الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
658 - وعن عمر - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قال المؤذن : الله أكبر ، الله أكبر ; فقال أحدكم : الله أكبر ، الله أكبر ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله ; قال : أشهد أن لا إله إلا الله . ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله ; قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم قال : حي على الصلاة ; قال : لا حول ولا قوة إلا بالله .

ثم قال : حي على الفلاح ; قال : لا حول ولا قوة إلا بالله . ثم قال : الله أكبر ، الله أكبر ; قال : الله أكبر ، الله أكبر ثم قال : لا إله إلا الله ; قال : لا إله إلا الله من قلبه ، دخل الجنة
) . رواه مسلم

التالي السابق


658 - ( وعن عمر - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قال المؤذن ) شرطية جزاؤها دخل الجنة ( الله أكبر ، الله أكبر ، فقال أحدكم ) عطف على فعل الشرط ( الله أكبر ، الله أكبر ) ولم يذكر الأربع اكتفاء بذكر اثنين منها ومن ثم ذكر واحدا من الاثنين فيما بعد كما قال ( ثم قال ) عطف على قال الأول . قال الطيبي : المعطوفات بثم مقدرات بحرف الشرط ، والفاء في فقال أي : إذا قال المؤذن ( أشهد أن لا إله إلا الله ، قال ) أي فقال أحدكم ، فحذف اختصارا ( أشهد أن لا إله إلا الله ، ثم قال ) أي إذا قال المؤذن ( أشهد أن محمدا رسول الله ) أي : فقال السامع ( أشهد أن محمدا رسول الله . ثم قال ) أي : إذا قال المؤذن ( حي على الصلاة ، قال ) أي : فقال المجيب ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) أي : لا حيلة في الخلاص عن موانع الطاعة ولا حركة على أدائها إلا بتوفيقه تعالى قاله المظهر ، وهو الأظهر . وقال الطيبي : أي لا حيلة ولا خلاص عن المكروه ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله . وقال الراغب : الحال ما يختص به الإنسان وغيره من الأمور المتغيرة في نفسه وجسمه ، وما يتصل به ، والحول ما له من القوة في إحدى هذه الأحوال ، ومنه قيل : لا حول ولا قوة إلا بالله اهـ .

[ ص: 560 ] والأحسن في تفسيره ما ورد مرفوعا : " لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله " ( ثم قال : حي على الفلاح ، قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ) قال الطيبي : إن الرجل إذا دعا بحيعلتين كأنه قيل له : أقبل بوجهك وشراشرك على الهدى عاجلا ، والفلاح آجلا ، فأجاب : بأن هذا أمر عظيم وخطب جسيم ، وهي الأمانة المعروضة على السماوات والأرض ، ولم يحملنها ، فكيف أحملها مع ضعفي وتشتت أحوالي ; ولكن إذا وفقني الله بحوله وقوته لعلي أقوم بها . قال النووي : يستحب إجابة المؤذن بالمثل إلا في الحيعلتين ، فإنه يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، لكل من سمعه من متطهر ومحدث وجنب وحائض ، وغيرهم ممن لا مانع له من الإجابة ، فمن أسباب المنع أن يكون في الخلاء أو جماع أهله أو نحوهما ، ومنها أن يكون في صلاة فلا موافقة ، وإذا فرغ منها أتى بمثله . قال القاضي عياض : اختلفوا هل يقول عند سماع كل مؤذن أم الأول فقط ; ( ثم قال الله أكبر ، الله أكبر ، قال : الله أكبر ، الله أكبر ثم قال : لا إله إلا الله ، قال : لا إله إلا الله من قلبه ) قيد للأخير أو للكل ، وهو الأظهر ( دخل الجنة ) قال الطيبي : وإنما وضع الماضي موضع المستقبل لتحقق الموعود ، قال ابن حجر : على حد قوله : أتى أمر الله ، ونادى أصحاب الجنة والمراد أن يدخل مع الناجين وإلا فكل مؤمن لا بد له من دخولها وإن سبقه عذاب بحسب جرمه ، إذا لم يعف عنه إلا إن قال ذلك بلسانه مع اعتقاده بقلبه حقيقة ما دل عليه وإخلاصه فيه . اهـ

ويمكن أن يكون المراد أنه يدخلها إن لم يكن له مانع من دخولها ، أو معناه : استحق دخول الجنة أو دخل موجب دخولها ، وسبب وصولها وحصولها ، أو دخل الجنة المعنوية في الدنيا وهي الشهادة المقرونة بالمشاهدة العظمى ، ولذا قال بعض العارفين في قوله تعالى : ولمن خاف مقام ربه جنتان جنة في الدنيا وجنة في العقبى ، ويمكن أن يكون اللام في الجنة للعهد أي : دخل الجنة الموعودة لمجيب الأذان ( رواه مسلم ) وأبو داود ، والنسائي ، قاله ميرك .

قال ابن الهمام : وأما الحوقلة عند الحيعلة ، فهو وإن خالف ظاهر قوله عليه السلام : " فقولوا مثل ما يقول " ، لكنه ورد فيه حديث مفسر لذلك عن عمر رواه مسلم ، فحملوا ذلك العام على ما سوى هاتين الكلمتين ، وتعليل الحديث المذكور بأن إعادة الموعود دعاء الداعي يشبه الاستهزاء ، كما يفهم في الشاهد بخلاف ما سوى الحيعلتين ، فإنه ذكر يثاب عليه من قاله ، إذ لا مانع من صحة اعتبار المجيب بهما داعيا لنفسه محركا منها السواكن مخاطبا لها ، فكيف وقد ورد في بعض الصور طلبا صريحا في مسند أبي يعلى عن أبي أمامة عنه عليه السلام : ( إذا نادى المنادي للصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء ) فمن نزل به كرب أو شدة فليتحين المنادي إذا كبر كبر ، وإذا تشهد تشهد وإذا قال : حي على الصلاة قال حي على الصلاة ، وإذا قال : حي على الفلاح قال حي على الفلاح ، ثم يقول : اللهم رب هذه الدعوة الحقة المستجابة المستجاب لها ، دعوة الحق وكلمة التقوى أحينا عليها وأمتنا عليها وابعثنا عليها واجعلنا من خيار أهلها محيانا ومماتنا ثم يسأل الله عز وجل حاجته .

وروى الطبراني في كتاب الدعاء من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل ورواه الحاكم فذكر مثل حديث أبي يعلى وقال : صحيح الإسناد لكن نظر فيه بضعف أبي عائد وقد يقال : هو حسن ولو ضعف ، فالمقام يكفي فيه فهذا يفيد أن عموم الأول معتبر ، وقد رأينا من مشايخ السلوك من كان يجمع بينهما ، فيدعو نفسه ، ثم يتبرأ من الحول والقوة ليعمل بالحديثين . وفي حديث عمر وأبي أمامة التنصيص على أن لا يسبق المؤذن ، بل يعقب كل جملة منه بجملة منه .




الخدمات العلمية