الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5224 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تجيء الأعمال ، فتجيء الصلاة فتقول يا رب أنا الصلاة . فيقول : إنك على خير . فتجيء الصدقة ، فتقول : يا رب ! أنا الصدقة . فيقول : إنك على خير . ثم يجيء الصيام فيقول : يا رب ! أنا الصيام . فيقول : إنك على خير . ثم تجيء الأعمال على ذلك . يقول الله تعالى : إنك على خير . ثم يجيء الإسلام فيقول : يا رب ! أنت السلام وأنا الإسلام فيقول الله تعالى : إنك على خير ، بك اليوم آخذ ، وبك أعطي . قال الله تعالى في كتابه : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين .

التالي السابق


5224 - ( وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تجيء " ) : بالتأنيث ويجوز تذكيره أي : تأتي ( " الأعمال " ) أي : مجسمة لتحتج لصاحبها وتشفع لمراعيها أو تخاصم لمخالفيها وتاركيها ( " فتجيء الصلاة فتقول " ) أي : بلسان القال ويمكن أن يكون بلسان الحال وإن المراد بالمجيء ظهور أثر الأعمال ونتيجة الأفعال في المآل ( يا رب ! أنا الصلاة ) أي المبدوءة في كتابك عن جميع الأعمال حيث قلت : إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والمختومة منها بقولك : والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون وقيل : التقدير أنا المعروفة المشهورة بالفضل والمزية كما يقال : أنا العالم ، ومنه قول القائل :


أنا أبو النجم وشعري شعري



وقال الطيبي رحمه الله أي أن لي في مرتبة الشفاعة لأني عماد الدين ( " فيقول " ) أي الرب ( " إنك على خير " ) : وهذا رد لها على ألطف وجه أي أنت ثابتة مستقرة على خير كقوله تعالى : أولئك على هدى ولكن لست بمستقلة فيها ولا كافية في الاحتجاج ، وعلى هذا المنوال سائر الأعمال من الصدقة والصيام وبقية الأفعال . ( " فتجيء الصدقة ، فتقول يا رب ! أنا الصدقة فيقول : إنك على خير . ثم يجيء الصيام " ) : ولعل وجه تأخيره عن الصدقة في العقبى تأخير وجوبه عنها في الدنيا ( " فيقول يا رب ! أنا الصيام . فيقول : إنك على خير ثم تجيء الأعمال " ) أي : سائرها من الحج والجهاد وطلب العلم ونحوها . ( " على ذلك " ) أي : على هذا المنوال متفقة على هذا المقال ( " يقول " ) : استئناف أو حال ، وكان مقتضى الظاهر فيقول ( " الله تعالى " ) : وفي نسخة صحيحة : عز وجل ( " إنك " ) أي : أيها العمل ( " على خير ثم يجيء الإسلام " ) أي الانقياد الباطن الموجب للانقياد الظاهر المعبر عنه بالإيمان ، وعلى ترادفهما أصحاب الإيقان وأرباب الإتقان ( " فيقول : يا رب ! أنت السلام وأنا الإسلام " ) أي : وبيننا مناسبة الاشتقاق الاسمية المعتبرة عند العلماء الرسمية والوسمية ، كما حقق في حديث " الرحم شجنة من الرحمن " فإن المقتضى بذلك أن القائم بي يدخل دارك دار السلام ( " فيقول الله تعالى : إنك على خير " ) أي : خير عظيم لاشتمالك على دين وسيم ( " بك اليوم آخذ " ) : بصيغة المتكلم أي : آخذ بك من المؤاخذة بالعقوبة ( " وبك أعطي " ) أي من أسامحه بالمثوبة ، فإنك أنت الأصل المدار عليك أمر الطاعة والمعصية ( " قال الله تعالى في كتابه : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين وفيه إشارة لطيفة متضمنة لبشارة شريفة وهي أن من مات على الإسلام ليس من الخاسرين أبدا ، بل من المفلحين الناجين مآلا ومنالا ، وأن أمر الطاعة والعبادة مع قوة الإسلام يرجى فيها المسامحة ، نسأل الله العفو والعافية ، ونعوذ بالله من درك الهاوية .




الخدمات العلمية