الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
876 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال : " اللهم ربنا لك الحمد ، ملء السماوات وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد : اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " ، رواه مسلم .

التالي السابق


876 - ( وعن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال ) ، أي : حين انفراده ( اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء ) : بالرفع بتقدير أنت ، وهو الأنسب للسياق واللحاق ، أو بتقدير هو وبالنصب على المدح ، أو بتقدير يا أهل الثناء ( والمجد ) ، أي : العظمة أو الكرم ( أحق ما قال العبد ) : بالرفع ، ( وما ) ، موصولة أو موصوفة وأل للجنس أو للعهد والمعهود النبي صلى الله عليه وسلم ، أي : أنت أحق بما قال العبد لك من المدح من غيرك ، أو يكون التقدير المذكور ، من الحمد الكثير أحق ما قاله العبد ، والأظهر أن يكون ( أحق ) مبتدأ ، وقوله اللهم إلخ خبره ، والجملة الحالية معترضة بين المبتدأ والخبر ، وبالنصب على المدح أو على المصدر ، أي : قلت أحق ما قال العبد ، أي : أصدقه وأثبته ، قال ابن الملك ويجوز كونه فعلا ماضيا من أحق ، أي : أصاب العبد الحق فيما قال بأنك أهل الثناء والمجد ، قال الطيبي : وفي بعض الروايات حق ما قال العبد فعلى هذا هو كلام تام وضع على سبيل الاستئناف ، وقوله : ( وكلنا لك عبد ) : تذييل على هذه الرواية اهـ .

وهي تحتمل أن يكون حق ماضيا أو وصفا ، قال زين العرب : ويروى حق بلا ألف ، فهو خبر ، وما مبتدأ ، وعلى الرواية الأولى ما مجرورة بالإضافة ( اللهم لا مانع ) ، أي : من أحد ( لما أعطيت ) ، أي : العبد شيئا من العطاء ابتداء ، أو بسابقة عمل ( ولا معطي ) : من أحد ( لما منعت ) ، أي : للشيء الذي منعته من الأشياء ، أو من الإعطاء أحد ، وهو مقتبس من قوله تعالى : ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وينبغي أن لا يحجبك المنع والعطاء عن مولاك ، لقول ابن عطاء : ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، ( ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) : المشهور فتح الجيم ، بمعنى العظمة أو الحظ أو الغنى أو النسب .

قال التوربشتي : أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه ، وربما ينفعه العمل بطاعتك ، فمعنى منك : عندك ، ويحتمل وجها آخر : أي لا يسلمه من عذابك غناه ، قال المظهر : أي لا يمنع عظمة الرجل وغناه عذابك عنه إن شئت عذابه ، وقيل : لا ينفع ذا الحظ ، والإقبال بذلك ، أي : بدل طاعتك ، وقيل : ( لا ينفع ) معطوف على ما قبله ، أي : ولا ينفع عطاؤه كما لا يضر منعه وذا الجد منادى ، أي : يا ذا الجد يعني يا ذا الغنى والعظمة والحظ ، منك الجد لا من غيرك ، وقيل : الجد أبو الأب وأبو الأم ، أي : لا ينفع ذا النسب الشريف نسبه منك ، وقال الراغب : المعنى لا يتوصل إلى ثواب الله تعالى في الآخرة بالجد ، وإنما ذلك بالجد بالطاعة اهـ .

وفي بعض الروايات وقليل من النسخ بكسر الجيم ، فالمعنى لا ينفعه مجرد جده وجهده ، وإنما ينفعه التوفيق والقبول منك بعمله ، ( رواه مسلم ) : وقال ميرك رواه أبو داود ، والنسائي .

[ ص: 713 ]



الخدمات العلمية