الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5732 - وعن جابر رضي الله عنه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " خلق الله آدم وذريته ، قالت الملائكة : يا رب ، خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون ، فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة . قال الله تعالى : لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت من روحي كمن قلت له : كن فكان " . رواه البيهقي في " شعب الإيمان " .

التالي السابق


5732 - ( وعن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لما خلق الله آدم وذريته " ) أي : يوم الميثاق أو بعده ( قالت الملائكة : يا رب خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون " ) : بكسر الكاف أي يطئون أو يتزوجون ( ويركبون ) أي : على الدواب في البر ، وعلى السفن في البحر ، ( فاجعل لهم الدنيا ) أي : بطريق الدوام والبقاء ، أو اجعل لهم الدنيا فقط ، ( ولنا الآخرة ) أي : نعيمها لحرماننا من الحظوظ المذكورة في الدنيا تعادلا بيننا . ( قال الله تعالى : لا أجعل من خلقته بيدي ) : بصيغة التثنية وروي بالإفراد . وقال الطيبي - رحمه الله - قوله : لا أجعل يحتمل أن يكون نفيا ل " أجعل " ، وأن تكون كلمة ( لا ) ردا لقولهم ، ثم يبتدئ بالجملة الاستفهامية إنكارا عليهم ، وهو أبلغ يعني : أكثر مبالغة أو بلاغة ، فإنه يدل على النفي مكررا ، وإن كان الأول هو الأظهر فتدبر ، والمعنى لا أجعل عاقبة من خلقته بغير واسطة على سبيل التدريج مركبا من معجون الكمال المشتمل على قابلية الهداية والضلال ، واستعداد مظهرية الجمال والجلال ، ( ونفخت فيه من روحي ) أي : بعد تربية كمال جسده وتصويره شكلا كريما تشريفا له وتعظيما ( كمن قلت له : كن ) أي : بالخلق الآتي : ( فكان ) . أي

[ ص: 3666 ] من غير التواني . قال الطيبي - رحمه الله - أي : لا يستوي في الكرامة من خلقته بنفسي ولا وكلت خلقه إلى أحد ، ونفخت فيه من روحي وهو آدم وأولاده ، مع من يكون بمجرد الأمر بقول ( كن ) وهو الملك ، وإضافة الروح إلى نفسه إضافة تشريف كقوله : بيت الله ، وقال ابن الملك أي : لا يستوي البشر والملك في الكرامة والقربة ، بل كرامة البشر أكثر ومنزلته أعلى ، وهذا من جملة ما يستدل به أهل السنة في تفضيل البشر على الملك . أقول : ووجهه والله تعالى أعلم أن الملك خلق معصوما ، فصار عن الجحيم ممنوعا وعن النعيم محروما ، والبشر خلق ممحونا بالطاعة والمعصية ، ومبلوا بالعطية والبلية ، فمن قام بحقها استحق الثواب في الدارين ، ومن أعرض عنهما استوجب العذاب في الكونين ( رواه البيهقي في شعب الإيمان ) .




الخدمات العلمية