الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5559 - وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا ، كل سجل مثل مد البصر ، ثم يقول أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول : لا يا رب ! فيقول : أفلك عذر ؟ قال : لا يا رب ! فيقول : بلى ; إن لك عندنا حسنة ، وإنه لا ظلم عليك اليوم ، فتخرج بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فيقول : احضر وزنك ، فيقول : يا رب ! ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول : إنك لا تظلم ، قال : فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة ، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ; فلا يثقل مع اسم الله شيء . رواه الترمذي ، وابن ماجه .

التالي السابق


5559 - ( وعن عبد الله بن عمرو ) : بالواو ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن الله سيخلص ) : بتشديد اللام أي : يختار ( رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر ) : بضم الشين المعجمة أي : فيفتح ( عليه تسعة وتسعين سجلا ) : بكسرتين فتشديد أي كتابا كبيرا ( كل سجل مثل مد البصر ) أي : كل كتاب منها طوله وعرضه مقدار ما يمتد إليه بصر الإنسان ، ( ثم يقول ) أي : الرب ( أتنكر من هذا ) أي : المكتوب ( شيئا ) ؟ أي مما لا تفعله ( أظلمك كتبتي ) : بفتحات جمع كاتب ، والمراد الكرام الكاتبون ( الحافظون ) ؟ أي : لأعمال بني آدم ( فيقول : لا يا رب ) : جواب لهما جميعا أو لكل منهما ( فيقول : أفلك عذر ) ؟ أي : فيما فعلته من كونه سهوا أو خطأ ، أو جهلا ونحو ذلك ( قال : لا يا رب ! فيقول : بلى ) أي : لك عندنا ما يقوم مقام عذرك ( إن لك عندنا حسنة ) أي : واحدة عظيمة مقبولة تمحو جميع ما عندك . قال تعالى : وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما وإذا قال الله جل جلاله ولا إله غيره لشيء عظيم فهو عظيم ، وقد قال عمر - رضي الله تعالى عنه : لئن كانت لي حسنة عند الله كفتني . ( وإنه ) أي : الشأن ( لا ظلم عليك اليوم ) ، لعله مقتبس من قوله تعالى اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم أي : بنقصان أجر لك ولا بزيادة عقاب عليك ، بل لا حكم إلا لله وهو إما بالعدل وإما بالفصل ، ( فتخرج ) : بصيغة المجهول أي : فتظهر ( بطاقة ) : بكسر الباء أي رقعة صغيرة ثبت فيها مقدار ما به ، ويجعل في الثواب إن كان عينا فوزنه أو عدده ، وإن كان متاعا فثمنه أو قيمته ، وقيل : سميت بذلك لأنها تشد بطاقة من هدب الثوب فتكون التاء حينئذ زائدة وهي كلمة كثيرة الاستعمال بمصر ، ويروى بالنون وهو غريب . ( فيها ) أي : مكتوب في البطاقة ( أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ) ، يحتمل أن الكلمة هي أول ما نطق بها ، واختلف العلماء في أن الإقرار شرط الإيمان أو شطره ، ويحتمل أن تكون غير تلك المرة مما وقعت مقبولة عند الحضرة ، وهو الأظهر في مادة الخصوص من عموم الأمة ، ( فيقول : احضر وزنك ) أي : الوزن الذي لك أو وزن عملك ، أو وقت وزنك أو آلة وزنك وهو الميزان ; ليظهر لك انتفاء الظلم وظهور العدل وتحقق العدل ، ( فيقول : يا رب ! ما هذه البطاقة ) أي : الواحدة ( مع هذه السجلات ) ؟ أي الكثيرة ، وما قدرها بجنبها ومقابلتها ، ( فيقول : إنك لا تظلم ) أي : لا يقع عليك الظلم ، لكن لا بد من اعتبار الوزن كي يظهر أن لا ظلم عليك ، فاحضر الوزن ، قيل : وجه مطابقة هذا جوابا لقوله ما هذه البطاقة أن اسم الإشارة للتحقير ، كأنه أنكر أن يكون مع هذه البطاقة المحقرة موازنة لتلك السجلات ، فرد بقوله : إنك لا تظلم بحقيرة ، أي : لا تحقر هذه فإنها

[ ص: 3532 ] عظيمة عنده سبحانه ، إذ لا يثقل مع اسم الله شيء ، ولو ثقل عليه شيء لظلمت ، ( قال : فتوضع السجلات في كفة ) : بكسر فتشديد أي : فردة من زوجي الميزان ، ففي القاموس : الكفة بالكسر من الميزان معروف ويفتح ، ( والبطاقة ) أي : وتوضع ( في كفة ) أي : في أخرى ( فطاشت السجلات ) أي : خفت ( وثقلت البطاقة ) أي : رجحت ، والتعبير بالمضي لتحقق وقوعه ، ففي الدر أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة أنه تلا هذه الآية ، يعني : إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما فقال : لأن تفضل حسناتي على سيئاتي مثقال ذرة أحب إلي من الدنيا وما فيها ، ثم هذا الحديث يحتمل أن تكون البطاقة وحدها غلبت السجلات ، وهو الظاهر المتبادر ، ويحتمل أن تكون مع سائر أعماله الصالحة ، ولكن الغلبة ما حصلت إلا ببركة هذه البطاقة ، ( فلا يثقل ) : بالرفع وفي بعض النسخ بالجزم ولا يظهر وجهه بحسب المعنى ، أي : فلا يرجح ولا يغلب ( مع اسم الله شيء ) والمعنى : لا يقاومه شيء من المعاصي ، بل يترجح ذكر الله تعالى على جميع المعاصي . قال تعالى : إن الحسنات يذهبن السيئات ، ولذكر الله أكبر فإن قيل : الأعمال أعراض لا يمكن وزنها ، وإنما توزن الأجسام ، أجيب : بأنه يوزن السجل الذي كتب فيه الأعمال ، ويختلف باختلاف الأحوال ، أو أن الله يجسم الأفعال والأقوال فتوزن ، فتثقل الطاعات وتطيش السيئات ; لثقل العبادة على النفس وخفة المعصية عليها ; ولذا ورد : " حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات " . ( رواه الترمذي ، وابن ماجه ) .




الخدمات العلمية