الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
6239 - وعن أبي ذر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=10368051nindex.php?page=treesubj&link=31489ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر شبه عيسى ابن مريم يعني في الزهد . رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي .
6239 - ( وعن أبي ذر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10368052ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة " ) : بفتح فسكون وقيل بفتحتين وهي اللسان ، وقيل طرفه ، والمعنى من ذي نطق ، وقيل لهجة اللسان ما ينطق به أي من صاحب كلام ( " أصدق " ) ، أي : أكثر صدق ( " ولا أوفى " ) ، أي : بكلامه من الوعد والعهد ( " من nindex.php?page=treesubj&link=31488أبي ذر " ) : قال الطيبي : من زائدة ، وذي لهجة معمول أقلت ، وقد تنازع فيه العاملان فأعمل الثاني ، وهو مذهب البصريين ، وهذا دليل ظاهر لهم كقوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=5يستغفر لكم رسول الله لو أعمل الأول لنصب رسول الله ، فعلى هذا أصدق في الحديث صفة موصوف محذوف أي : ولا أقلت الغبراء أحدا ذا لهجة أصدق . قلت : الموصوف الذي ذكره بعينه مذكور ، لكنه يحتاج إلى موصوف آخر فالتقدير ولا أقلت الغبراء أحدا ذا لهجة أصدق ، ثم قوله : لو أعمل الأول لنصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " مسامحة لأن تعالوا غير متعد بنفسه . بل بحرف الجر كما في قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=64قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة فالأظهر أن متعلقه محذوف للاكتفاء بظهوره ، فلا يكون من هذا الباب والله أعلم بالصواب . ( " شبه عيسى ابن مريم " ) ، بالجر بدل أي شبيهه ، وفي الاستيعاب من الحديث : من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبي ذر انتهى . فالتشبيه يكون من جهة التواضع ، فقول الراوي : ( يعني في الزهد ) . مبني على عدم اطلاعه للحديث المذكور مع أنه لا منافاة بين أن يكون متواضعا وزاهدا ، بل الزهد هو الموجب للتواضع ، ثم قوله يعني في الزهد ليس في المصابيح ، وإنما هو من زوائد صاحب المشكاة ( رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ) .
قال ميرك : وزاد فيه : فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : أفتعرف ذلك له ؟ قال : " نعم فعرفوه له " . انتهى . وهو حديث رجاله موثوقون . وفي الجامع : رواه أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وأبو داود والحاكم في مستدركه عن ابن عمر : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10368052وما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر " قال التوربشتي قوله : أصدق من أبي ذر مبالغة في صدقه ، لا أنه أصدق من كل على الإطلاق ; لأنه لا يكون أصدق من أبي بكر بالإجماع ، فيكون عاما قد خص قال الطيبي : يمكن أن يراد به أنه لا يذهب إلى التورية والمعاريض في الكلام ، فلا يرخي عنان كلامه ، ولا يواسي مع الناس ولا يسامحهم ، ويظهر الحق البحت والصدق المحض ، ومن ثمة عقبه بقوله : ولا أوفى أي يوفي حق الكلام إيفاء لا يغادر شيئا منه . وقد روى الإمام أحمد عن أبي ذر : أنه استأذن على عثمان فأذن له وبيده عصاه فقال عثمان : يا كعب إن عبد الرحمن توفي وترك مالا فما ترى فيه ؟ فقال : إن كان يصل فيه حق الله تعالى فلا بأس عليه ، فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعبا وقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10359523ما أحب لو أن لي هذا الجبل ذهبا أنفقه ويتقبل مني أذر خلفي منه ست أواقي " أنشدك بالله يا عثمان أسمعته ثلاث مرات ، قال : نعم ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أن عثمان استقدمه لشكوى معاوية منه فأسكنه الربذة فمات بها . وقال علي في حقه : ذاك رجل وعى علما عجز عنه الناس ، ثم أوكئ عليه شيء .
محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك ، وقيل : هو محمد بن عيسى بن يزيد بن سورة بن السكن : الحافظ ، العلم ، الإمام ، البارع ابن عيسى السلمي الترمذي الضرير ، مصنف " الجامع " ، وكتاب " العلل " ، وغير ذلك .
اختلف فيه ، فقيل : ولد أعمى ، والصحيح أنه أضر في كبره ، بعد رحلته وكتابته العلم . [ ص: 271 ] ولد في حدود سنة عشر ومائتين وارتحل ، فسمع بخراسان والعراق والحرمين ، ولم يرحل إلى مصر والشام .
حدث عن : قتيبة بن سعيد ، وإسحاق ابن راهويه ، ومحمد بن عمرو السواق البلخي ، ومحمود بن غيلان ، وإسماعيل بن موسى الفزاري ، وأحمد بن منيع ، وأبي مصعب الزهري ، وبشر بن معاذ العقدي ، والحسن بن أحمد بن أبي شعيب ، وأبي عمار الحسين بن حريث ، والمعمر عبد الله بن معاوية الجمحي ، وعبد الجبار بن العلاء ، وأبي كريب ، وعلي بن حجر ، وعلي بن سعيد بن مسروق الكندي ، وعمرو بن علي الفلاس ، وعمران بن موسى القزاز ، ومحمد بن أبان المستملي ، ومحمد بن حميد الرازي ، ومحمد بن عبد الأعلى ، ومحمد بن رافع ، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، ومحمد بن يحيى العدني ، ونصر بن علي ، وهارون الحمال ، وهناد بن السري ، وأبي همام الوليد بن شجاع ، ويحيى بن أكثم ، ويحيى بن حبيب بن عربي ، ويحيى بن درست البصري ، ويحيى بن طلحة اليربوعي ، ويوسف بن حماد المعني ، وإسحاق بن موسى الخطمي ، وإبراهيم بن عبد الله الهروي ، وسويد بن نصر المروزي .
فأقدم ما عنده حديث مالك والحمادين ، والليث ، وقيس بن الربيع ، وينزل حتى إنه أكثر عن البخاري ، وأصحاب هشام بن عمار ونحوه .
حدث عنه : أبو بكر أحمد بن إسماعيل السمرقندي ، وأبو حامد أحمد بن عبد الله بن داود المروزي ، وأحمد بن علي بن حسنويه المقرئ ، وأحمد [ ص: 272 ] بن يوسف النسفي ، وأسد بن حمدويه النسفي ، والحسين بن يوسف الفربري وحماد بن شكر الوراق ، وداود بن نصر بن سهيل البزدوي والربيع بن حيان الباهلي ، وعبد الله بن نصر أخو البزدوي ، وعبد بن محمد بن محمود النسفي ، وعلي بن عمر بن كلثوم السمرقندي ، والفضل بن عمار الصرام ، وأبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب ، راوي " الجامع " ، وأبو جعفر محمد بن أحمد النسفي ، وأبو جعفر محمد بن سفيان بن النضر النسفي الأمين ، ومحمد بن محمد بن يحيى الهروي القراب ، ومحمد بن محمود بن عنبر النسفي ، ومحمد بن مكي بن نوح النسفي ، ومسبح بن أبي موسى الكاجري ومكحول بن الفضل النسفي ، ومكي بن نوح ، ونصر بن محمد بن سبرة ، والهيثم بن كليب الشاشي الحافظ ، راوي " الشمائل " عنه ، وآخرون . وقد كتب عنه شيخه أبو عبد الله البخاري ، فقال الترمذي في حديث عطية ، عن أبي سعيد ، يا علي : لا يحل لأحد أن يجنب في المسجد غيري وغيرك سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث . [ ص: 273 ] وقال ابن حبان في " الثقات " : كان أبو عيسى ممن جمع ، وصنف ، وحفظ ، وذاكر .
وقال أبو سعد الإدريسي : كان أبو عيسى يضرب به المثل في الحفظ . وقال الحاكم : سمعت عمر بن علك يقول : مات البخاري ، فلم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى ، في العلم والحفظ ، والورع والزهد . بكى حتى عمي ، وبقي ضريرا سنين . ونقل أبو سعد الإدريسي بإسناد له ، أن أبا عيسى قال : كنت في طريق مكة ، فكتبت جزأين من حديث شيخ ، فوجدته فسألته ، وأنا أظن أن الجزأين معي ، فسألته ، فأجابني ، فإذا معي جزآن بياض ، فبقي يقرأ علي من لفظه ، فنظر ، فرأى في يدي ورقا بياضا ، فقال : أما تستحي مني ؟ فأعلمته بأمري ، وقلت : أحفظه كله . قال : اقرأ . فقرأته عليه ، فلم يصدقني ، وقال : استظهرت قبل أن تجيء ؟ فقلت : حدثني بغيره . قال : فحدثني بأربعين حديثا ، ثم قال : هات . فأعدتها عليه ، ما أخطأت في حرف . قال شيخنا أبو الفتح القشيري الحافظ : ترمذ ، بالكسر ، وهو [ ص: 274 ] المستفيض على الألسنة حتى يكون كالمتواتر . وقال المؤتمن الساجي : سمعت عبد الله بن محمد الأنصاري يقول : هو بضم التاء . ونقل الحافظ أبو الفتح بن اليعمري أنه يقال فيه : ترمذ ، بالفتح
وعن أبي علي منصور بن عبد الله الخالدي ، قال : قال أبو عيسى صنفت هذا الكتاب ، وعرضته على علماء الحجاز ، والعراق وخراسان ، فرضوا به ، ومن كان هذا الكتاب -يعني " الجامع " - في بيته ، فكأنما في بيته نبي يتكلم . قلت : في " الجامع " علم نافع ، وفوائد غزيرة ، ورءوس المسائل ، وهو أحد أصول الإسلام ، لولا ما كدره بأحاديث واهية ، بعضها موضوع ، وكثير منها في الفضائل .
وقال أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق : " الجامع " على أربعة أقسام : قسم مقطوع بصحته ، وقسم على شرط أبي داود والنسائي كما بينا ، وقسم أخرجه للضدية ، وأبان عن علته ، وقسم رابع أبان عنه ، فقال : ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثا قد عمل به بعض الفقهاء ، سوى حديث : فإن شرب في الرابعة فاقتلوه وسوى حديث : جمع بين الظهر [ ص: 275 ] والعصر بالمدينة ، من غير خوف ولا سفر [ ص: 276 ] قلت : " جامعه " قاض له بإمامته وحفظه وفقهه ، ولكن يترخص في قبول الأحاديث ، ولا يشدد ، ونفسه في التضعيف رخو . [ ص: 277 ] وفي " المنثور " لابن طاهر : سمعت أبا إسماعيل شيخ الإسلام يقول : " جامع " الترمذي أنفع من كتاب البخاري ومسلم ، لأنهما لا يقف على الفائدة منهما إلا المتبحر العالم ، و " الجامع " يصل إلى فائدته كل أحد .
قال غنجار وغيره : مات أبو عيسى في ثالث عشر رجب ، سنة تسع وسبعين ومائتين بترمذ .