الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
884 - وعن شقيق رضي الله عنه ، قال : إن حذيفة رأى nindex.php?page=treesubj&link=1542_32706_1534رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده ، فلما قضى صلاته دعاه ، فقال له حذيفة : ما صليت ، قال : وأحسبه قال : ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمدا ، رواه البخاري .
884 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=16115شقيق ) ، أي : ابن سلمة التابعي ، أبو وائل الكوفي مخضرم ، روى عن الخلفاء وحذيفة وغيرهم ، اتفقوا على توثيقه وجلالته ، كذا في التهذيب ( قال : إن حذيفة رأى رجلا nindex.php?page=treesubj&link=1542_32706_1534لا يتم ركوعه ولا سجوده ) : لتركه واجبا من واجباتهما ( فلما قضى صلاته دعاه ، فقال له حذيفة : ما صليت ) ، أي : صلاة صحيحة أو كاملة وما نافية ( قال ) ، أي : شقيق ( وأحسبه ) ، أي : أظنه ( قال ) ، أي : حذيفة ( ولو مت ) : بالضم والكسر أي على هذا ( مت على غير الفطرة ) ، أي : الطريقة أو السنة أو الملة ( التي فطر الله ) ، أي : خلق عليها ( محمدا صلى الله عليه وسلم ) ، أي : بتركك للصلاة وتركها تعمدا كفرا مطلقا عند كثيرين من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم كأحمد ، وإسحاق ، وبشرط الاستحلال عند الأكثرين فعليه الفطرة في كلامه بمعنى دين الإسلام الكامل .
قال الطيبي : هذا يدل على أن الطمأنينة واجبة فيهما ؛ لأن قوله : ولو مت مت على غير الفطرة تهديد عظيم يعني : أنك غيرت ما ولدت عليه من الملة الحنيفية التي هي دين الإسلام ، ودخلت في زمرة المبدلين لدين الله ، فإن قيل : كيف دل قوله لا يتم على ذلك فإن إتمامها لا يتوقف على الطمأنينة ؟ قلت : قد سبق عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه من قال في ركوعه : nindex.php?page=hadith&LINKID=10357520سبحان ربي العظيم ثلاث مرات ، فقد تم ركوعه وذلك أدناه اهـ .
وفي هذا الجواب نظر ظاهر إذ تحقق فيما سبق أن المراد أدنى كماله لا أدنى أصله ، وأيضا هذا قول صحابي محتمل للاجتهاد على تقدير صحة الإسناد ، وأبعد ابن حجر حيث قال : ولك أن تقول الذي يدل عليه الحديث بفرض أن حذيفة قال ذلك ؛ لأن مثل هذا التهديد لا يقوله إلا عن توقيف ، ومن ثم قلت في بعض الفتاوى في حديث : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10357521من مات ولم يحج ، فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا " أنه حديث صحيح ، وإن ضعفه النووي ؛ لأنه صح عن عمر ، وهو لا يقال من قبل الرأي ، فيكون في حكم المرفوع ، فصحته عن عمر تستلزم صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم هو أن هذا الرجل ترك واجبا من واجبات الركوع والسجود ، وأما خصوص nindex.php?page=treesubj&link=1542ترك الطمأنينة ، فليس في الحديث ما يدل عليه أصلا اهـ .
ووجه الإبعاد أن الحكم على الحديث بالصحة والضعف ، إنما هو بسبب الإسناد كما هو مقرر عند المحدثين ، لا من حيث المعنى ؛ ولذا يحكم على حديث قد يكون معناه مطابقا لما في القرآن [ ص: 717 ] بأنه موضوع وباطل لا أصل له ، مع أنه في نفس الأمر يحتمل أن يكون الموضوع صحيحا والصحيح موضوعا والله أعلم ، قال المالكي في قوله : " لو مت مت " شاهد على وقوع الجزاء موافقا للشرط في اللفظ لا المعنى لتعلق ما بعده به ، وهو أحد المواضع التي يتعرض فيها للفضيلة لتوقف الفائدة عليها ، فيكون لها من لزوم الذكر ما للعمدة ، ومنه قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم فلولا قوله على غير الفطرة ، وقوله : لأنفسكم لم يكن للكلام فائدة ، ( رواه البخاري ) .
الإمام الكبير شيخ الكوفة ، أبو وائل الأسدي أسد خزيمة الكوفي ، مخضرم أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- وما رآه .
وحدث عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، وعمار ، ومعاذ ، وابن مسعود ، وأبي الدرداء ، وأبي موسى ، وحذيفة ، وعائشة ، وخباب ، وأسامة بن زيد ، والأشعث بن قيس ، وسلمان بن ربيعة ، وسهل بن حنيف ، وشيبة بن عثمان ، وعمرو بن الحارث المصطلقي ، وقيس بن أبي غرزة ، وأبي هريرة ، وأبي الهياج الأسدي ، وخلق سواهم .
ويروي عن أقرانه : كمسروق ، وعلقمة ، وحمران بن أبان ، وكان من أئمة الدين ، وقيل : إنه روى عن أبي بكر الصديق . [ ص: 162 ] حدث عنه : عمرو بن مرة ، وحبيب بن أبي ثابت ، والحكم بن عتيبة ، وواصل الأحدب ، وحماد الفقيه ، وعبدة بن أبي لبابة ، وعاصم بن بهدلة ، وأبو حصين ، وأبو إسحاق ، ونعيم بن أبي هند ، ومنصور والأعمش ، ومغيرة ، وعطاء بن السائب ، وزبيد اليامي ، وسيار أبو الحكم ، ومحمد بن سوقة ، والعلاء بن خالد ، وأبو هاشم الرماني ، وأبو بشر ، وخلق كثير .
روى الزبرقان السراج عن أبي وائل قال : إني أذكر وأنا ابن عشر في الجاهلية أرعى غنما -أو قال : إبلا- لأهلي حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم . عاصم بن بهدلة : عن أبي وائل قال : أدركت سبع سنين من سني الجاهلية . وكيع : عن أبي العنبس ، قلت لأبي وائل : هل أدركت النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم ، وأنا غلام أمرد ، ولم أره .
وروى مغيرة عن أبي وائل ، قال : أتانا مصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتيته بكبش ، فقلت : خذ صدقة هذا ، قال : ليس في هذا صدقة .
وقال الأعمش : قال لي شقيق بن سلمة : يا سليمان لو رأيتنا ونحن هراب من خالد بن الوليد يوم بزاخة فوقعت عن البعير ، فكادت تندق [ ص: 163 ] عنقي ، فلو مت يومئذ كانت النار . قال : وكنت يومئذ ابن إحدى عشرة سنة ، وفي نسخة : ابن إحدى وعشرين سنة ، وهو أشبه .
قلت : كونه جاء بالكبش ثم هرب من خالد ، يؤذن بارتداده ، ثم من الله عليه بالإسلام ; ألا تراه يقول : لو مت يومئذ كانت النار ، فكانت لله به عناية .
وروى يزيد بن أبي زياد ، عن أبي وائل : أنا أكبر من مسروق . محمد بن فضيل : عن أبيه ، عن أبي وائل ، أنه تعلم القرآن في شهرين .
وقال عمرو بن مرة : من أعلم أهل الكوفة بحديث ابن مسعود ؟ قال : أبو وائل .
قال الأعمش : قال لي إبراهيم النخعي ، عليك بشقيق ; فإني أدركت الناس وهم متوافرون ، وإنهم ليعدونه من خيارهم .
وروى مغيرة ، عن إبراهيم ، وذكر عنده أبو وائل ، فقال : إني لأحسبه ممن يدفع عنا به ، وعنه قال : أما إنه خير مني .
قال عاصم بن أبي النجود : ما سمعت أبا وائل سب إنسانا قط ، ولا بهيمة .
قال الثوري : عن أبيه ، سمع أبا واصل سئل : أنت أكبر أو الربيع بن خثيم ؟ قال : أنا أكبر منه سنا ، وهو أكبر مني عقلا . [ ص: 164 ] وقال عاصم : كان عبد الله إذا رأى أبا وائل قال : التائب ، قال : كان أبو وائل يحب عثمان .
روى حماد بن زيد ، عن عاصم بن بهدلة قال : قيل لأبي وائل : أيهما أحب إليك ، علي أو عثمان ؟ قال : كان علي أحب إلي ، ثم صار عثمان أحب إلي من علي .
وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين : أبو وائل ثقة ، لا يسأل عن مثله .
وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث . أبو معاوية ، عن الأعمش ، قال لي أبو وائل : يا سليمان ، ما في أمرائنا هؤلاء واحدة من اثنتين : ما فيهم تقوى أهل الإسلام ، ولا عقول أهل الجاهلية . عمرو بن عبد الغفار ، عن الأعمش ، قال لي شقيق : نعم الرب ربنا ; لو أطعناه ما عصانا .
أخبرنا إسحاق بن طارق ، أنبأنا ابن خليل ، أنبأنا اللبان ، أنبأنا الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا أبو علي محمد بن أحمد ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا خلاد بن يحيى ، حدثنا معرف بن واصل ، قال : كنا عند أبي وائل ، فذكروا قرب الله من خلقه ، فقال : نعم ، يقول الله تعالى : ابن آدم ، ادن مني شبرا أدن منك ذراعا ، ادن مني ذراعا ، أدن منك باعا ، امش إلي ، أهرول إليك . [ ص: 165 ] وبه إلى أبي نعيم ، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، حدثنا أبو يحيى الرازي ، حدثنا هناد ، حدثنا عبدة ، عن الزبرقان ، قال : كنت عند أبي وائل ، فجعلت أسب الحجاج وأذكر مساوئه ، فقال : لا تسبه ; وما يدريك لعله قال : اللهم اغفر لي ، فغفر له .
وبه ، حدثنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني يوسف بن يعقوب الصفار ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم قال : كان أبو وائل إذا صلى في بيته ينشج نشيجا ، ولو جعلت له الدنيا على أن يفعله وأحد يراه ، ما فعله .
قال مغيرة : كان إبراهيم التيمي يذكر في منزل أبي وائل ، وكان أبو وائل ينتفض انتفاض الطير .
قال عاصم بن بهدلة : كان أبو وائل يقول لجاريته ، إذا جاء يحيى -يعني ابنه- بشيء , فلا تقبليه ، وإذا جاء أصحابي بشيء ، فخذيه . وكان ابنه قاضيا على الكناسة . قال : وكان لأبي وائل -رحمه الله- خص من قصب ، يكون فيه هو وفرسه ، فإذا غزا ، نقضه وتصدق به ، فإذا رجع ، أنشأ بناءه .
قلت : قد كان هذا السيد رأسا في العلم والعمل .
قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة : مات في زمن الحجاج بعد الجماجم . وقال خليفة : مات بعد الجماجم سنة اثنتين وثمانين .
وأما قول [ ص: 166 ] الواقدي : مات في خلافة عمر بن عبد العزيز ، فوهم .
مات في عشر المائة . قال عاصم بن أبي النجود : قلت لأبي وائل : شهدت صفين؟ قال : نعم ، وبئست الصفون كانت . فقيل له : أيهما أحب إليك ، علي أو عثمان ؟ قال : علي ، ثم صار عثمان أحب إلي . عامر بن شقيق عن أبي وائل : استعملني ابن زياد على بيت المال ، فأتاني رجل بصك أن أعط صاحب المطبخ ثمان مائة درهم ، فأتيت ابن زياد ، فكلمته في الإسراف فقال : ضع المفاتيح واذهب .
أخبرنا أحمد بن عبد الحميد ، وإسماعيل بن عبد الرحمن ، قالا : أنبأنا عبد الله بن قدامة ، أنبأنا أبو بكر بن النقور ، أنبأنا علي بن محمد العلاف ، أنبأنا أبو الحسن الحمامي ، حدثنا عثمان بن أحمد ، حدثنا محمد بن عبيد الله بن أبي داود ، حدثنا أبو بدر ، حدثنا سليمان بن مهران ، عن شقيق بن سلمة ، قال : قال عبد الله ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار مثل ذلك .