الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5845 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أنزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه وفي رواية : نكس رأسه ، ونكس أصحابه رءوسهم ، فلما أتلي عنه رفع رأسه . رواه مسلم .

التالي السابق


5845 - ( وعن عبادة بن الصامت قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أنزل ) : مجهول من الإنزال ( عليه الوحي ) أي : حين أول إنزاله عليه ( كرب ) : بصيغة المجهول أي : أصابه الكرب وحزن ( لذلك ) أي : لشدة نزوله وصعوبة حصوله . قال شارح : الكرب والكربة الغم الذي يأخذ بالنفس يقال : كربه الغم إذا اشتد عليه ، والمستكن في كرب إما للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمعنى أنه كان لشدة اهتمامه بالوحي كمن أخذه غم أي لسبب مبناه أو معناه ، ولذا قيل له : لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه الآية . قال : أو لخوف ما عسى يتضمنه الوحي من التشديد والوعيد لذلك ، أو المستكن الوحي بمعنى اشتد ، فإن الأصل في الكرب الشدة . قلت : حينئذ لا يلائمه قوله : لذلك . قال التوربشتي : يحتمل أنه كان يهتم بأمر الوحي أشد الاهتمام ، ويهاب مما يطالب به من حقوق العبودية والقيام بشكر المنعم ، ويخشى على عصاة الأمة أن ينالهم من الله خزي ونكال ، فيأخذه الغم الذي يأخذ بالنفس حتى يعلم ما يوحى إليه ، ويحتمل أن المراد منه كرب الوحي وشدته ، فإن الأصل في الكرب الشدة ، وإنما قال الصحابي كرب لما وجد من شبه حاله بحال المكروب وقوله : ( وتربد وجهه ) أي : تغير ، وأكثر ما يقال ذلك في التغير من الغضب ، وتربد الرجل أي : تعبس .

( وفي رواية : نكس رأسه ) أي : أطرقه كالمتفكر ( ونكس أصحابه رءوسهم ) ، أي : اتباعا له وتأدبا معه ( فلما أتلي عنه ) : بضم همزة فسكون فوقية وكسر لام ففتح تحتية أي : سري عنه وكشف ، كأنه ضمن الإتلاء وهو الإحالة معنى الكشف بقرينة عن ، وهذا هو المشهور في الأصول ، ولم يوجد في نسخ المشكاة غيره ، والمعنى : فلما ارتفع الوحي على الرواية الأولى أو الكرب على الرواية الأخرى ( رفع رأسه ) . أي : وتبعه أصحابه . وقال النووي : أتلي بهمزة وتاء مثناة فوق ساكنة فلام فياء ، هكذا هو في معظم نسخ بلادنا ، ومعناه ارتفع عنه الوحي ، هكذا فسره صاحب التحرير وغيره ، وفي بعض النسخ أجلي بالجيم ، وفي رواية ابن ماهان انجلى بالجيم ومعناه أزيل عنه وزال عنه . وقال الطيبي : ضمن أتلي معنى أقلع فعدى بعن ، وينصره رواية شرح السنة : فلما أقلع عنه . وقال التوربشتي : قوله : فلما أتلي عليه كذا هو في المصابيح ، وأرى صوابه : فلما تلي عليه من التلاوة ، وإن كان أتلي عليه محققا ، فمعناه أحيل يقال : أتليته أحلته أي : أحيل عليه البلاغ ، وذلك أن الملك إذا قضى إليه ما نزل به ، فقد أحال عليه البلاغ . ( رواه مسلم ) .

[ ص: 3738 ]



الخدمات العلمية