الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6217 - وعن أنس قال إن ناسا من الأنصار قالوا حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء فطفق يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل فقالوا يغفر الله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم . فحدث لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمقالتهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم أحدا غيرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ما حديث بلغني عنكم ، فقال فقهاؤهم : أما ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا يغفر الله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي قريشا ويدع الأنصار وسيوفنا تقطر من دمائهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم ، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا بلى يا رسول الله قد رضينا " . متفق عليه .

التالي السابق


6217 - ( وعن أنس قال : إن ناسا ) أي : جمعا ( من الأنصار قالوا حين أفاء الله على رسوله ) أي : أعطاه ( فيئا ) ، أي : غنيمة ( من أموال هوازن ) : وهي قبيلة شهيرة ( ما أفاء ) ، أي : شيئا أفاءه عليه ( فطفق ) ، أي : فأخذ وشرع ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرانة ) : حين مرجعه من الطائف ( يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل ) ومن جملتهم أبو سفيان والد معاوية ، وكان إعطاؤه تألفا لهم بالإسلام ، ولذا كان يعطي الصادقين من المهاجرين والأنصار أقل من المائة ( فقالوا ) ، أي : ناس من الأنصار زعما منهم أنه - صلى الله عليه وسلم - يراعي بعض قومه من قريش ( يغفر الله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي قريشا ) ، أي : شيئا كثيرا ( ويدعنا ) ، أي : يتركنا في إعطاء الكثير ( وسيوفنا تقطر ) : بضم الطاء أي : والحال أن سيوفنا نحن معاشر الأنصار تنقط ( من دمائهم ) أي : من دماء كفار قريش بمحاربتنا إياهم .

[ ص: 4008 ] حتى يسلموا . قال الطيبي : قولهم يغفر الله توطئة وتمهيد لما يرد بعده من العتاب ، كقوله تعالى : عفا الله عنك لم أذنت لهم وقولهم : وسيوفنا تقطر من دمائهم من باب قول العرب : عرضت الناقة على الحوض . اهـ . ولا يبعد أن يكون التقدير وسيوفنا باعتبار ما عليها تقطر من دمائهم وهو إشعار بقرب قتلهم كفار قريش ، وإيماء إلى أنهم أولى بزيادة البر ، فالجملة حال مقررة لجهة الإشكال ( فحدث ) : بضم حاء وتشديد دال مكسورة أي : فأوحي ( لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمقالتهم ) أي : بقول ذلك البعض من الأنصار ( فأرسل ) ، أي : الرسول رسولا ( إلى الأنصار فجمعهم ) ، أي : الرسول أو أمر بجمعهم ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قبة ) ، أي : خيمة ( من أدم ) : بفتحتين أي : جلد ( ولم يدع ) : بسكون الدال وضم العين أي : لم يطلب ، وفي نسخة بفتح الدال وسكون العين أي : لم يترك معهم ( أحدا غيرهم ، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ما حديث " ) ، أي : أي شيء خبر عظيم ؟ ( " بلغني عنكم " فقال فقهاؤهم ) ، أي : علماؤهم أو عقلاؤهم ( أما ذوو رأينا ) ، أي : أصحاب عقولنا وفهومنا ( يا رسول الله فلم يقولوا شيئا ) ، أي : من هذا الباب ( وأما أناس ) : بضم الهمز لغة في ناس أي : جماعة ( منا حديثة ) ، أي : جديدة ( أسنانهم ) : جمع السن بمعنى العمر ، والمراد منهم الشبان ( قالوا : يغفر الله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي قريشا ويدع الأنصار ) ، أي : يتركهم ( وسيوفنا تقطر من دمائهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني أعطي " ) ، أي : من هذا المال ( " رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم " ) ، أي : أطلب ألفتهم بالإسلام بإعطاء المال لا لكونهم من قريش أو لغرض آخر من الأحوال ( " أما ترضون أن يذهب الناس " ) ، أي : غيركم من المتألفة قلوبهم ( " بالأموال وترجعون إلى رحالكم " ) بكسر الراء أي : منازلكم في المدينة ( " برسول الله " ) وفي نسخة - صلى الله عليه وسلم - ( قالوا : بلى يا رسول الله قد رضينا ) . فيه تأكيد لما فهم من بلى ، وما أحسن من قال من أرباب الذوق والحال :


رضينا قسمة الجبار فينا لنا علم وللأعداء مال

فإن المال يفنى عن قريب
وإن العلم يبقى لا يزال

.

( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية