الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
776 - عن أبي جهيم رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ولو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه ، لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه " ، قال أبو النصر : لا أدري قال " أربعين يوما ، أو شهرا ، أو سنة " . متفق عليه .

التالي السابق


776 - ( وعن أبي جهيم ) : بالتصغير ، قيل : هو عبد الله بن جهيم ، وقيل : عبد الله بن الحرث بن الصمة الأنصاري ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو يعلم المار " ) ، أي : قاصد المرور ومريده ( " بين يدي المصلي " ) : ظرف المار ( " ماذا " ) ، أي : أي شيء ( " عليه " ) : من الإثم بسبب مروره بين يديه سد مسد المفعولين ليعلم ، وقد علق عمله بالاستفهام ، ولعل حكمة إبهامه الدلالة على عظمة ذلك الإثم ، وإنه واصل إلى ما لا يقدر قدره كقوله تعالى : فغشيهم من اليم ما غشيهم وفي رواية للبخاري : " ماذا عليه من الإثم " " لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه " ) : قال العلامة الكرماني : جواب " لو " ليس هذا المذكور ، بلا لتقدير لو يعلم ماذا عليه لوقف أربعين ، ولو وقف أربعين لكان خيرا له ، قال : وأبهم العدد تفخيما للأمر وتعظيما ، وقال ابن حجر : معناه لو فرض أن في المرور بين يدي المصلي خيرا ، لكان الوقوف أربعين سنة خيرا من المرور بين يديه اهـ .

وما أبعده عن المرمى إذ على تقدير تقديره لا وجه للتقييد بأربعين وغيره أصلا ، وتفوت المبالغة المطلوبة ، بل يفسد المعنى على مذهبه الذي يعتبر فيه المفهوم ، وأغرب من هذا أنه مع هذا قال : واستفيد منه حرمة المرور بين يدي المصلي ، بل أقول : لا يصح هذا التقدير من أصله إذ ينحل الكلام إلى أنه لو سلم فرض كون علم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم خيرا لكان إلخ ، وهو ظاهر البطلان ، والله المستعان ( قال أبو النضر : لا أدري قال ) : أي : أبو جهيم ( " أربعين يوما ، أو شهرا ، أو سنة " ) : قال التوربشتي ، قال الطحاوي : المراد أربعون سنة لا يوما ولا شهرا ، نقله الطيبي ، وقال الشيخ ابن حجر : ظاهر السياق أنه عين المعدود ، لكن الراوي تردد فيه .

[ ص: 643 ] قال الكرماني : تخصيص الأربعين بالذكر لكون كمال طور الإنسان بأربعين كالنطفة والمضغة والعلقة ، وكذا بلوغ الأشد ، ويحتمل غير ذلك ، قال الشيخ ابن حجر : وما رواه ابن ماجه وابن حبان من حديث أبي هريرة ، لكان أن يقف مائة عام خيرا له من الخطوة التي خطاها ، مشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر ، لا لخصوص عدد معين ، والله أعلم نقله ميرك شاه ، ( متفق عليه ) .

قال ميرك : ورواه الأربعة ، ورواه البزار ولفظه : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان ; لأن يقوم أربعين خريفا خيرا لي من أن يمر بين يديه " رجاله رجال الصحيح ، قال الترمذي : وقد روي عن أنس أنه قال : " لأن يقف أحدكم مائة عام خير له من أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي " : كذا ذكره المنذري ، قال الطحاوي في مشكل الآثار : إن المراد : أربعين سنة ، واستدل بحديث أبي هريرة مرفوعا : " لو يعلم الذي يمر بين يدي أخيه معترضا وهو يناجي ربه وحينئذ لكان أن يقف مكانه مائة عام خيرا من الخطوة التي خطاها " ، ثم قال : هذا الحديث متأخر عن حديث أبي جهيم ; لأن فيه زيادة الوعيد ، وذلك لا يكون إلا بعدما أوعدهم بالتخفيف كذا نقله ابن الملك .

وفي شرح المنية : إنما يكره المرور بين يدي المصلي إذا لم يكن عنده حائل نحو السترة فإنه لا يكره المرور من وراء الحائل ، وأيضا إنما يكره المرور عند عدم الحائل إذا مر في موضع سجوده وهو الأصح ، وهو مختار السرخسي ، وفي النهاية ، الأصح أنه لو صلى صلاة الخاشعين بأن يكون بصره حال قيامه إلى موضع سجوده لا يقع بصره على المار لا يكره وهو مختار فخر الإسلام ، وقيل : هذا في الصحراء ، أما في المسجد الصغير فيكره مطلقا ، وأما الكبير فقيل : هو كالصغير ، وقيل كالصحراء ، ورجح ابن الهمام ما ذكره في النهاية من غير تفصيل بين المسجد وغيره ، والله أعلم .




الخدمات العلمية