الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5958 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتلى أحد بعد ثمان سنين ، كالمودع للأحياء والأموات ، ثم طلع المنبر فقال : ( إني بين أيديكم فرط ، وأنا عليكم شهيد ، وإن موعدكم الحوض وإني لأنظر إليه وأنا في مقامي هذا ، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكنى أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها ) . وزاد بعضهم : ( فتقتتلوا ، فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم ) . متفق عليه .

التالي السابق


5958 - ( وعن عقبة بن عامر ) ، جهني ، روى عنه نفر من الصحابة وخلق كثير من التابعين ، ذكره المؤلف في الصحابة ( قال : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتلى أحد ) : جمع قتيل ، والمراد بهم الشهداء ( بعد ثمان سنين ) ، أي : من دفنهم ، فقيل : صلى عليهم صلاة الجنازة ، وهو الظاهر المتبادر ، فهو من خصوصياته أو خصوصيتهم . وقال الشافعي : المراد بالصلاة الدعاء ( كالمودع للأحياء والأموات ) ، قال المظهر ، أي : استغفر لهم ، واستغفاره لهم كالوداع للأحياء والأموات ، فبخروجه من بينهم ، وأما الأموات فبانقطاع دعائه واستغفاره لهم ، قال السيوطي : وذلك قرب موته - صلى الله عليه وسلم - ( ثم طلع المنبر فقال : ( إني بين أيديكم فرط ) ، بفتح الفاء والراء ، وهو الذي يتقدم الواردة فيهيء لهم الرشاء والدلاء ويسقي لهم ، وهو فعل بمعنى فاعل كتبع بمعنى تابع ، يريد أنه شفيع لهم لأنه يتقدمهم ، والشفيع يتقدمهم على المشفوع ، وقد روى الترمذي في الشمائل عن ابن عباس يحدث أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( من كان له فرطان من أمتي أدخله الله بهما الجنة ) فقالت له عائشة : فمن كان له فرط من أمتك ؟ قال ( ومن كان له فرط يا موفقة ) قالت : فمن لم يكن له فرط من أمتك ؟ قال : ( فأنا فرط لأمتي لن يصابوا بمثلي ) . ( وأنا عليكم شهيد ) ، أي : مطلع على أحوالكم إذ تعرض علي أعمالكم ، أو أنا شاهد لكم ومثن عليكم ( وإن موعدكم ) ، أي : مكان وعدكم للشفاعة الخاصة بكم في يوم الجمع ( الحوض ) ، أي : وروده ، فإنه حينئذ يتميز الخبيث من الطيب .

[ ص: 3845 ] والمنافق من المؤمن ، فتكون الشفاعة لأمة الإجابة ( وإني لأنظر ) ، أي : الآن ( إليه ) ، أي : إلى الحوض ( وأنا في مقامي هذا ) ، أي : فوق المنبر وهو على ظاهره ، وكأنه كشف له عنه في تلك الحالة ( وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ) ، أي : ستفتح لأمتي خزائن الأرض بفتح بلادها وإيمان عبادها ، ( وإني لست أخشى عليكم ) ، أي : على مجموعكم ( أن تشركوا بعدي ) ; لأن ذلك قد وقع من بعض ( ولكني قد أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا ) : بحذف إحدى التاءين أي ترغبوا ( فيها ) . رغبة الشيء النفيس ، وتميلوا إليها كل الميل ، فإن المنافسة لا تناسب النعم الفانية ، بل تختص بالأمور الباقية ، ولذا قال تعالى : وفي ذلك فليتنافس المتنافسون أي : المؤمنون الكاملون ( وزاد بعضهم ) ، أي : بعض الرواة على ما سبق قوله : ( فتقتتلوا ) ، أي : يقتل بعضكم بعضا للملك والمال ( فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم ) . أي : في المال بأسوأ الحال . قال النووي : فيه معجزات لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن معناه الإخبار بأن أمته تملك خزائن الأرض وقد وقع ذلك . وأنهم لا يرتدون ، وقد عصمهم الله - تعالى - من ذلك وأنهم يتنافسون في الدنيا وقد وقع ذلك . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية