الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5858 - وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه ، قال : شكونا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة في ظل الكعبة وقد لقي من المشركين شدة ، فقلنا : ألا تدعو الله ، فقعد وهو محمر وجهه وقال " كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض ، فيجعل فيه ، فيجاء بمنشار ، فيوضع فوق رأسه فيشق باثنين ، فما يصده ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم وعصب وما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ، ولكنكم لتستعجلون ) . رواه البخاري .

التالي السابق


5858 - ( وعن خباب ) : بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى ( بن الأرت ) : بفتح الهمزة والراء وتشديد الفوقية . قال المؤلف : يكنى أبا عبد الله التميمي ، وإنما لحقه سبي في الجاهلية ، فاشترته امرأة من خزاعة وأعتقته ، أسلم قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم ، وهو ممن عذب في الله على إسلامه فصبر ، نزل الكوفة ، ومات بها ، روى عنه جماعة . ( قال : شكونا ) أي : الكفار ( إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة في ظل الكعبة ) أي : كساء مخططا ، والمعنى جاعل البردة وسادة له من توسد الشيء جعله تحت رأسه ( وقد ) : وفي نسخة ولقد ( لقينا ) أي : رأينا وحصل لنا ( من المشركين ) أي : من كفار مكة ( شدة ) ، أي : محنة شديدة ( فقلنا : ألا تدعو الله ) ، أي : لنا على المشركين فإنهم يؤذوننا ( فقعد وهو محمر وجهه ) : من احمر بتشديد الراء إذا اشتد حرارته ( وقال : ( كان الرجل ) : اللام للعهد الذهني الذي هو في المعنى نكرة ( فيمن قبلكم يحفر له ) : بصيغة المجهول أي يجعل له حفرة ( في الأرض ) ، قيد واقعي اتفاقا ( فيجعل فيه ، فيجاء بمنشار ) ، بالنون ويروى بالهمزة وإبدالها ياء ، وهو آلة يشق بها الخشبة ( فيوضع فوق رأسه ليشق باثنين ) أي : فينقطع نصفين ( فما يصده ذلك ) أي : فلا يمنعه ذلك العذاب الشديد ( عن دينه ، ويمشط ) : بصيغة المجهول مخففا والمعنى يشوك ( بأمشاط الحديد ) : بفتح الهمزة جمع المشط وهو ما يتمشط به الشعر ( ما دون لحمه ) أي : ما تحت لحم ذلك الرجل أو غيره ، وهو الظاهر ( من عظم وعصب ) بفتحتين قال الطيبي من بيان له وفيه مبالغة بأن الأمشاط لحدها وقوتها كانت تنفذ من اللحم إلى العظم ، وما يلتصق به من العصب . ( وما يصده ذلك عن دينه ) : جملة حالية ( والله ليتمن ) : بفتح الياء وكسر التاء وتشديد الميم أي : ليكملن ( هذا الأمر ) أي : أمر الدين وفي نسخة بصيغة المجهول ، وفي أخرى بضم حرف المضارعة وكسر التاء على أن الفاعل هو الله ، وقوله : هذا الأمر منصوب على المفعولية ، وفيه

[ ص: 3748 ] إيماء إلى قوله تعالى : ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ( حتى يسير الراكب ) أي : رجل أو امرأة وحده ( من صنعاء ) : بلد باليمن ( إلى حضرموت ) : موضع بأقصى اليمن وهو بفتح الميم غير منصرف للتركيب والعلمية ، وقيل اسم قبيلة ، وقيل موضع حضر فيه صالح عليه السلام فمات فيه ، وحضر جرجيس فمات فيه ذكره شارح ، وتبعه ابن الملك وفي القاموس : حضرموت وبضم الميم بلد وقبيلة ، ويقال هذا حضرموت ، ويضاف فيقال : حضرموت بضم الراء وإن شئت لا تنون الثاني ( لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ) : وفي نسخة بالواو ، وهو محتمل أن يكون بمعنى أو يكون ( أو ) بمعنى الواو للجمع أو للشك ، وعلى كل تقدير ، فلا يخفى ما فيه من المبالغة في حصول الأمن ، وزوال الخوف ، فاندفع ما قيل من أن سياق الحديث إنما هو للأمن من عدوان بعض الناس على بعض ، كما هو في الجاهلية لا الأمن من عدوان الذئب ، فإن ذلك إنما يكون في آخر الزمان عند نزول عيسى عليه السلام . ( ولكنكم تستعجلون ) . أي : سيزول عذاب المشركين فاصبروا على أمر الدين كما صبر من سبقكم من المؤمنين على أشد من عذابكم لقوة اليقين . ( رواه البخاري ) : وكذا أبو داود ، والنسائي .




الخدمات العلمية