الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5102 - وعنه أن رجلا شتم أبا بكر ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس يتعجب ويتبسم ، فلما أكثر رد عليه بعض قوله ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقام فلحقه أبو بكر ، وقال : يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس ، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت . قال : كان معك ملك يرد عليه ، فلما رددت عليه وقع الشيطان " . ثم قال : " يا أبا بكر ! ثلاث كلهن حق : ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره ، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاد الله بها كثرة ، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاد الله بها قلة " . رواه أحمد .

التالي السابق


5102 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( أن رجلا شتم أبا بكر ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس ) : جملة حالية ( يتعجب ) أي : من شتم الرجل وقلة حيائه ، أو من صبر أبي بكر وكثرة وفائه ( ويتبسم ) : لما يرى من الفرق بين الشخصين وما يترتب على فعلهما من العقوبة الكاملة والرحمة النازلة ولما ظهر له من مظاهر الجلال والجمال على ما هو مشهود أهل الكمال ( فلما أكثر ) أي : الرجل في مقاله ( رد ) أي : أجاب أبو بكر ( عليه ) أي : على الرجل ( بعض قوله ) : عملا بالرخصة المجوزة للعوام وتركا للعزيمة المناسبة لمرتبة الخواص ، قال الله تعالى : والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ، وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله وقال عز وجل : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين وهو - رضي الله عنه - وإن كان جمع بين الانتقام عن بعض حقه وبين الصبر عن بعضه ، لكن لما كان المطلوب منه الكمال المناسب لمرتبته من الصديقية ما استحسنه - صلى الله عليه وسلم - وهذا معنى قوله : ( فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ) أي : تغير منه تغير الغضبان ( وقام ) أي : من ذلك المجلس وخلاهما عملا بقوله تعالى : وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ( فلحقه أبو بكر ) أي : معتذرا ومستفهما ( وقال : يا رسول الله ! كان ) أي : الرجل ( يشتمني ) : بضم التاء والكسر ( وأنت جالس ، فلما رددت عليه بعض قوله ) أي : من الشتم بعينه أو بما يناسبه ( غضبت وقمت ) : يعني فما الحكمة في ذلك ؟ ( قال : كان معك ملك يرد عليه ) أي : ويدلك على الصبر ( فلما رددت عليه ) أي : بذاتك ودخل فيه حظ النفس ( وقع الشيطان ) أي : وطلع الملك ، والشيطان إنما يأمر بالفحشاء والمنكر فخفت عليك أن تتعدى على خصمك وترجع ظالما بعد أن كنت مظلوما ، وقد روي : كن عبد الله المظلوم ولا تكن عبد الله الظالم ، وفي رواية : كن خير ابني آدم ، قال تعالى حكاية عن هابيل جوابا لقابيل : لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك مع أنه يجوز له قتله دفعا عن نفسه ، وكان أقوى منه لكن اختار الطريق الأكمل ليكون من [ ص: 3186 ] الفريق الكمل . ( ثم قال : يا أبا بكر ! ثلاث ) أي : خصال ( كلهن حق ) أي : ثابت وصدق ( ما من عبد ظلم ) : بصيغة المجهول ( بمظلمة ) : بكسر اللام على المشهور ، وقيل بفتحها أيضا ، وأنكره بعض . وحكى الفراء بالضم أيضا . وفي المغرب : المظلمة الظلم واسم المأخوذ ، وفي القاموس : الظلم وضع الشيء في غير موضعه ، والمظلمة بكسر اللام ما يظلمه الرجل . ( فيغضي ) : من الإغضاء بالغين والضاد المعجمتين ، وهو إدناء الجفون بمعنى الإغماض ، والمراد منه هنا الإعراض ، وفي نسخة فيعفى بالعين المهملة من الإعفاء وهو لغة في العفو والمعنى فيسامح ( عنها ) أي : عن تلك المظلمة ويترك جواها أو المطالبة بها في الدنيا أو مطلقا ( لله عز وجل ) أي : لا لفخر ولا سمعة ورياء ( إلا أعز الله بها ) أي : بمقابلة تلك المظلمة والإهانة أو بسبب تلك الخصلة المعانة ( نصرة ) أي : إعانته في الدنيا والآخرة ( وما فتح رجل باب عطية ) أي : صدقة ( يريد بها صلة ) أي : صلة للرحم والقرابة أو وصلة للقربة وفي رواية ( باب عطية ) بصدقة أو صلة ( إلا زاد الله بها كثرة ) أي : بركة صورية ومعنوية ( وما فتح رجل باب مسألة ) أي : سؤال من مخلوق ( يريد بها كثرة ) أي : لا دفع حاجة ضرورية تلجئه ( إلا زاد الله بها قلة ) أي : حسية أو حقيقية ، وفي رواية ( إلا زاده الله تعالى ) في الموضعين ( رواه أحمد ) : ورواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب ، عن عبد الرحمن بن عوف ولفظه : ( ثلاث أقسم عليهن ما نقص مال قط من صدقة فتصدقوا ، ولا عفا رجل عن مظلمة ظلمها إلا زاده الله بها عزا فاعفوا يزدكم الله عزا ، ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة يسأل الناس إلا فتح الله عليه باب فقر ، ورواه أحمد والترمذي عن أبي كبشة الأنماري ولفظه : ثلاث أقسم عليهن : ما نقص مال عبد من صدقة ، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عز وجل عزا ، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر ، وأحدثكم حديثا فاحفظوه ، إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا ، فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول : لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان ، فهو بنيته فأجرهما سواء ، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ، ولا يصل فيه رحمه ، ولا يعلم لله فيه حقا . فهذا بأخبث المنازل ، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما ، فهو يقول : لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيته فوزرهما سواء .




الخدمات العلمية