الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5395 - وعن سفينة - رضي الله عنه - قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الخلافة ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا " .

ثم يقول سفينة : أمسك ، خلافة أبي بكر سنتين ، وخلافة عمر عشرة ، وعثمان اثنتي عشرة ، وعلي ستة . رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود .

التالي السابق


5395 - ( وعن سفينة ) : هو أيضا مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقال : إن سفينة لقب له واسمه مختلف فيه ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر وهو معه فأعيا رجل ، فألقى عليه سيفه وترسه ورمحه ، فحمل شيئا كثيرا ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم : " أنت سفينة " . روى عنه بنوه عبد الرحمن ، ومحمد ، وزياد ، وكثير . ( قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الخلافة " ) أي : الحقة أو المرضية لله ورسوله ، أو الكاملة أو المتصلة ( ثلاثون سنة ، ثم تكون " ) أي : تنقلب الخلافة وترجع ( " ملكا " ) بضم الميم أي : سلطنة وغلبة على أهل الحق ، قال في شرح العقائد : وهذا مشكل ; لأن أهل الحل والعقد كانوا متفقين على خلافة الخلفاء العباسية ، وبعض المروانية ، كعمر بن عبد العزيز ، ولعل المراد أن الخلافة الكاملة التي لا يشوبها شيء من المخالفة ، وميل عن المتابعة تكون ثلاثين سنة ، وبعدها قد تكون وقد لا تكون اهـ .

واعلم أن المروانية أولهم يزيد بن معاوية ، ثم ابنه معاوية بن يزيد ، ثم عبد الملك ، ثم هشام بن عبد الملك ، ثم الوليد ، ثم سليمان ، ثم عمر بن عبد العزيز ، ثم الوليد بن يزيد ، ثم يزيد بن الوليد ، ثم مروان بن محمد ، ثم خرجت منهم الخلافة إلى بني العباس . هذا وفي شرح السنة يعني أن الخلافة حق الخلافة إنما هي للذين صدقوا هذا الاسم بأعمالهم ، وتمسكوا بسنة رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - من بعده ، فإذا خالفوا السنة وبدلوا السيرة فهم حينئذ ملوك ، وإن كان أساميهم خلفاء ، ولا بأس أن يسمى القائم بأمور المسلمين أمير المؤمنين ، وإن كان مخالفا لبعض سير أئمة العدل لقيامه بأمر المؤمنين ، ويسمى خليفة ; لأنه خلف الماضي قبله وقام مقامه ، ولا يسمى أحد خليفة الله بعد آدم وداود عليهما الصلاة والسلام .

[ ص: 3390 ] قلت : ولا شك أن نبينا - صلى الله تعالى عليه وسلم - خليفته في خليقته ، بل ويدل إطلاقها على غيره - صلى الله عليه وسلم - أيضا ما سيأتي من قوله - صلى الله عليه وسلم : " فإن كان لله في الأرض خليفة " الحديث .

قال : وقال رجل لعمر بن عبد العزيز : يا خليفة الله ! فقال : ويحك لقد تناولت متناولا ، إن أمتي سمتني عمر ، فلو دعوتني بهذا الاسم قبلت ، ثم وليتموني أموركم فسميتموني أمير المؤمنين ، فلو دعوتني بذلك كفاك ، أي : في رعاية الأدب وقصد التعظيم ، فهذا منه تواضع مع الخلق ، وتمسكن مع الخالق ، فليس فيه دلالة على أن مثله لا يقال له خليفة الله ، والله تعالى أعلم .

( ثم يقول سفينة ) أي : لراويه ، أو المراد به خطاب العام ( أمسك ) أي : عد مدة الخلافة . قال الطيبي - رحمه الله : لعل الوجه أن يقال : امسك أن اضبط الحساب عاقدا أصابعك حتى يكون أمسك محمولا على أصله ، اهـ . وخلاصة المعنى احسب واحفظ . ( خلافة أبي بكر سنتين ، وخلافة عمر عشرة ) أي : أعوام ( وعثمان ) أي : خلافته ( اثنتي عشرة سنة ) وفي نسخة اثني عشر أي : عاما ( وعلي ) أي : وخلافة علي ( ستة ) أي : ستة أعوام ، فعلي خاتم الخلفاء ، كالنبي خاتم الأنبياء ، والمهدي خاتم الأولياء ( رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود ) ، وكذا النسائي ، ذكره السيد جمال الدين . وفي الجامع : " الخلافة بعدي في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك " . رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو يعلى ، وابن حبان عن سفينة . وروى البخاري في تاريخه ، والحاكم عن أبي هريرة : الخلافة بالمدينة والملك بالشام ، ففيه تنبيه على أن الخلافة الحقيقية ما توجد في مكان صاحب النبوة على اتفاق جمهور الصحابة من أهل الحل والعقد ، وأنه لا عبرة في الحقيقة بأهل الحل والعقد في غير ذلك المكان ، ومن أمثال غير ذلك الزمان ، وإنما ينعقد بطريق التسلط التي تسمى ملكا ; للضرورة الداعية إلى نظام حال العامة ; ولئلا يؤدي إلى الفتنة الطامة ، والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية