الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
642 - وعن أبي محذورة - رضي الله عنه - ، قال : ألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه . فقال : " قل : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله . ثم تعود فتقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله . حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح . الله أكبر ، الله أكبر . لا إله إلا الله ) . رواه مسلم .

التالي السابق


642 - ( وعن أبي محذورة ) : اسمه : سمرة أو سلمة بن مغيرة قاله ميرك ( قال : ألقى ) : أي : أملى ( علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه ) : قال الطيبي : أي لقنني كل كلمة من هذه الكلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني أبو محذور تصوير تلك الحالة ، ولهذا عدل عن الماضي إلى المضارع في قوله : ثم تعود فتقول اهـ . والظاهر أنه عدول عن الأمر إلى المضارع لقوله ( فقال : ( قل ) : وبيانه أن ( ثم تعود ) عطف على ( قل ) لا على ( ألقى ) فتأمل ( الله أكبر ) : بسكون الراء ، وترفع ذكر في النهاية والغريبين : أن الراء في أكبر ساكنة في الأذان والصلاة كذا سمع موقوفا غير معرب في مقاطعه كقولهم : حي على الصلاة حي على الفلاح ، وقال ابن حجر : يسن للمؤذن الوقف على كل كلمة من هذه الأربعة وكذا ما بعد ما لأنه روي موقوفا وإن وصل على خلاف السنة ، فالذي عليه الأكثرون ضم الراء واختار المبرد فتحها ، ووجهه أن الفتح أخف ، وهو مستلزم تفخيم لام الجلالة كما حقق في : ( الم الله ) وإلا فالقاعدة المشهورة أن الساكن إذا حرك حرك بالكسر كما في لم يكن الذين و ( قل اللهم ) ( الله أكبر ) : أي : أكبر من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته ، أو من أن ينسب إليه مما لا يليق بجلاله ، أو من كل شيء وفي الغريبين قيل : معناه الله كبير ، وبين بعض المحققين أن أفعل قد يقطع عن متعلقه قصدا إلى نفس الزيادة وإفادة المبالغة ونظيره : فلان يعطي ويمنع أي : توجد حقيقتهما فيه ، وإفادة المبالغة من حيث إن الموصوف تفرد بهذا الوصف وانتهى أمره فيه إلى أن لا يتصور له من يشاركه فيه ، وعلى هذا يحمل كل ما جاء من أوصاف الباري - جل وعلا - نحو : أعلم . وقال ابن الهمام : إن أفعل وفعيلا صفاته تعالى سواء ; لأنه لا يراد بأكبر إثبات الزيادة في صفته بالنسبة إلى غيره بعد المشاركة ، لأنه لا يساويه أحد في أصل الكبرياء ، فكان أفعل بمعنى فعيل ، لكن في المغرب : الله أكبر من كل شيء ، وتفسيرهم إياه بالكبير ضعيف ، ويمكن أن يكون المراد من كون كبير وأكبر واحدا في صفاته أن المراد من الكبير المسند إليه الكبرياء بالنسبة إلى كل ما سواه ، وذلك بأن يكون كل ما سواه بالنسبة إليه ليس بكبير ، وهذا المعنى هو المراد بأكبر فتدبر ، ولكن لما كان هذا المعنى في أكبر أظهر لم يجوز بعضهم في التحريمة إلا أن يقال الله أكبر ( الله أكبر ، الله أكبر ) : أي : أكبر أربع مرات ، وابتدئ به ، لأن في لفظة الله أكبر مع اختصارها إثبات الذات وسائر ما يستحقه من الكمالات ، ولأن هذا الذكر مما يستحب أن يقال في كل مقام عال ، والغالب أن الأذان يكون في مكان مرتفع ، ولعل وجه تكريره أربعا إشارة إلى أن هذا الحكم جار في الجهات الأربع وسار في تطهير شهوات النفس الناشئة عن طبائعها الأربع ، ( أشهد ) : أي : أعلم وأبين ( أن لا إله ) : أي : لا معبود بحق في الوجود ( إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله . ثم تعود ) : أي : ترجع بهذه الكلمات ( فتقول ) : بالخطاب فيهما وهما فعلان بمعنى الأمر ( أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ) : قال الطيبي : إشارة إلى الترجيع وهو رفع الصوت بكلمتي الشهادة بعد الخفض بهما ، وهو سنة عند الشافعي خلافا لأبي حنيفة يعني فإنه حمل على أنه كان تعليما فظن ترجيعا أي : قل أشهد أن لا إله إلا الله مرتين . وأشهد أن محمدا رسول الله مرتين . قال بعض علمائنا : وحديث أبي محذورة عند من لا يرى الترجيع مؤولا على أن أبا محذورة لم يرفع صوته بتلك الكلمات التي هي علم الإيمان ومنار التوحيد ، فأمره أن يرجع فيمد بها صوته ( حي على الصلاة ) : حي : اسم فعل بمعنى الأمر وفتحت ياؤه لسكون ما قبلها ( حي على الصلاة ) : قال الطيبي : أي : هلموا إليها وأقبلوا عليها ، وتعالوا مسرعين ، ومنه حديث ابن مسعود : إذا ذكر الصالحون فحيعلا لعمر أي : ابدأ به واعجل بذكره ، وهما كلمتان جعلتا كلمة واحدة . أقول : لما قيل حي أي أقبل قيل له : على أي شيء ؟ أجيب : على الصلاة . ذكر نحوه الكشاف في قوله تعالى : هيت لك

‌‌ [ ص: 549 ] ( حي على الفلاح ، حي على الفلاح ) : أي : الخلاص من كل مكروه ، والظفر بكل مراد . وقيل : الفلاح البقاء أي أسرعوا إلى ما هو سبب الخلاص من العذاب والظفر بالثواب والبقاء في دار المآب ، وهو الصلاة مطلقا أو مقيدا بالجماعة ( الله أكبر ، الله أكبر ) : كرره بما ختم به اقتصارا ( لا إله إلا الله ) : ختم به إشارة إلى التوحيد المحض اختصارا ، وليوافق النهاية إيماء إلى أنه الأول والآخر ( رواه مسلم ) : والأربعة وأحمد قاله ميرك .

اعلم أنه في متن صحيح مسلم عن أبي محذورة : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم علمه هذا الأذان : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، مرتين ، ثم يعود فيقول ، أي بالغيبة فيهما : أشهد أن لا إله إلا الله مرتين . أشهد أن محمدا رسول الله مرتين . حي على الصلاة مرتين . حي على الفلاح مرتين . زاد إسحاق : الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله .

قال النووي في شرح مسلم : هكذا وقع في الحديث في صحيح مسلم في أكثر الأصول في أوله : الله أكبر الله أكبر مرتين فقط ، ووقع في غير مسلم أربع مرات .

قال ابن الهمام : روى أبو داود والنسائي التكبير في أوله أربعا ، وإسناده صحيح . قال القاضي عياض : ووقع في بعض طرق الفارسي في صحيح مسلم أربع مرات ، وبالتربيع قال أبو حنيفة ، والشافعي وأحمد ، وجمهور العلماء . وبالتثنية قال مالك ، واحتج بهذا الحديث ، وبأنه عمل أهل المدينة وهم أعرف بالسنن ، واحتج الجمهور بأن الزيادة من الثقة مقبولة ، وبأن التربيع عمل أهل مكة وهي مجمع المسلمين في المواسم وغيرها ، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم . قال ابن الهمام : وروى الطبراني في الأوسط ، عن أبي محذورة يقول : ألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان حرفا حرفا : الله أكبر الله أكبر إلخ . ولم يذكر ترجيعا فتعارضا فتساقطا ، ويبقى حديث ابن عمر ، وعبد الله بن زيد سلما من المعارض اهـ .

وفيه أن عدم ذكره في حديث لا يعد معارضا لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ، والزيادة من الثقة مقبولة ، نعم لو صرح بالنفي كان معارضا ، مع أن المثبت مقدم على النافي ، وكأنه رحمه الله أراد أن يبين النقلة عن أبي محذورة تعارضا ، ولذا قال : وحديث ابن عمر ، وابن زيد سلما من المعارضة ، وإلا فهما لا يخلوان من المعارض أيضا والله أعلم .

وقال ابن الملك : الترجيع في الشهادتين سنة عند الشافعي كذا الحديث ، وعند أبي حنيفة ليس بسنة لاتفاق الروايات على أن لا ترجيع في أذان بلال وابن أم مكتوم إلى أن توفيا ، وأولنا الحديث بأن تعليمه - عليه السلام - أبا محذورة الأذان كان عقيب إسلامه ، فأعاد عليه السلام كلمة الشهادة وكررها ، لتثبت في قلبه ، فظن أبو محذورة أنه من الأذان اهـ . والحاصل أن التأويل أولى من التساقط ، والظاهر هو التأويل المذكور سابقا عن بعض علمائنا ، والله أعلم .




الخدمات العلمية