الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5367 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يأتي على الناس زمان ، الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر " رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث غريب إسنادا .

التالي السابق


5367 - ( وعن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : " يأتي على الناس زمان الصابر فيهم " ) أي : في أهل ذلك الزمان ( " على دينه " ) أي : على حفظ أمر دينه بترك دنياه ( " كالقابض " ) أي : كصبر القابض في الشدة ونهاية المحنة ( " على الجمر " ) : جمع الجمرة هي شعلة من نار .

قال الطيبي - رحمه الله - : الجملة صفة " زمان " ، والراجع محذوف أي : الصابر فيه ، وفيه أن الرابط مذكور فيه بقوله ( فيهم ) كما أشرنا إليه سابقا ، قال : والمعنى كما لا يقدر القابض على الجمر أن يصبر بإحراق يده ، كذلك [ ص: 3365 ] المتدين يومئذ لا يقدر على ثباته على دينه لغلبة العصاة والمعاصي ، وانتشار الفسق وضعف الإيمان ، انتهى . والظاهر أن معنى الحديث : كما لا يمكن القبض على الجمرة إلا بصبر شديد ، وتحمل غلبة المشقة ، كذلكفي ذلك الزمان لا يتصور حفظ دينه ونور إيمانه إلا لصبر عظيم وتعب جسيم ، ومن المعلوم أن المشبه به يكون أقوى ، فالمراد به المبالغة ، فلا ينافيه أن ما أحد يصبر على قبض الجمر ; ولذا قال تعالى : فما أصبرهم على النار مع أنه قد يقبض على الجمر أيضا عند الإكراه على أمر أعظم منه من قتل نفس ، أو إحراق ، أو إغراق ونحوها ; ولذا قال تعالى : قل نار جهنم أشد حرا وقد أشار الشاطبي - رحمه الله - في زمانه إلى هذا المعنى بقوله :


وهذا زمان الصبر من لك بالتي كقبض على جمر فتنجو من البلا



قال الجعبري : أي : هذا الزمان زمان الصبر ؛ لأنه قد أنكر المعروف وعرف المنكر وفسدت النيات ، وظهرت الخيانات ، وأوذي المحق ، وأكرم المبطل ، فمن يسمع لك بالحالة التي لزومها في الشدة كالقابض على جمر النار ، فقد روى أبو ثعلبة الخشني عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : " ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل برأيه ، فعليك خاصة نفسك ودع العوام ، فإن وراءكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ، للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم " ، انتهى . ( " رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث غريب إسنادا ) . قال ميرك نقلا عن التصحيح : هذا الحديث وقع له ثلاثيا ، وفي سنده عمر بن شاكر شيخ الترمذي وحده ، وقد ذكره ابن حبان في الثقات ، انتهى ، وروى ابن عساكر عن أنس أيضا : يأتي على الناس زمان يكون المؤمن فيه أذل من شاته .




الخدمات العلمية