الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5398 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " كيف بك إذا أبقيت في حثالة من الناس مرجت عهودهم وأماناتهم ؟ واختلفوا فكانوا هكذا ؟ " وشبك بين أصابعه . قال : فبم تأمرني ؟ قال : " عليك بما تعرف ، ودع ما تنكر ، وعليك بخاصة نفسك ، وإياك وعوامهم " .

وفي رواية : " الزم بيتك ، وأملك عليك لسانك ، وخذ ما تعرف ، ودع ما تنكر ، وعليك بأمر خاصة نفسك ، ودع أمر العامة " . رواه الترمذي ، وصححه .

التالي السابق


5398 - ( وعن عبد الله بن عمرو ) : صحابيان جليلان ( ابن العاص ) بغير ياء هو الصحيح ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " كيف بك " ) سبق إعرابه ، وفي رواية : كيف أنت ، أي كيف حالك ( " إذا أبقيت " ) : مجهول من الإبقاء أي : إذا أبقاك الله بمعنى عمرك ، وفي نسخة بصيغة المعلوم من البقاء أي : إذا بقيت ( " في حثالة " ) : بضم الحاء وبالثاء المثلثة وهي ما سقط من قشر الشعير والأرز والتمر والرديء من كل شيء ، أي : في قوم ردأى ( " من الناس مرجت " ) : استئناف بيان وهو بفتح الميم وكسر الراء أي : فسدت ( " عهودهم وأماناتهم " ) ، وفي نسخة : أمانته بصيغة الإفراد على إرادة الجنس ، أو باعتبار كل فرد ، والجمع إنما هو للمقابلة والتوزيع مع إمكان حقيقة الجمع فيهما ، فتأمل ، والمعنى : لا يكون أمرهم مستقيما ، بل يكون كل واحد في كل لحظة على طبع وعلى عهد ، ينقضون العهود ويخونون الأمانات . قال التوربشتي - رحمه الله : أي اختلطت وفسدت ; فقلقت فيهم أسباب الديانات . ( " واختلفوا فكانوا هكذا " ! وشبك بين أصابعه ) أي : يموج بعضهم في بعض ويلتبس أمر دينهم ، فلا يعرف الأمين من الخائن ، ولا البر من الفاجر .

هذا وفي نسخة : مرجت بفتح الراء وهو متعد ، ومنه قوله تعالى : مرج البحرين ففيه ضمير إلى الحثالة ، فالمعنى : أفسدت تلك الجماعة القمامة عهودهم وأماناتهم ، واختلفوا في أمور دياناتهم ، فكانوا كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عنهم في الاشتباك مشبهين بالأصابع المشبكة ، فما كتبه ميرك على هامش الكتاب من قوله : مرجت بصيغة المجهول ، ورمز عليه ظاهر إشارة إلى أنه هو الظاهر ، وعلله بأن المرج متعد ، والمعنى على اللزوم فهو غير ظاهر على ما يظهر من القاموس وغيره ، ففي القاموس : المرج الخلط ، والمرج بحركة الفساد والقلق ، والاختلاط والاضطراب ، وإنما يسكن مع الهرج يعني للازدواج ، مرج كفرح ، وأمر مريج مختلط ، وأمرج العهد لم يف به ، اهـ . وفي مختصر النهاية : مرج الدين فسد وقلقت أسبابه ، ومرجت عهودهم أي اختلطت .

( قال : فبم تأمرني ؟ قال : " عليك بما تعرف " ) أي الزم : وافعل ما تعرف كونه حقا ( " ودع ما تنكر " ) أي : واترك ما تنكر أنه حق ( وعليك بخاصة نفسك ، وإياك وعوامهم ) أي : عامتهم ، والمعنى : الزم أمر نفسك ، [ ص: 3395 ] واحفظ دينك ، واترك الناس ولا تتبعهم ، وهذا رخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كثر الأشرار وضعف الأخيار . ( وفي رواية : " الزم بيتك ، وأملك " ) : أمر من الإملاك بمعنى الشد والإحكام أي : أمسك ( " عليك لسانك " ) ولا تتكلم في أحوال الناس ; كيلا يؤذوك ( " وخذ ما تعرف ، ودع ما تنكر ، وعليك بأمر خاصة نفسك ، ودع أمر العامة " رواه الترمذي ، وصححه ) .

قال ميرك : والرواية الثانية رواها أبو داود والنسائي أيضا .




الخدمات العلمية