الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
667 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المؤذن يغفر له مدى صوته ، ويشهد له كل رطب ويابس . وشاهد الصلاة يكتب له خمس وعشرون صلاة ، ويكفر عنه ما بينهما ) . رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، وروى النسائي إلى قوله : ( كل رطب ويابس ) ، وقال : ( وله مثل أجر من صلى )

التالي السابق


667 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المؤذن يغفر له مدى صوته ) - بفتح الميم والدال - أي : نهايته ، كذا في النهاية . وقيل : أي له مغفرة طويلة عريضة على طريق المبالغة أي : يستكمل مغفرة الله إذا استوفى وسعه في رفع الصوت ، وقيل : يغفر خطاياه وإن كانت بحيث لو فرضت أجساما لملأت ما بين الجوانب التي يبلغها ، والمدى على الأول نصب على الظرف ، وعلى الثاني رفع على أنه أقيم مقام الفاعل . وقال الطيبي : مدى صوته أي : المكان الذي ينتهي إليه الصوت ، لو قدر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقام المؤذن ذنوب له تملأ تلك المسافة لغفرها الله له ، فيكون هذا الكلام تمثيلا . قيل : معناه : يغفر لأجله كل من سمع صوته فحضر للصلاة المسببة لندائه ، فكأنه غفر لأجله . وقيل : معناه يغفر ذنوبه التي باشرها في تلك النواحي إلى حيث يبلغ صوته ، وقيل : معناه يغفر بشفاعته ذنوب من كان ساكنا أو مقيما إلى حيث يبلغ صوته ، وقيل : يغفر بمعنى يستغفر أي : يستغفر له كل من يسمع صوته . ( ويشهد له كل رطب ) أي : ناه ( ويابس ) أي : جماد مما يبلغه صوته ، وتحمل شهادتها على الحقيقة لقدرته تعالى على إنطاقهما أو على المجاز بقصد المبالغة قاله ابن الملك . " ( وشاهد الصلاة ) أي : حاضرها ممن كان غافلا عن وقتها . وقال ابن حجر : أي : حاضر صلاة الجماعة المسببة عن الأذان . اهـ . فيكون القيد غالبيا وإلا فحاضر صلاة الجماعة له الفضيلة الآتية ، سواء وحد سببية الأذان أم لا . ولذا قال الطيبي : عطف على قوله : " المؤذن يغفر له " أي : والذي يحضر لصلاة الجماعة ( يكتب له ) أي : للشاهد " ( خمس وعشرون ) أي : ثواب خمس وعشرين ( صلاة ) وقيل : بعطف شاهد على كل رطب أي : يشهد للمؤذن حاضرها يكتب له أي : للمؤذن خمس وعشرون صلاة ، ويؤيد الأول ما في رواية : " تفضل صلاة الجماعة على الفذ بسبع وعشرين درجة .

قلت : وفي رواية صحيحة : " بخمس وعشرين صلاة " ، وهي للمطابقة أظهر ، ولعل اختلاف الروايات باختلاف الحالات والمقامات . قال ابن حجر : ويؤيد الثاني ما سيأتي من رواية : " إن المؤذن يكتب له مثل أجر كل من صلى بأذانه " فإذا كتب لشاهد الجماعة بأذانه ذلك كان فيه إشارة إلى كتب مثله للمؤذن ، ومن ثم عطفت هذه الجملة على المؤذن يغفر له لبيان أن له ثوابين المغفرة وكتابة مثل تلك الكتابة ، والأظهر عندي أن شاهد الصلاة عطف على كل رطب عطف خاص على عام ; لأنه مبتدأ كما اختاره الطيبي ، ثم يحتمل أن يكون الضمير في يكتب له الشاهد ، وهو أقرب لفظا وسياقا . أو للمؤذن وهو أنسب معنى وسياقا ( ويكفر عنه ) أي : الشاهد أو المؤذن ( ما بينهما ) أي : ما بين الصلاتين اللتين شهدهما أو ما بين أذان إلى أذان من الصغائر . ( رواه أحمد ) قال ابن الهمام : روى الإمام أحمد مرفوعا : ( لو يعلم الناس ما في النداء لتضاربوا عليه بالسيوف ) وله بإسناد صحيح ( يغفر للمؤذن منتهى أذانه ويستغفر له كل رطب ويابس ) جمعه ورواه البزار إلا أنه قال : ( ويجيبه كل رطب ويابس ) . ( وأبو داود ) : قال ابن الهمام : وكذا ابن خزيمة ولفظهما : ( يشهد له ) . والنسائي وزاد : ( وله مثل أجر من صلى معه ) . والطبراني مثل هذا ، وله في الأوسط : ( يد الرحمن فوق رأس المؤذن وإنه يغفر له مدى صوته أين بلغ ) وله فيه : ( إن المؤذنين والملبين يخرجون من قبورهم يؤذن المؤذن ويلبي الملبي ) . ( وابن ماجه ) أي : الحديث بكماله . ( وروى النسائي إلى قوله : ( كل رطب ويابس ) . وقال ) أي فالنسائي في روايته ( وله ) أي : للمؤذن ( مثل أجر من صلى ) أي : بأذانه .

[ ص: 568 ]



الخدمات العلمية