الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
5878 - وعن أبي قتادة رضي الله عنه ، nindex.php?page=hadith&LINKID=10367339أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمار حين يحفر الخندق فجعل يمسح رأسه ويقول : ( nindex.php?page=treesubj&link=31022_31700بؤس ابن سمية ! تقتلك الفئة الباغية ) . رواه مسلم .
5878 - ( وعن أبي قتادة ) : صحابي مشهور ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال nindex.php?page=showalam&ids=56لعمار ) أي : ابن ياسر ( حين يحفر الخندق ) : حكاية حال ماضية ( فجعل يمسح رأسه ) أي : رأس عمار عن الغبار ترحما عليه من الأغيار ( ويقول : بؤس ) : بضم موحدة وسكون همز ، وقال وبفتح السين مضافا إلى ( ابن سمية ) وهي بضم السين وفتح الميم وتشديد التحتية أم عمار ، وهي قد أسلمت بمكة ، وعذبت لترجع عن دينها ، فلم ترجع ، وطعنها أبو جهل فماتت . ذكره ابن الملك وقال غيره : كانت أمه ابنة أبي حذيفة المخزومي ، زوجها ياسرا ، وكان حليفه فولدت له عمارا ، فأعتقه أبو حذيفة . أي : يا شدة عمار احضري ، فهذا أوانك ، واتسع في حذف حرف النداء من أسماء الأجناس ، وإنما يحذف من أسماء الأعلام . وروي : بؤس بالرفع على ما في بعض النسخ أي : عليك بؤس أو يصيبك بؤس ، وعلى هذا ابن سمية منادى مضاف أي : يا ابن سمية . وقال شارح : المعنى : يا شدة ما يلقاه ابن سمية من الفئة الباغية نادى بؤسه وأراد نداءه ، ولذا خاطبه بقوله : ( تقتلك الفئة الباغية ) . أي : الجماعة الخارجة على إمام الوقت وخليفة الزمان . قال الطيبي : ترحم عليه بسبب الشدة التي يقع فيها عمار من قبل الفئة الباغية يريد به معاوية وقومه ، فإنه قتل يوم صفين . وقال ابن الملك : اعلم أن عمارا قتله معاوية وفئته ، فكانوا طاغين باغين ، بهذا الحديث ، لأن عمارا كان في عسكر علي ، وهو المستحق للإمامة ، فامتنعوا عن بيعته . وحكي أن معاوية كان يؤول معنى الحديث ويقول : نحن فئة باغية طالبة لدم عثمان ، وهذا كما ترى تحريف ، إذ معنى طلب الدم غير مناسب هنا لأنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر الحديث في إظهار فضيلة عمار وذم قاتله ، لأنه جاء في طريق ويح . قلت : ويح كلمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها فيترحم عليه ويرثى له ، بخلاف ويل ، فإنها كلمة عقوبة تقال للذي يستحقها ولا يترحم عليه ، هذا وفي الجامع الصغير برواية الإمام أحمد والبخاري عن أبي سعيد مرفوعا ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10364687nindex.php?page=treesubj&link=31700_31022ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ) وهذا كالنص الصريح في المعنى الصحيح المتبادر من البغي المطلق في الكتاب ، كما في قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي وقوله سبحانه : nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فإن بغت إحداهما على الأخرى فإطلاق اللفظ الشرعي على إرادة المعنى اللغوي عدول عن العدل ، وميل إلى الظلم الذي هو وضع الشيء في غير موضعه .
[ ص: 3786 ] والحاصل أن البغي بحسب المعنى الشرعي والإطلاق العرفي ، خص عموم معنى الطلب اللغوي إلى طلب الشر الخاص بالخروج المنهي ، فلا يصح أن يراد به طلب دم خليفة الزمان ، وهو عثمان رضي الله عنه ، وقد حكي عن معاوية تأويل أقبح من هذا حيث قال : إنما قتله علي وفئته حيث حمله على القتال ، وصار سببا لقتله في المآل ، فقيل له في الجواب : فإذن قاتل حمزة هو النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كان باعثا له على ذلك ، والله سبحانه وتعالى حيث أمر المؤمنين بقتال المشركين .
والحاصل أن هذا الحديث فيه معجزات ثلاث : إحداها : أنه سيقتل ، وثانيها : أنه مظلوم ، وثالثها : أن قاتله باغ من البغاة ، والكل صدق وحق ، ثم رأيت الشيخ أكمل الدين قال : الظاهر أن هذا أي : التأويل السابق عن معاوية ، وما حكي عنه أيضا من أنه قتله من أخرجه للقتل وحرضه عليه كل منهما افتراء عليه ، أما الأول فتحريف للحديث ، وأما الثاني فلأنه ما أخرجه أحد ، بل هو خرج بنفسه وماله مجاهدا في سبيل الله قاصدا لإقامة الغرض ، وإنما كان كل منهما افتراء على معاوية لأنه رضي الله عنه أعقل من أن يقع في شيء ظاهر الفساد على الخاص والعام .
قلت : فإذا كان الواجب عليه أن يرجع عن بغيه بإطاعته الخليفة ، ويترك المخالفة وطلب الخلافة المنيفة ، فتبين بهذا أنه كان في الباطن باغيا ، وفي الظاهر متسترا بدم عثمان مراعيا مرائيا ، فجاء هذا الحديث عليه ناعيا ، وعن عمله ناهيا ، لكن كان ذلك في الكتاب مسطورا ، فصار عنده كل من القرآن والحديث مهجورا ، فرحم الله من أنصف ولم يتعصب ولم يتعسف ، وتولى الاقتصاد في الاعتقاد ، لئلا يقع في جانبي سبيل الرشاد من الرفض والنصب بأن يحب جميع الآل والصحب . ( رواه مسلم ) .