الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1520 [ ص: 325 ] حديث خامس وستون لنافع ، عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن عائشة أم المؤمنين أرادت أن تشتري جارية تعتقها ، فقال أهلها : نبيعكها على أن ولاءها لنا ، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : لا يمنعنك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق .

التالي السابق


هكذا هذا الحديث في الموطإ عند أكثر الرواة ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عائشة .

ورواه يحيى بن يحيى النيسابوري ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عائشة ، حدثناه عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدثنا الحسن بن الخضر ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا عبيد الله بن فضالة ، قال : حدثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك ، فذكره .

[ ص: 326 ] قال أبو عمر : قد مضى القول في حديث بريرة وجوه ، ومعان حسان في باب ربيعة من هذا الكتاب ، وسيأتي القول مستقصى ممهدا موعبا في معاني حديث بريرة في باب هشام بن عروة - إن شاء الله - .

وأما قوله في هذا الحديث : لا يمنعنك ذلك . فمعناه ألا يمنعك ما ذكروا من اشتراط الولاء أن تحترم شراءها ، وقيل لهم : الولاء لمن أعتق ، فلا سبيل إلى ما ذكرتموه إن أردتم بيعها ، فإن الحكم فيها ، وفي غيرها أن الولاء لمن أعطى الثمن إذا أعتق ، وإن لم يريدوا بيعها على حكم السنة فشأنكم بها . هذا معنى هذا الحديث عند أهل العلم ، ولا يجوز غير هذا التأويل ، ومثله عند من عرف الله وعرف رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعرف أحكامهما في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وقد بينا هذا المعنى بالحجة الواضحة في باب هشام بن عروة - والحمد لله - .

وفي ظاهر هذا الحديث دليل على أن الشرط الفاسد لا يقدح في البيع ، ولا يفسده ، ولا يبطله ، وأن البيع يصح معه ويبطل الشرط ، ولكن قد جاءت آثار منها ما يدل على جواز [ ص: 327 ] البيع والشرط ، ومنها ما يدل على إبطال البيع من أجل الشرط الفاسد ، ولكل حديث منها وجه وأصحها من جهة النقل حديث ابن عمر هذا في قصة بريرة ، وقد روته عائشة أيضا ، وهو يدل على ما ذكرنا ولتلخيص معاني الآثار المتعارضة في هذا الباب هذا ، ومن حمل الحديث على ما تأولناه عليه لم يكن فيه دليل على جواز البيع وبطلان الشرط ، لأنه يحتمل أن يكون البيع لم ينعقد على ظاهر هذا الحديث - والله أعلم - .

ولعله انعقد على ما يجب في ذلك بترك أهل بريرة لذلك الشرط ، وإذا احتمل هذا الإدخال ارتفع القطع عليه بوجه من تلك الوجوه ، ورد الأمر في ذلك إلى الأصل ، وهو نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء وهبته ، والآثار في قصة بريرة مروية بألفاظ مختلفة ، وقد ذكرناه ، وذكرنا ما فيها من الأحكام ، والمعاني مستقصاة مبسوطة في باب هشام بن عروة من هذا الكتاب فهناك يتأملها من ابتغاها بحول الله ، وذكرنا منها عيونا ، وأصولا في باب ربيعة أيضا - والحمد لله - .

وأما قوله : إن عائشة أرادت أن تشتري جارية فتعتقها ، فإن الفقهاء اختلفوا فيمن اشترى عبدا على أن يعتقه : فذهب مالك [ ص: 328 ] إلى أنه لا بأس بذلك وأنه يلزمه العتق إذا وقع في شرط البيع ، قال ابن القاسم : وابن عبد الحكم عنه لو باعه على أن يدبره ، أو يعتقه إلى سنين لم يجز ، لأن ذلك من الغرر ويفسخ البيع .

قال ابن المواز : فإن فات بالتدبير ، أو بالعتق إلى أجل كان للبائع ما وضع من الثمن قال : ولو اشتراه على أن يعتقه ، فأي من ذلك كان للبائع نقض البيع .

وقال الثوري : إذا بلغ عبده على أن يعتقه ويكون الولاء له ، فإنما يكون الولاء لمن أعتقه ، وهذا أجاز البيع وأبطل الشرط .

وقال أبو حنيفة فيمن اشترى عبدا على أن يعتقه أن البيع فاسد ، وإن قبضه ، وأعتقه فعليه الثمن في قول أبي حنيفة .

وقال أبو يوسف ، ومحمد : عليه القيمة .

وقال ابن أبي ليلى : إذا ابتاع عبدا وشرط أن يعتقه فالبيع جائز والشرط باطل .

وقال ابن شبرمة : البيع فاسد .

[ ص: 329 ] وذكر الربيع ، عن الشافعي إن باع العبد على أن يعتقه ، أو على أن يبيعه من فلان ، أو على أن لا يهبه ، أو على منع شيء من التصرف فالبيع في هذا كله فاسد ، ولا يجوز الشرط في شيء من هذا إلا في موضع واحد وهو العتق اتباعا للسنة ، فإذا اشتراه على أن يعتقه فالبيع جائز .

وحكى أبو ثور ، عن الشافعي أن البيع في هذه المسائل كلها جائز والشرط باطل .

وقال الحسن بن حي : كل شرط في بيع هدمه البيع إلا العتاقة ، وكل شرط في نكاح هدمه النكاح إلا الطلاق ، وهو قول إبراهيم .

وقال الليث فيمن اشترى عبدا على أن يعتقه ، فهو حر حين اشتراه ، فإن أبى من عتقه جبر على عتقه ، وليس لواحد منهما أن ينصرف عن ذلك .

قال أبو عمر : في حديث ابن عمر المذكور في قصة بريرة جواز بيع العبد على أن يعتق ، والقول به أولى ما ذهب إليه في هذا الباب ، وبالله التوفيق .

[ ص: 330 ]



الخدمات العلمية