الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
774 - وعن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعرض راحلته فيصلي إليها ، متفق عليه ، وزاد البخاري ، قلت : أفرأيت إذا هبت الركاب قال : كان يأخذ الرحل فيعدله ، فيصلي إلى آخرته .

التالي السابق


774 - ( وعن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعرض راحلته ) : قال التوربشتي : أي ينيخها بالعرض بينه وبين القبلة ، - أي تكون معترضة بينه وبين من مر بين يديه ، من عرض العود على الإناء يعرض بضم الراء وكسرها وضعه عرضا ، وقال ميرك : هو بفتح الياء وكسر الراء ، وروي بضم الياء وتشديد الراء ، ومعناه يجعلها معترضة بينه وبين القبلة ، كذا قاله النووي في شرح مسلم ( فيصلي إليها ) ، أي : إلى راحلته ( متفق عليه ، وزاد البخاري ) ، أي : عن نافع على ما قاله ابن الملك ، وابن حجر ( قلت ) لابن عمر ( أفرأيت ) : أي أخبرني ظاهره أنه من كلام نافع ، والمسئول ابن عمر ، لكن بين الإسماعيلي من طريق عبيدة بن حميد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، أنه كلام عبد الله ، والمسئول نافع ، فعلى هذا هو مرسل ; لأن فاعل يأخذ هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يدركه نافع ، كذا أفاده الشيخ ابن حجر في شرحه للبخاري ، كذا نقله السيد جمال الدين ، وقال نجله ميرك شاه : فعلى هذا إيراد محيي السنة وصاحب المشكاة ليس بسديد لأنهما ذكرا في كتابيهما كلاما لم يذكر قائله فيهما ، مع أن يوهم خلاف الواقع اهـ .

ولذا وقع فيهما الشارحان المتقدمان ، ( إذا هبت ) : أي : قامت للسير ( الركاب ) : أي : الإبل يسير عليها الراكب ، الواحد راحلة لا واحد لها من لفظها ، أي : أخبرني كيف كان يفعل عند ذهاب الرواحل إلى المرعي ، وإلى أي شيء كان يصلي ; وفي القاموس : الهب والهبوب ثوران الريح والانتباه من النوم ونشاط كل سائر وسرعته ، وقول ابن حجر : استعمال الهبوب في الذهاب مجاز نشأ عن غفلة من الحقيقة ( قال : كان يأخذ الرجل فيعدله ) : بالتشديد ، وفي نسخة بالتخفيف مع فتح الياء ، قال ميرك : بتشديد الدال أي يسويه ويقومه ، كذا قاله شراح المصابيح ، وقال الشيخ ابن حجر : يعدله بفتح الياء وسكون العين وكسر الدال ، أي : يقيمه تلقاء وجهه ويجوز التشديد اهـ .

( فيصلي إلى آخرته ) : بالمد وكسر الخاء ، وفي نسخة بفتحات بلا مد ، ورجحها العسقلاني وقال : ويجوز المد أي خلف الرجل وهو ما يستند إليه الراكب ، قال ابن حجر : وينافي هذا قول الشافعي ولا يستتر بامرأة ولا دابة ، وجرى عليه في التتمة ، لكن بزيادة فقال : لا يستحب له أن يستتر بآدمي أو حيوان لشبهه بعبادة عابدي الأصنام ، لكن في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي إلى راحلته اهـ .

ومن ثم قال النووي : ما قاله في المرأة ظاهر ; لأنها ربما شغلته ، وأما الدابة فقد ثبت أنه - عليه السلام - كان يعرض راحلته ، ويصلي إليها وكان ابن عمر يفعله ، فلعله لم يبلغ الشافعي ، ومذهبه اتباع الحديث فتعين العمل به .

[ ص: 642 ] إذ لا معارض له اهـ ، وفيه أنه إذا لم يكن له معارض فمن أين له النهي والتشبه بعبدة الصنم مدفوع فإنه إنما يكون في صورة المقابلة بالوجه ، ولذا ضرب عمر بالدرة على مثل ذلك ، ولا يظهر تعليل ما قاله في المرأة أنها ربما شغلته ; لأن العلة مشتركة ، ولأنه - عليه السلام - كان يصلي وعائشة معترضة بينه وبين القبلة ، وتخصيص الكراهة بالمستيقظ يحتاج إلى دليل وتقييد إطلاق كلام الشافعي ، على غير البعير المعقول في غير المعاطن في غاية من البعد ، وأبعد من هذا كلام الأذرعي لعل مراده إذا خشي بول الدابة أو نفورها فيتنجس أو يتشوش ، وأغرب من هذا كلام ابن حجر ، ومنه يؤخذ أن كل ما كره استقباله كجدار مزوق أو نجس لا يحصل التستر به فلا يحرم المرور ، فإن الراحلة لا تخلو عن نجاسة كما لا يخفى .




الخدمات العلمية