الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5835 - وعن عائشة ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب جاءني ملك وإن حجزته لتساوي الكعبة ، فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول إن شئت نبيا عبدا وإن شئت نبيا ملكا فنظرت إلى جبريل عليه السلام فأشار إلي أن ضع نفسك " .

التالي السابق


5835 - ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " يا عائشة ! لو شئت " ) أي : لو أردت مال الدنيا ومنالها ( لسارت معي جبال الذهب ، جاءني ) : استئناف بيان متضمن للتعليل أي : نزل إلي ( " ملك " ) أي : عظيم طويل كما بين بقوله : ( وإن حجزته ) : بضم الحاء وسكون الجيم فزاي ) أي : معقد إزاره ( لتساوي الكعبة ) ، أي : تعادل طولها ، ولعل وجه ظهوره بهذه العظمة تعظيما لهذا الأمر وتهييبا ( " فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام " ) : في النهاية يقال : أقرئ فلانا السلام واقرأ عليه السلام ، كأنه حين يبلغه سلامه يحمله على أن يقرأ السلام ويرده . وفي القاموس : قرأ عليه السلام أبلغه كأقرأه ، أو لا يقال أقرأه إلا إذا كان السلام مكتوبا

[ ص: 3724 ] ( ويقول : إن شئت نبيا عبدا ) أي : إن أردت أن تكون نبيا كعبد أي : جامعا بين وصف النبوة والعبودية ، فكن أو اختر أو فلك هذا ( وإن شئت نبيا ملكا ) أي : فكذلك وحاصله أن الله خيرك فاختر ما شئت ، وفيه إيماء إلى أن الملوكية وكمال العبودية لا يجتمعان . قال الطيبي قوله : نبيا عبدا : خبر لكون محذوف بدليل الرواية الأخرى : إن الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا . وجزاء الشرط محذوف أي : إن شئت أن تكون نبيا عبدا فكن إياه ( فنظرت إلى جبريل عليه السلام ) أي : نظر مشاورة واختيار في موضع اختيار لقوله تعالى : إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ولأن بعض الأنبياء جمع لهم بينهما ، وربما يظن أنه هو مرتبة الكمال ، كما ورد : نعم المال الصالح للرجل الصالح ، ولكونه وسيلة إلى فتح البلاد وتوسيع العباد ، وأمثال ذلك . ( " فأشار إلي أن ضع نفسك " ) . أن : مصدرية وضع أمر من وضع ، أو تفسيرية لما في أشار من معنى القول ، والحاصل أنه أومأ إلي بأن حط نفسك عن طمع مرتبة الملوكية ، واختر أن تكون في مقام العبودية ، فإنه في المآل أعلى ، وفي المنازل أغلى ، وفي ذوق الطالبين أحلى ، فإن الملك لله الواحد القهار ، وقد قال تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أي : لتظهر عبوديتهم لي وألوهيتي وربوبيتي لهم كما روى في الحديث القدسي : ( كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف ) : وفي تقديم الشرطية الأولى إشعار بالمرتبة الأولى ، وفيه دليل صريح على أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر ، خلافا لمن خالفه كابن عطاء ، ودعا عليه الجنيد بالبلاء المؤدي إلى الغطاء .




الخدمات العلمية