الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5291 - وعن سفيان الثوري - رضي الله عنه - قال : كان المال فيما مضى يكره ، فأما اليوم فهو ترس المؤمن . وقال : لولا هذه الدنانير لتمندل بنا هؤلاء الملوك .

وقال : من كان في يده من هذه شيء فليصلحه ، فإنه زمان إن احتاج كان أول من يبذل دينه . وقال : الحلال لا يحتمل السرف . رواه في ( شرح السنة ) .

التالي السابق


5291 - ( وعن سفيان الثوري قال : كان المال فيما مضى يكره ) أي : عند أرباب الحال ( فأما اليوم ) أي : في هذا الزمان ( فهو ترس المؤمن ) . أي : جنته من جنته ، وجنته بلاء منه ، وحاصله أن المال الحلال يقي صاحب الحال من الوقوع في الشبهة والحرام ، ويمنعه من ملازمة الظلمة ومصاحبتهم في الظلام ، أو يتستر به المؤمن عن الرياء والسمعة والشهرة عند العوام ( وقال : لولا هذه الدنانير ) أي : وجودها عندنا وظهور استغنائنا بها عند الخلق ( لتمندل بنا هؤلاء الملوك ) . أي : لجعلونا مناديل أوساخهم ، وهى كناية عن الابتذال والمذلة للظلمة ، أو عن موافقتهم في تصويرات حيل المسألة قيل : هو مأخوذ من البذل ، وهو الوسخ . قيل لبعضهم : إن المال يدنيك من الدنيا . فقال : لئن أدناني من الدنيا لقد صانني عنها ، وقيل : لأن أترك مالا يحاسبني الله عليه خير من أن أحتاج إلى الناس ، يعني احتياجي إلى الله خير من احتياجي إلى ما سواه ، وقد أخرج الطبراني في الأوسط ، عن المقدام بن معدي كرب مرفوعا به : يأتي على الناس زمان من لم يكن معه أصفر ولا أبيض لم يتهن بالعيش ، وهو عند الإمام أحمد بلفظ : يأتي على الناس زمان لا ينفع فيه إلا الدرهم والدينار ، هذا وقد قيل : الدراهم للجراحات مراهم .

[ ص: 3312 ] ( وقال ) أي : الثوري ( من كان في يده من هذه ) أي : الدنانير والأموال ( شيء ) أي : قليل على قدر الكفاية ( فليصلحه ) أي : ليصرفه على وجه القناعة ، أو لا يتلفه بل يسترده بنوع من التجارة ، ( فإنه ) أي : زماننا ( زمان ) أي : عجيب من وصفه ( إن احتاج ) أي : الشخص فيه ( كان أول من يبذل دينه ) . أي : لتحصيل دنياه ، " وأول " منصوب ، وقيل مرفوع . قال الطيبي - رحمه الله - أي : كان ذلك الشخص أول شخص يبذل دينه فيما يحتاج إليه هو ، ولو حمل " من " على " ما " كما نقل المالكي عن قطرب لكان أبين ، ويؤيده رواية الكشاف : كان أول ما يأكل دينه ، فما موصوفة ، وأول اسم كان ودينه خبره . قلت : ويمكن عكسه ، بل هو الأظهر فتدبر .

( وقال ) أي : الثوري ( الحلال ) أي : لأنه قليل الوجود في المال ( لا يحتمل السرف ) . أي : صرفه بالإكثار . قال الطيبي - رحمه الله - : يحتمل معنيين :

أحدهما : أن الحلال لا يكون كثيرا فلا يحتمل الإسراف ، وثانيهما : أن الحلال لا ينبغي أن يسرف فيه ، ثم يحتاج إلى الغير ، انتهى . وفي كل منهما نظر إذ معنى الإسراف هو التجاوز عن الحد بأن يصرفه في غير محله زيادة على قدره ، وهو يحتمل في القليل والكثير ، ويشمل المال الحلال والحرام ، فالأوجه أن يقال : إن الحلال من خاصيته أنه لا يقع في الإسراف كصرفه في الماء والطين بلا ضرورة ، وكزيادة إعطاء الأطعمة على طريق الرياء والسمعة ، ولذا قيل : لا سرف في خير ولا خير في سرف ، وفيه تنبيه أنه ينبغي للطالب أن يجتهد في تحصيل الحلال ولو كان القليل من المال ، وأن يقنع به ولا يصرفه على طريق الإسراف ; لئلا يحوج نفسه إلى الأكابر والأشراف . ( رواه في " شرح السنة " ) .




الخدمات العلمية