الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5200 - وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " قد أفلح من أخلص الله قلبه للإيمان وجعل قلبه سليما ، ولسانه صادقا ، ونفسه مطمئنة ، وخليقته مستقيمة ، وجعل أذنه مستمعة ، وعينه ناظرة ، فأما الأذن فقمع ، وأما العين فمقرة لما يوعى القلب وقد أفلح من جعل قلبه واعيا " رواه أحمد ، والبيهقي في ( شعب الإيمان ) .

التالي السابق


5200 - ( وعنه ) أي : عن أبي ذر أيضا ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " قد أفلح من أخلص الله قلبه للإيمان " ) أي : جعل قلبه خالصا للإيمان بحيث لا يسعه غيره وما يتبعه ، ( " وجعل قلبه سليما " ) أي : عن الحسد والحقد والبغض ، وسائر الأخلاق الذميمة والأحوال الرديئة من حب الدنيا والغفلة عن المولى والذهول عن العقبى . قال تعالى : يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ( " ولسانه صادقا " ) أي : في قوله ووعده وعهده ( " ونفسه مطمئنة " ) أي : بذكر ربه وحبه ( " وخليقته " ) أي : جبلته التي خلق عليها من أصلها مع قطع النظر عن عوارضها المعبر عنها بالفطرة ( " مستقيمة " ) أي : غير مائلة إلى طريق الإفراط والتفريط ( " وجعل أذنه " ) : بضمتين ويسكن الثانية ( " مستمعة " ) أي : للحق واعية للعلم ( " وعينه ناظرة " ) أي : إلى دلائل الصنع من الآفاق والأنفس ( " فأما " ) : بالفاء العاطفة ، ولعل المعطوف عليه مقدر ، والمعنى أما ما سبق من القلب واللسان وغيرهما ، فأمره ظاهر في كونه شرطا للإفلاح ، وأما ( " الأذن فقمع " ) : بفتح فسكون وبكسر القاف مع سكون الميم وفتحها ، ففي القاموس القمع بالفتح والكسر وكعنب ما يوضع في فم الإناء فيصب فيه الدهن وغيره ، وفي النهاية : القمع كضلع إناء يترك في رءوس الظروف لتملأ بالمائعات من الأشربة والدهان . قال الطيبي رحمه الله : شبه إجماع الذين يستمعون القول ويعونه بقلوبهم بالأقماع ، ( " وأما العين فمقرة " ) : بضم الميم وكسر القاف وتشديد الراء كذا في أصل الأصيل ، وفي أكثر النسخ بفتحات وهو الأظهر أي : محل قرار ( " لما يوعى " ) أي : يحفظ ( " القلب " ) : بالرفع ، وفي بعض النسخ بالنصب ، وهو يؤيد ما في الأصيل ويناسب الإيعاء . قال الطيبي قوله : فمقرة وارد على سبيل الاستعارة ; لأنها تثبت في القلب وتقر فيه ما أدركته بحاستها ، فكأن القلب لها وعاء وهي تقر فيه ما رأته . قال في أساس البلاغة : ومن المجاز قر الكلام في أذنه وضع فاه على أذنه فأسمعه ، وهو من قر الماء في الإناء إذا صبه فيه ، والقلب مرفوع على أنه فاعل يوعى ، ويحتمل النصب أي : يقر في القلب أي : يحفظه ، وإنما خص السمع والبصر لأن الآيات الدالة على وحدانية الله إما سمعية فالأذن هي التي تجعل القلب وعاء لها ، أو نظرية فالعين هي التي تقرها في القلب وتجعله وعاء لهما ، ومن ثم جعل قوله : ( " وقد أفلح من جعل قلبه واعيا " ) أي : حافظا ، فالفذلكة للقرينتين قلت : وبه يتم آلات العلم وأسبابه ، ولذا قال تعالى : إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا وفي تقدم السمع إشعار بأن العمدة هي العلوم الشرعية التي تعرف من الأدلة السمعية المورثة لعلم اليقين ثم يرتقي إلى مرتبة النظر ورتبة الفكر إلى أن يصير علمه عين اليقين ، وينتهي إلى القلب الذي هو عرش الرب ، وبه يصل إلى كمال حق اليقين ، رزقنا الله تعالى جميع مراتب اليقين في درجات الدين المعبر عنها بقوله سبحانه : واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ووجه الغاية أنه لا يتصور بعد تحقق اليقين ترك العبادة في الدين ، بل يحصل به مرتبة وضع الميت بين يدي الغاسل ، كما قيل : موتوا قبل أن تموتوا ، ولذا أجمع المفسرون على أن المراد باليقين في الآية هو الموت ، وما أحسن هذا الموت الذي هو عين الحياة ، أذاقنا الله منه بعض الذوق الممزوج بحلاوة الشوق ( رواه أحمد ، والبيهقي في شعب الإيمان ) .




الخدمات العلمية