الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5922 - وعن يعلى بن مرة الثقفي - رضي الله عنه - قال : ثلاثة أشياء رأيتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينا نحن نسير معه إذ مررنا لبعير يسنى عليه فلما رآه البعير جرجر ، فوضع جرانه ، فوقف عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( أين صاحب هذا البعير ؟ ) فجاءه ، فقال : ( بعنيه ) فقال : بل نهبه لك يا رسول الله ! وإنه لأهل بيت ما لهم معيشة غيره . قال : أما إذ ذكرت هذا من أمره ، فإنه شكا كثرة العمل وقلة العلف ، فأحسنوا إليه ، ثم سرنا حتى نزلنا منزلا ، فنام النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ، ثم رجعت إلى مكانها ، فلما استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرت له . فقال : ( هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذن لها ) . قال : ثم سرنا فمررنا بماء فأتته امرأة بابن لها به جنة فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنخره ثم قال : ( اخرج فإني محمد رسول الله ) ثم سرنا فلما رجعنا مررنا بذلك الماء فسألها عن الصبي ، فقالت : والذي بعثك بالحق ما رأينا فيه ريبا بعدك . رواه في ( شرح السنة ) .

التالي السابق


5922 - ( وعن يعلى بن مرة الثقفي ) : قال المؤلف شهد الحديبية وخيبر والفتح وحنينا والطائف ، روى عنه جماعة ، وعداده في الكوفيين . ( قال : ثلاثة أشياء ) ، أي : من المعجزات ( رأيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم - ) ، أي : في سفر واحد ( بينا نحن نسير معه ، إذ مررنا ببعير يسنى ) : على بناء المفعول أي : يستقى ( عليه فلما رآه البعير جرجر ) ، أي : صاح من الجرجرة ، وهي صوت تردد البعير في حلقه على ما ذكره القاضي ، فالمعنى ردد الصوت في حلقه ( فوضع جرانه ) بكسر الجيم أي مقدم عنقه ، وقيل : باطن عنقه ( فوقف عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( أين صاحب هذا [ ص: 3820 ] البعير ) ؟ أي مالكه ( فجاءه فقال : بعنيه ، فقال : بل نهبه لك ) ، أي : لا نبيعه إياك بل نعطيك هبة ( يا رسول الله ) ! فإن رسالتك تقتضي جلالتك ( وإنه ) : بكسر الهمز والضمير للبعير أي : والحال أنه ( لأهل بيت ) : أراد نفسه وعياله ( ما لهم معيشة ) أي : ليس لهم ما يعيشون به ( غيره . قال : أما ) : بتشديد الميم ، وفي نسخة بتخفيفها على أنها للتنبيه وهو ظاهر لقوله : ( إذا ذكرت هذا من أمره ) ، أي : فاعلم أني ما طلبت شراءه إلا لتخليصه لا لغرض آخر به ( فإنه شكا كثرة العمل وقلة العلف ) ، فإذا كان كذلك بأن امتنع البيع ( فأحسنوا إليه ) ، أي : بكثرة العلف وقلة العمل مع جواز كثرتهما وقلتهما ، إذ الظلم هو الجمع بين كثرة العمل وقلة العلف . قال الطيبي : جواب أما محذوف ، وقوله : فإنه شكا جواب لا ، ما المقدرة تقديره ، أما إذا ذكرت أن البعير لأهل بيت ما لهم معيشة فلا ألتمس شراءه ، وأما البعير فتعاهدوه فإنه اشتكى إذ لا بدلا ، ما التفصيلية من التكرار . أقول : الظاهر أن جواب أما المقدرة فتعاهدوه ، وأما قوله فإنه شكا فإنه علة للجواب والله أعلم بالصواب .

وفي المغني : أما بالفتح والتشديد هي حرف شرط وتفصيل وتأكيد ، ثم قال : وقد تأتي لغير تفصيل أصلا نحو : أما يزيد فمنطلق ، وأما التأكيد فقل من ذكره ، ولم أر من أحكم شرحه غير الزمخشري ، فإنه قال فائدة ، أما في الكلام أن يعطيه فضل تأكيد تقول : يزيد ذاهب ، فإذا قصدت تأكيد ذلك ، وأنه لا محالة ذاهب ، وأنه بصدد الذهاب ، وأنه منه عزيمة . قلت : أما يزيد فذاهب ، ولذلك قال سيبويه في تفسيره : مهما يكن من شيء فزيد ذاهب ، وهذا التفسير يدل بفائدتين بيان كونه تأكيدا وأنه في معنى الشرط . ( ثم سرنا ) ، أي : سافرنا أو تحولنا من مكاننا ( حتى نزلنا منزلا ، فنام النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءت شجرة تشق الأرض ) ، أي : تقطعها ( حتى غشيته ) ، أي أتته وأظلته ( ثم رجعت إلى مكانها ، فلما استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرت له ) أي أنا . وفي نسخة بصيغة المجهول أي : ذكرت القضية له ، وهو يحتمل احتمالين . ( فقال : هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول الله ، فأذن لها ) . أي فجاءت للسلام .

( قال ) ، أي : يعلى ( ثم سرنا فمررنا بماء ) ، أي : بموضع ماء فيه جمع من أهله ، وقال شارح ، أي : بقبيلة ( فأتته امرأة بابن لها به جنة ) : بكسر الجيم أي جنون ( فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنخره ) : بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة في النسخ كلها . وفي القاموس : المنخر بفتح الميم والخاء وبكسرهما وضمهما وكمجلس الأنف ( ثم قال ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - للمجنون أو الشيطان الذي فيه ( اخرج ) ، أي : منه ( فإني محمد رسول الله ، ثم سرنا ، فلما رجعنا مررنا بذلك الماء فسألها ) ، أي : المرأة ( عن الصبي ، فقالت : والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ) ، أي : من الصبي ( ريبا ) : بفتح الراء وسكون الياء أي شيئا نكرهه ( بعدك ) ، أي : بعد مفارقتك أو بعد دعائك ، ومنه قوله تعالى : ريب المنون أي حوادث الدهر ، وقيل : ما رأينا منه ما أوقعنا في شك من حاله وتضجرنا من أمره ، ومنه قوله سبحانه : لا ريب فيه ( رواه ) أي : البغوي ( في شرح السنة ) ، أي : بإسناده .

[ ص: 3821 ]



الخدمات العلمية