وأبو عمرو ، وعيسى ، وسلام ، ويعقوب ، وأهل الشام : ابن عامر ، وعمرو بن ميمون ، وعبد الله بن يزيد .

وقرأها أيضا من أهل البيت علي بن حسين ، وزيد بن علي ، ومحمد بن علي ، أبو جعفر .

وقرأ : " سرجا " بضمتين ابن مسعود وأصحابه ، وإبراهيم ، ويحيى ، والأعمش ، وطلحة ، وعيسى ، وأبان بن تغلب ، ومنصور ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وطلحة بن سليمان ، وخلف ، ونعيم بن ميسرة هؤلاء كلهم كوفيون .

وعن بعضهم روي " سرجا " مخفف ، وهو أبان بن تغلب وإبراهيم النخعي .

وفي قوله عز وجل لمن أراد أن يذكر قراءتان : التخفيف [ ص: 311 ] والتثقيل ، فقرأ " يذكر " مثقلة مشددة مفتوحة الكاف عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وأهل المدينة : أبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، وأهل مكة : ابن كثير وأصحابه .

وأهل البصرة : الحسن ، وأبو رجاء ، وأبو عمرو ، وعيسى ، وسلام ، ويعقوب ، وأهل الشام : ابن عامر ، وعمرو بن ميمون ، وعبد الله بن يزيد ، وعاصم ، والكسائي من الكوفيين .

وقرأها علي بن أبي طالب على اختلاف عنه ، وقرأ " يذكر " مخففة علي بن أبي طالب في رواية أبي عبد الرحمن السلمي عنه ، والرواية الأولى رواها الأصبغ بن نباتة ، وناجية بن كعب عنه ، وابن مسعود ، وإبراهيم ، ويحيى ، والأعمش ، وطلحة ، وعيسى ، وأبو جعفر ، محمد بن علي ، وعلي بن حسين ، وابن إدريس ، ونعيم بن ميسرة .

وفي قوله ( ولم يقتروا ) ثلاث قراءات : منها في الثلاثي قراءتان ، من قتر يقتر ويقتر ، فقرأ " يقتروا " بفتح الياء وكسر التاء من قتر يقتر مجاهد وابن كثير ، والزهري ، وأبو عمر ، وعيسى ، وسلام ، ويعقوب ، وعمرو بن عبيد ، وعبد الله بن يزيد ، وعمرو بن ميمون .

( وقرأ ) " يقتروا " بضم التاء من قتر أيضا علي بن أبي طالب في رواية الأصبغ بن نباتة [ ص: 312 ] وناجية ، وعاصم ، والأعمش ، وطلحة ، وعيسى ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وطلحة بن سليمان ، وخلف ، وأبو رجاء ، وأبو عمرو على اختلاف عنه .

وقرأ من الرباعي يقتروا بضم الياء ، وكسر التاء من أقتر يقتر علي بن أبي طالب في رواية أبي عبد الرحمن السلمي ، والأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، واختلف فيه عن الحسن ، وأبي رجاء ، وابن عامر ، ونعيم بن ميسرة .

وفي قوله : وكان بين ذلك قواما قراءتان ; كسر القاف وفتحها ; قرأ بكسرها حسان بن عبد الرحمن صاحب عائشة ، وهو الذي يروي عنه قتادة كان يقرأ " قواما " وينكر " قواما " ويقول : القوام قوام الدابة ، والقوام على المرأة ، وعلى أهل البيت ، وعلى الفرس والجارية ، وقرأ سائر الناس في جميع الأمصار قواما بفتح القاف .

وفي قوله ( يضاعف ) ، ( ويخلد ) قراءات في إعرابهما ، وفي تشديد العين ، فأما الإعراب فالجزم في الفاء والدال من " يضاعف " " ويخلد " ، والرفع فيهما فقرأ " يضاعف ، ويخلد فيه " مرفوعين عاصم ، على اختلاف كثير عنه في ذلك .

قرأ " يضاعف " ، " ويخلد " بالجزم فيهما ابن هرمز الأعرج ، ونافع ، والزهري مدنيون ، والأعمش ، وطلحة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وخلف كوفيون ، والحسن ، وقتادة ، وعاصم الجحدري ، وأبو عمرو ، وسلام بصريون ، ونعيم بن ميسرة ، وعمرو بن ميمون .

وقرأ " يضعف ويخلد " بتشديد العين من يضعف ، والرفع فيهما ابن عامر ، والأعمش وقرأ " يضعف ويخلد " بالجزم [ ص: 313 ] فيهما ، وتشديد يضعف أبو جعفر ، وشيبة ، ويعقوب ، وعيسى الثقفي ، وابن كثير ، وأهل مكة ، وقرأ " نضعف " بالنون له العذاب نصبا ، ويخلد فيه بالياء جزما طلحة بن سليمان .

وفي قوله " ذرياتنا " قراءاتان الجمع والتوحيد فقرأ ذريتنا واحدة مجاهد وأبو عمرو ، وعاصم على اختلاف عنه ، ويحيى بن وثاب ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس ، وخلف ، وطلحة بن سليمان ، وعبيد الله بن موسى .

وقرأ " وذرياتنا " جماعة أبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، وابن كثير ، وعاصم على اختلاف عنه ، والحسن ، وسلام ، ويعقوب ، وابن عامر ، وسلمة بن كهيل ، ونعيم بن ميسرة ، وعبد الله بن يزيد .

وفي قوله " ويلقون " قراءتان إحداهما : ضم الياء ، وفتح اللام وتشديد القاف ، والثانية : فتح الياء وتسكين اللام وتخفيف القاف .

فقرأ بالترجمة الأولى ابن هرمز ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، والزهري ، ومجاهد ، وابن كثير ، والحسن ، وأبو عمرو ، وعيسى ، وسلام ، ويعقوب ، وابن عامر ، وعمرو بن ميمون ، واختلف ، عن عاصم ، والأعمش .

وقرأ بالترجمة الثانية علي وابن مسعود ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والأعمش ، وطلحة [ ص: 314 ] وعيسى الكوفي ، وحمزة ، الكسائي ، وابن إدريس ، وخلف ، وطلحة بن سليمان ، ومحمد بن السميفع اليماني ، وعاصم على اختلاف عنه .

وقرأ ابن عباس ، وابن الزبير " فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما " وكذلك في حرف ابن مسعود ، وقرأ سائر الناس فقد كذبتم فسوف يكون لزاما .

فهذا ما في سورة الفرقان من الحروف التي بأيدي أهل العلم بذلك ، والله أعلم ، ما أنكر منها عمر على هشام بن حكيم ، وما قرأ به عمر ، وقد يمكن أن يكون هناك حروف لم تصل إلينا وليس كل من قرأ بحرف نقل عنه وذكر ، ولكن إن فات من ذلك شيء فهو اليسير النزر ، وأما عظم الشيء ومنته وجملته فمنقول محكي عنهم فجزاهم الله عن حفظهم علينا الحروف والسنن أفضل الجزاء ، وأكرمه عنده برحمته .

وفي هذا الحديث ما يدل على أن في جبلة الإنسان ، وطبعه أن ينكر ما عرف ضده ، وخلافه ، وجهله ، ولكن يجب عليه التسليم لمن علم .

وفيه ما كان عليه عمر من الغضب في ذات الله فإنه كان لا يبالي قريبا ولا بعيدا فيه ، وقد كان كثير التفضيل لهشام بن حكيم بن حزام [ ص: 315 ] ولكن إذ سمع منه ما أنكره لم يسامحه حتى عرف موقع الصواب فيه ، وهذا يجب على العالم والمتعلم في رفق وسكون ، ومما يدلك على موضع هشام بن حكيم عند عمر ما ذكره ابن ( وهب ) وغيره ، عن مالك ، قال : كان عمر بن الخطاب إذا خشي وقوع أمر ، قال : أما ما بقيت أنا وهشام بن حكيم بن حزام فلا .




الخدمات العلمية