الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5418 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " هلك كسرى فلا يكون كسرى بعده ، وقيصر ليهلكن ثم لا يكون قيصر بعده ، ولتقسمن كنوزهما في سبيل الله " ، وسمى " الحرب خدعة " . متفق عليه .

التالي السابق


5418 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " هلك كسرى " ) : جملة خبرية أي : سيهلك ملكه ، وإنما عبر عنه بالمضي لتحقق وقوعه وقربه ، أو دعاء وتفاؤل ، ( " فلا يكون كسرى " ) وفي نسخة بالتنوين ، حيث أريد به التنكير ( " بعده " ) أي : بعد كسرى الموجود في زمنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - والمعنى : لا يملك كسرى كافر ، بل يملكه المسلمون بعده إلى يوم القيامة ، ( " وقيصر " ) : وهو ملك الروم مبتدأ ، وخبره : ليهلكن ، والتغاير بينهما للتفنن ، أو عطف على كسرى ، وأتى بقوله : ( " ليهلكن " ) للتأكيد مع زيادة المبالغة المستفادة من لام القسم ونون التأكيد ، ( " ثم لا يكون قيصر " ) بالوجهين أي : قيصر آخر ( " بعده " ) أي : بعد الأول . قال الطيبي - رحمه الله : هلاك كسرى وقيصر كانا متوقعين ، فأخبر عن هلاك كسرى بالماضي دلالة على أنه كالواقع بناء على إخبار الصادق ، وأتى في الإخبار عن قيصر بلام القسم في المضارع ، وبني الكلام على المبتدأ والخبر إشعارا لاهتمامه بالاعتناء بشأنه ، وأنه أطلب منه ; وذلك أن الروم كانوا سكان الشام ، وكان - صلى الله تعالى عليه وسلم - في فتحه أشد رغبة ; ومن ثم غزا - صلى الله تعالى عليه وسلم - تبوك وهو من الشام . أقول : لما كان هلاك كسرى قبل قيصر بحسب وقائع الحال ، فناسب أن يعبر عن الأول بالماضي ، وعن الثاني بالاستقبال ، ( ولتقسمن ) : بصيغة المجهول مخففا ( كنوزهما ) أي : كنز كل منهما ( " في سبيل الله " وسمى ) : عطف على قال رسول الله ، أي : قال الراوي : وسمى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ( " الحرب خدعة " ) بفتح الخاء وضمها مع سكون الدال وبضم الخاء ، مع فتح الدال على ما سبق مبناه وتحقق معناه ، ومجمله ما في القاموس : الحرب خدعة مثلثة وكهمزة ، وروي بهن جميعا ، أي : ينقضي بخدعة ، هذا والراوي جمع بين حديثين ، والظاهر أنهما وقعا في وقتين ، فلا يحتاج إلى طلب المناسبة بين إيرادهما معا ، على أن في ذكره إشارة إلى أن هلاكهما ، وأخذ كنوزهما إنما يكون بالحرب ، وربما يكون محتاجا إلى خدعة ، فنبه أصحابه إلى جوازهما ، حتى لا يتوهموا أن الخدعة من باب الغدر والخيانة ، والله تعالى أعلم .

قال الطيبي - رحمه الله : فإن قلت : ما وجه المناسبة بين قوله : وسمى الحرب خدعة ، وبين الكلام السابق ؟ قلت : هو وارد على سبيل الاستطراد ; لأن أصل الكلام كان في ذكر الفتح ، وكان حديثا مشتملا على الحرب ، فأورده في الذكر ، كما أورد قوله تعالى : ومن كل تأكلون لحما طريا بعد قوله : وما يستوي البحران هذا عذب فرات إذ المراد منهما المؤمن والكافر . قلت : فقوله : من كل تأكلون إشارة إلى تكميل التشبيه وتتميم وتذييل ، وهو إفادة أنه ينتفع بهما ، ونظام العالم بوجودهما ، بل هما الدالان على مظهر الجمال والجلال ، وهما صفتا الكمال ، وعليهما مدار الكونين ، ومآل الفريقين ، كما دل عليهما مثال البحرين ; حيث قال : هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج ، فكل في بابه في غاية من الكمال يضل من يشاء ويهدي من يشاء و يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية