الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5957 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس على المنبر فقال : ( إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء ، وبين ما عنده ، فاختار ما عنده ) . فبكى أبو بكر قال : فديناك بآبائنا وأمهاتنا ، فعجبنا له ، فقال الناس : انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده ، وهو يقول : فديناك بآبائنا وأمهاتنا ! ! فكان رسول الله هو المخير ، وكان أبو بكر أعلمنا . متفق عليه .

التالي السابق


5957 - ( وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس على المنبر ) ، أي : في مرضه الذي مات فيه كما في رواية ، وفي أخرى كان هذا قبل أن يموت بخمس ليال ( فقال : إن عبدا ) ، أي : عظيما كما يدل عليه قوله : ( خيره الله ) ، أي : جعله مخيرا ( بين أن يؤتيه ) ، أي : يعطيه ( من زهرة الدنيا ) : بفتح الزاي ، أي : بهجتها وحسنها وزينتها ( ما شاء ) : مفعول مؤخر عن مبينه ، والمعنى مقدار ما أراد من طول العمر والبقاء في الدنيا والتمتع بها ( وبين ما عنده ) ، أي : الله سبحانه مما أعد له من أنواع النعيم المقيم ولذة اللقاء من الوجه الكريم ، ( فاختار ما عنده ) ، أي : لأنه خير وأبقى ( فبكى أبو بكر ) ، أي : لكمال فهمه وإدراكه حيث عرف مفارقته - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا بقرينة المرض ، أو لأن اختيار ما عند الله وترك زهرة الدنيا بحسب الظاهر من مقدمات مراتب الأولياء ، ومن المعلوم أنه لا يناسب مقام سيد الأنبياء ، فانتقل إلى أن معناه بطريق الإشارة اختيار الموت واللقاء وترك الحياة والبقاء ( قال ) : استئنافا ( فديناك بآبائنا وأمهاتنا ) ، أي : معهم لو كان ينفع الفداء .

قال الراوي : ( فعجبنا له ) ، أي : لأبي بكر حيث يفديه ولا هناك باعث يقتضيه ، وما ذاك إلا لعدم فهمهم ما فهمه من الإشارة لتقيدهم بظاهر العبارة . ( فقال الناس ) ، أي : بعضهم لبعض ( انظروا ) ، أي : نظر تعجب ( إلى هذا الشيخ ) ، أي : مع كبره المقتضي لوقاره ، وريادة عقله وفهمه ( يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عبد ) ، أي : منكر غير معين ( خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده ، وهو ) ، أي : الشيخ ( يقول فديناك بآبائنا وأمهاتنا ) ! ! أي : ومثل هذا ما يقال إلا لعظيم يريد الانتقال من الدنيا إلى العقبى ، قال أبو سعيد : ( فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المخير ) ، بالنصب وهو ضمير الفصل ، وفي نسخة بالرفع وله وجه ، والمعنى فظهر لنا في آخر الأمر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان العبد المخير ( وكان أبو بكر أعلمنا ) . أي : أكثر علما منا حيث علم أولا أن المخير هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعلم اسم تفضيل ، ولا يبعد أن يكون فعلا ماضيا أي : وقد كان أعلمنا بالقضية لكنا ما فهمناها بالكلية . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية