الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
694 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي ) . متفق عليه .

التالي السابق


694 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما بين بيتي ومنبري ) : المراد بالبيت بيت سكناه ، وقيل : قبره لما جاء في حديث آخر : ( ما بين قبري ومنبري ) : ولا منافاة بينهما ; لأن قبره في بيته ، قيل : أراد بما بينهما المحراب لأنه بين المنبر وبين بيته ، لأن باب حجرته كان مفتوحا إلى المسجد . وفي رواية عند الطبراني : ما بين حجرتي ومصلاي . ( روضة من رياض الجنة ) : قيل : معناه أن الصلاة والذكر فيما بينهما يؤديان إلى روضة من رياض الجنة ، وهذا كما جاء في الحديث : ( الجنة تحت ظلال السيوف ) وفي الحديث : ( الجنة تحت أقدام الأمهات ) أي : برها وصلتها ، والتحمل عنها يوصل إلى دار اللذات . وفي حديث : ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ) قيل : وما رياض الجنة يا رسول الله ; قال : ( المساجد ) . وفي رواية : ( حلق الذكر ) . قال التوربشتي : وإنما سمى تلك البقعة المباركة روضة ; لأن زوار قبره وعمار مسجده من الملائكة والجن والإنس ، لم يزالوا مكبين فيها على ذكر الله سبحانه وعبادته إذا صدر عنها فريق ورد عليها آخرون ، كما جعل حلق الذكر رياض الجنة قال : ( ومنبري على حوضي ) : أي : على حافته ، فمن شهده مستمعا إلي أو متبركا بذلك الأثر شهد الحوض ، ونبه عليه السلام على أن المنبر مورد القلوب الصادئة في بيداء الجهالة ، كما أن الحوض مورد الأكباد الظامئة في حر القيامة ، ويحتمل أن يراد هذا الكلام ما لا تهتدي إليه عقولنا ، كذا نقله الطيبي ، وقال مالك : الحديث باق على ظاهره ، والروضة قطعة نقلت

[ ص: 590 ] من الجنة وستعود إليها وليست كسائر الأرض تفنى وتذهب . قال ابن حجر : وهذا عليه الأكثر وهي من الجنة الآن حقيقة ، وإن لم تمنع نحو الجوع لاتصافها بصفة دار الدنيا ، وقيل : يعيد الله منبره على حاله فينصبه على حوضه . قال ابن حجر : وهذا هو الأولى أيضا لأن الأصل بقاء اللفظ على ظاهره الممكن ، والله أعلم .

قال ابن الملك وروي : ومنبري على ترعة حوضي ، والترعة على ما في النهاية : الروضة على المكان المرتفع خاصة ، وقيل : هي الدرجة ، وقيل : الباب ، وقيل : ترعة الحوض مفتح الماء إليه ، ثم قال : وهذا يدل على أن يكون له عليه السلام في الآخرة منبر ، ويجوز أن يراد منبره في الدنيا ، وفيه تنبيه على استمداده عليه السلام من الحوض الزاخر النبوي ، وفيه إشارة إلى أن كلا منهما متعلق بالآخر لا مطمع لأحد في الآخر دون الاتعاظ بالأول .

وقال ابن حزم : ظن بعض الأغبياء أن تلك الروضة قطعة مقتطعة من الجنة ، وأن الأنهار سيحان وجيحان والفرات والنيل مهبطة من الجنة ، وهذا باطل لأن الله تعالى يقول في الجنة : إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى وليست هذه صفة الأنهار المذكورة ولا الروضة ، فصح أن قوله : من الجنة إنما هو لفضلها ، وأن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة ، وأن تلك الأنهار لطيبها وبركتها أضيفت إلى الجنة كما تقول في اليوم الطيب : هذا من أيام الجنة ، وكما قيل في الضأن : إنها من دواب الجنة ، وقد جاء أن حلق الذكر من رياض الجنة

وتعقبه ابن حجر : بأن الآية لا تدل له ; لأن تلك القطعة لما نزلت إلى الأرض أعطيت أحكامها ، ومن ثم لو حلف داخلها أنه دخل الجنة حنث واعترى من بها الجوع ونحوه ، ومجرد سلب ذلك عنها لا يقتضي سلب كونها من الجنة عنها ، وفائدة كونها منها - مع نفي أوصافها عنها - غاية تشريف مسجده عليه السلام بأن فيه قطعة من نفس أرض الجنة ، كما صح في الحجر الأسود والمقام : أنها ياقوتتان من الجنة ، ولولا ما طمس من نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب . وصح عن ابن عباس - ومثله لا يقال من قبل الرأي يعني فهو في حكم المرفوع : أن الحجر نزل من الجنة ياقوتة بيضاء ، وأن الله غيره بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة يعني : ليكون الإيمان غيبيا لا عينيا ، وأنه أنزل في محل الكعبة قبل وجودها ليتأنس به آدم ، وحرسه بصف من الملائكة ; لئلا ينظر الجن والإنس إليه ، لأنه من الجنة . ومن نظر إلى الجنة دخلها ، فكما أن هذين من الجنة حقيقة ، ولا يمكن لابن حزم تأويلهما ، فكذا ما نحن فيه وما زعمه في تلك الأنهار - وليس بصحيح أيضا . والأحاديث الصحيحة بأنها من الجنة حقيقة ، لكنها لما نزلت إلى الأرض اكتسبت أوصافها أيضا - وقوله كما تقول في اليوم الطيب إلخ . لا دليل فيه لأن الحقيقة في تلك المثل وما أشبهها من نحو : الجنة تحت ظلال السيوف . مستحيلة بخلاف ما نحن فيه . ( متفق عليه ) : ورواه أبو داود قاله ميرك .




الخدمات العلمية