الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
777 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس ، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه ، فليدفعه ، فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان " ، هذا لفظ البخاري ، ولمسلم معناه .

التالي السابق


777 - ( وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه " إذا صلى أحدكم إلى شيء " ) ، أي : من الأشياء المذكورة فيما تقدم ( " يستره من الناس " ) ، أي : في الجملة ، أو يستر حاله ونظره ويبعده منهم ويميزه بالصلاة لهم ( " فأراد أحد أن يجتاز " ) : من الجواز ، أي : يعبر ويمر ويتجاوز ( " بين يديه " ) ، أي : بينه وبين السترة ( " فليدفعه " ) ، أي : ندبا ، وقيل وجوبا بالإشارة أو وضع اليد على نحره ، وفي شرح المنية : ويدرأ المار إذ أراد أن يمر في موضع سجوده أو بينه وبين السترة بالإشارة أو التسبيح لا بهما معا اهـ .

وقد نقل القاضي عياض الاتفاق على أنه لا يحل له العمل الكثير في مدافعته ، ثم ظاهر الحديث دفع المار مطلقا من غير استثناء مجنون وصبي ، ويؤيده حديث ابن ماجه ، ولو قيل بضعفه عن أم سلمة قالت : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجرتي فمر بين يديه عبد الله أو عمر بن أبي سلمة فقال بيده ، فرجع ، ثم مرت زينب بنت أبي سلمة صلى الله عليه فقال بيده هكذا فمضت ، فلما فرغ قال : هي أغلب ، وفي رواية : هن أغلب ( " فإن أبى " ) ، أي : امتنع ( " فليقاتله " ) ، أي : فليدفعه بالقهر ولا يجوز قتله : كذا قاله بعض علمائنا وقال ابن حجر : فإن أبى إلا بقتله فليقاتل ، وإن أفضي إلى قتله إياه ، ومن ثم جاء في رواية : فإن أبي فليقتله ، قال ابن الملك : فإن قتله عملا بظاهر الحديث ففي العمد القصاص وفي الخطأ الدية ، قال : وهذا أراد المرور بينه وبين السترة ، وإن لم يكن بين يديه سترة فليس له الدفع ; لأن التفريط منه بتركها ، وفيه دليل على أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة اهـ .

وقال القاضي عياض فإن دفعه بما يجور فهلك فلا قود عليه باتفاق العلماء ، وهل تجب الدية أو يكون هدرا ؟ فيه مذهبان للعلماء ، وهما قولان في مذهب مالك نقله الطيبي ، ( " فإنما هو شيطان " ) : من شياطين الإنس أو الجن أو فعله فعل شيطان ; لأنه يشوش المصلي ، قال الخطابي : معناه أن الشيطان حمله عليه أو هو شيطان ; لأن الشيطان هو مارد من الجن والإنس ( هذا لفظ البخاري ) : ورواه أبو داود قاله ميرك شاه ( ولمسلم معناه ) : واختلف فيما لو لم [ ص: 644 ] يجد طريقا سوى ما بين يدي المصلي ، والظاهر جواز دفعه لدفع أبي سعيد الخدري لمن أراد أن يمر بين يديه المرة بعد المرة ، مع أنه لم يجد طريقا ، فلما عوتب روى الحديث المذكور ، لكن هذا الخلاف حيث لم يقصر المصلي بأن صلى بقارعة الطريق ، فإنه حينئذ حل المرور بين يديه لتقصيره ، حتى جوزوا له المرور إلى الفرجة بين يدي الصف الثاني لتقصيرهم بتركها ، وهذا الحكم عام يشمل المسجد الحرام وداخل الكعبة ، وأما قول ابن حجر : ونحو الشارع وباب المسجد والدرب الضيق المحل الذي يغلب مرور الناس فيه في وقت تلك الصلاة ، ولو في المسجد كما هو ظاهر ، فليس بظاهر كما لا يخفى ; لأن المسجد محل العبادة ، ويختص بمن سبق إليه فليس لأحد أن يتعدى عليه ، وأما الشارع فموضوع لمرور العامة ويختص بمن يمر ، ولا يجوز التعدي عليه في مروره بدفعه ومنعه وأمره بالوقوف ونحوه ، ولذا قيل : أول بدعة أحدثت الطريق الطريق ، وفي معناه ظهرك وحاشاك ، فإذا صلى فيه أحد فتعدى عليه بمنع المرور فلا حرمة له حينئذ ، فالفرق ظاهر مبطل لقياسه ، ثم قال : فعلم أن الكعبة تكون سترة لمن صلى إليها في وقت يقل فيه طواف الناس جدا بخلاف ما يكثر فيه ازدحامهم كالصلاة في الطريق ، وعليه تحمل الأحاديث المصرحة بجواز المرور بين يديه اهـ .

وفيه بحث ; لأنه إن كان هذا بالقياس على الصلاة في الطريق كما ذكره فهو قياس باطل كما سبق ، وإن كان بالأحاديث المخصصة لعموم أحاديث الباب فهو مسلم ، لكن يحتاج إلى ذكره تلك الأحاديث لينظر فيها إسنادا ومتنا ولفظا ومعنى والله أعلم .




الخدمات العلمية