الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
757 - وعن عائشة رضى الله عنها ، قالت : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خميصة لها أعلام ، فنظر إلى أعلامها نظرة ، فلما انصرف ، قال : ( اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم ، وأتوني بأنبجانية أبي جهم ، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي ) ، متفق عليه ، وفي رواية للبخاري ، قال : ( كنت أنظر إلى علمها وأنا في الصلاة فأخاف أن تفتنني )

التالي السابق


757 - ( وعن عائشة قالت : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خميصة ) : في النهاية : الخميصة ثوب من صوف أو خز معلمة سوداء ، وقيل : لا تسمى خميصة إلا أن تكون معلمة ، وكانت من لباس الناس قديما ، قال التوربشتي : فعلى هذا قول عائشة ( لها ) ، أي : للخميصة ( أعلام ) : على وجه البيان والتأكيد ، ولا يبعد أن يكون من طريق التجريد ( فنظر إلى أعلامها نظرة ) ، أي : نظر عبرة ( أعلام ) : على وجه البيان والتأكيد ، ولا يبعد أن يكون من طريق التجريد ( فنظر إلى أعلامها نظرة ) ، أي : نظر عبرة ( فلما انصرف ) : أي عن الصلاة [ قال : ( اذهبوا بخميصتي هذه ) : وفي رواية : فلما فرغ من صلاته قال : ( ألهتني أعلام هذه اذهبوا بها ) . ( إلى أبي جهم ) : قرشي وعدوي كان أهداها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ( وأتوني بأنبجانية أبي جهم ) : وإنما طلب أنبجانيته بدلها لئلا يتأذى برد هديته ، وهي فتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة وتفتح وتشدد التحتية على ما في النسخ المصححة .

وقال ابن حجر : بكسر الهمزة وفتحها ، وفيه أنه مخالف للمحفوظ من الرواية والدراية ، ففي المعنى : هي بفتح الهمزة ، كساء لا علم له ، وفي القاموس : منبج كمجلس موضع ، وكساء منبجاني وأنبجاني بفتح بائهما نسبة على غير قياس ، وفي النهاية : المحفوظ في أنبجانية كسر الباء ، وهـو بفتحها وهو منسوب إلى " منبج " بلدة معروفة بالشام وهي مكسورة الباء ففتحت في النسب وأبدلت الميم بهمزة ، وقيل : منسوب إلى موضع يقال له : أنبجان وهو الأشبه ; لأن الأول فيه تعسف ، وهو كساء يتخذ من الصوف له خمل ، ولا علم له ، وهو من أدون الثياب الغليظة ، والهمزة فيها زائدة ، وقال الخطابي : إنها منسوبة إلى أذربيجان ، وقد حذف بعض حروفها وعرب ، قال القاضي : إنما أرسل إليه لأنه كان أهداها إياه ، فلما ألهاه علمها ، أي : شغله عن الصلاة بوقوع نظرة إلى نقوش العلم وألوانه ، أي : تفكر في أن مثل هذا للرعونة التي لا تليق به ردها إليه ، قال الأشرف : فيه إيذان بأن للصور والأشياء الظاهرة تأثيرا ما في النفوس الطاهرة : قيل : وفيه إشارة إلى كراهية الأعلام التي يتعاطاها الناس على أردائهم . وقد نص عليها ( فإنها ) : أي : الخميصة ( ألهتني ) ، أي : شغلتني ( آنفا ) : بالمد ويقصر ، وقرئ بهما في السبعة قوله تعالى : ماذا قال آنفا ، أي : في هذه الساعة ( عن صلاتي ) ، أي : عن كمال حضورها . ( متفق عليه ) .

قال ميرك : فيه نظر لأنه ليس هذا الحديث في مسلم بهذا اللفظ ، وإنما هو لفظ البخاري ، ولفظ مسلم ، عن عائشة قال ميرك : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في خميصة ذات أعلام ، فنظر إلى أعلامها ، فلما قضى صلاته قال ( اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة وأتوني بأنبجانيته فإنها ألهتني في صلاتي ) فانظر في اختلاف الألفاظ .

[ في رواية البخاري ، قال ( كنت أنظر إلى عملها وأنا في الصلاة فأخاف أن يفتنني ) : أي : بمعنى من الصلاة ويشغلني عن حضورها ، قال ابن حجر : أي يلهيني عن الصلاة لهوا أتم مما وقع منها ، وإلا فلا تنافي بين جزمه بوقوع الإلهاء بها ثم ، وخشية وقوعه بها هنا فتأمله ، وكأن ذلك هو حكمة التغاير بين الأسلوبين حيث عبر أولا بالإلهاء وثانيا بالفتنة اهـ .

وهو معنى حسن ، ويحتمل أن يكون المعنى ، فأخاف أن يوقعني في العذاب أو في فتنة تؤدي إليه قال تعالى : ذوقوا فتنتكم ، والأظهر أن يقال : معنى ألهتني أرادت أن تلهيني فلا ينافي قوله : فأخاف أن يفتتني بمعنى يلهيني ، بل يكون الثاني تفسيرا للأول ولذا قيل : إنه - عليه السلام - لم يتأثر بها ، وإنما فعل ذلك تشريعا لأمته وخوفا عليه من الإلهاء بالنظر إلى المخططات في صلاتهم ، لكن من زعم من الأمة أن قلبه لا يتأثر بذلك ، فقد جهل طريق السلوك لأنه لا يقاس الحدادون بالملوك ، وأما جزم ابن حجر بأن قلبه - عليه السلام - تأثر بذلك فغير صحيح ، وقول الأشرف تأثيرا إما إشارة إلى أنه أدرك أنه يؤثر ، ثم قال ابن حجر : قال بعض أئمتنا : يسن لمن صلى في ذلك أو إليه ، أو عليه أن يغمض بصره ، حتى لا يختل خشوعه وحضوره ، قلت : سبق منه أنه يكره أن يصلي فيه أو إليه أو عليه ، وتغميض العين في الصلاة من المكروهات ، فكيف يسن مكروه لدفع مكروه ، مع أن المكروه لا يندفع به والله أعلم .




الخدمات العلمية