الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

5327 - وعن أبي تميمة - رضي الله عنه - قال : شهدت صفوان وأصحابه ، وجندب يوصيهم ، فقالوا : هل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ؟ قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من سمع سمع الله به يوم القيامة ، ومن شاق شق الله عليه يوم القيامة " قالوا : أوصنا ، فقال : إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه ، فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا فليفعل ، ومن استطاع أن لا يحول بينه وبين الجنة ملء كف من دم أهراقه فليفعل . رواه البخاري .

التالي السابق


الفصل الثالث

5327 - ( عن أبي تميمة ) : قال المؤلف : هو طريف بن مجالد الجهمي البصري ، كان أصله من عرب اليمن ، فباعه عمه وهو تابعي ، روى عن نفر من الصحابة ، وعنه قتادة وغيره ، مات سنة خمس وتسعين . ( قال : شهدت صفوان وأصحابه ) : الظاهر أن المراد به صفوان بن سليم الزهري ، مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، تابعي جليل القدر من أهل المدينة مشهور ، روى عن أنس بن مالك ونفر من التابعين ، كان من خيار عباد الله الصالحين ، يقال : إنه لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة ، ويقال : أن جبهته ثقبت من كثرة السجود ، وكان لا يقبل جوائز السلطان ، ومناقبه كثيرة ، روى عنه ابن عيينة ، ذكره المؤلف ، ثم الظاهر أن المراد بأصحابه أتباعه في العلم والعمل . ( وجندب ) أي : حضرتهم والحال أن جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي ، وهو من أكابر الصحابة ( يوصيهم ) ، بالتخفيف ويشدد ، والمعنى يعظهم في الاستقامة على المجاهدة ، أو بزيادة العبادة ، أو بالاقتصاد في الطاعة ، أو بالاحتراز عن الرياء والسمعة ، وعن الإشارة والشهرة ، والأظهر الأخيران كما يدل عليه السؤال والجواب . ( فقالوا : هل سمعت من رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - شيئا ) ؟ أي : من الأحاديث ، فحدثنا به وأفدنا من كلامه ، فإنه أقوى تأثيرا وألطف تعبيرا ( قال : سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقول : " من سمع سمع الله به يوم القيامة " ) : سبق مبناه ( " ومن شاق " ) : صيغة المفاعلة إذا لم تكن للمبغالة فهي للمبالغة ، فالمعنى أن من شق على نفسه بأن يكلفها فوق طاقتها ، أو شق على غيره بأن حمله فوق استطاعته ، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " ) ، قال الطيبي - رحمه الله - : أطلق ليشمل ، فتأمل ( " شق الله " ) ، وفي نسخة صحيحة شاق الله ( " عليه يوم القيامة " قالوا ) أي : الصحابة للنبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - بدلالة المقام على ذكرهم ، وهو الظاهر ، أو صفوان وأصحابه لجندب على ما هو المتبادر من قاعدة رجوع الضمير ( أوصنا ، فقال : إن أول ما ينتن ) : بضم أوله ، أي : ما يفسد ( من الإنسان بطنه ) أي : في الدنيا ، فإنه محل النتن ، أو في القبر بالتفقع ( فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا ) أي : حلالا ( فليفعل ) أي : ما استطاع ، أو معناه فليأكل ، فإن من عرف أن مال المأكول ما ذكر من الأحوال ، فلا ينبغي له أن يجتهد في لذات النفس من طرق الوبال ، بل عليه أن يكتفي بالحلال ولو بقليل من المال ، وقد أنشد ابن أدهم :


وما هي إلا جوعة قد سددتها وكل طعام بين جنبي واحد



وتكلف الطيبي - رحمه الله - حيث قال : نتن البطن كناية عن مسه النار ، وإنما يفتقر إلى هذا التأويل ليطابق قوله : فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا أي : حلالا ، ونظيره قوله تعالى : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ولا دلالة على أن أول ما يمس النار منه هو البطن . ( ومن استطاع أن لا يحول ) أي : من قدر على أن لا يمنع ( بينه وبين الجنة ) أي : دخولها أولا مع الفائزين ( ملء كف من دم أهراقه ) بفتح الهاء ويسكن ، أي : صبه ( فليفعل ) أي : ما استطاع مما ذكر ، وقلله بقوله " ملء كف " إشارة إلى أن القليل يحول فكيف بالكثير ، وقيل : إشعار إلى أن تسفيه القائل بأن فوت الجنة على نفسه بهذا الشيء الحقير المسترذل ( رواه البخاري ) ، وذكره السيوطي في باب نتن الميت وبلاء جسده ، إلا الأنبياء ومن ألحق بهم من كتاب شرح الصدور في أحوال القبور . أخرج البخاري من حديث جندب البجلي : أول ما ينتن من الإنسان بطنه ، انتهى . والظاهر من عبارته أن الحديث بكماله مرفوع ، والله تعالى أعلم .

[ ص: 3339 ]



الخدمات العلمية